لأنّ المشكلةَ تتكرَّر كل سنة، ولأننا لم نتأخر لا عن السؤال، ولا عن التنويه، ولا التحذير من خطورة ما يحدث نتيجة الاهمال؛ فالمطر كله خير لكنه ينقلب إلى العكس في انعدام وجود بنية تحتية، ومعالجة السدود ومجاري الوديان.
ها نحن في التوقيت نفسه نعود إلى هذا الملف، وهذه المرة جرف السيل عديد الأرواح نتيجة الخلل نفسه، الاهمال نفسه، الفساد نفسه!!.
هذه المادة الصحفية سبق وأنَّ نشرناها في العام الماضي للتنويه إلى ضرورة معالجة مشكلة السدود والتي أغلبها منتهي الصلاحية أصلاً ولأهميتها إرتأينا إعادة نشرها في هذا العدد.
وذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين.
ففي جنوبي العاصمة طرابلس هناك سدٌ كبيرٌٌ يعرف بسد )وادي المجنين(، أو كما يسمى بـ)الوادي المجنون(، أنشيء عام 1972 حيث كان الغرض من إنشائه توفير مياه الأمطار، لاستخدامها في الرَّي الزراعي في المنطقة بالإضافة إلى التحَّكم في الفيضانات السد المجنون الواقع في نطاق بلديات النواحي الأربع تُروى عنه حكايات كثيرة، منها عندما غضب عام 1908 وخرج عن مجراه متوجهًا نحو العاصمة سالكًا مجرى ودايه مارًا بـ)طريق الهضبة( التي لم تكن بعد مدينة يقطنها السكان، بل كانتْ عبارة عن مساحات شاسعة من الهضاب، والكثبان الرمال، وصفت تلك الفترة باستراحة للوادي عندما تسيل مياهه آخدةً تلك الوديان الكبيرة التي تبعد ما يقارب 65 كم .
وكما تروى الحكايات أنه انحدر إلى منطقتي
)أبومليانة، وأبو مشماشة( مرورًا بما يعرف
بـ)شارع الوادي( الآن سالكًا طريقه إلى البحر .
وتكرَّرتْ تلك الحوادث حتى عام 1919 عندما أنشأتْ إيطاليا في تلك الحقبة الزمنية مدينة حديثة خارج صور المدينة القديمة فتغير مجراه ابتداءً من آخر الهضبة إلى باب قرقارش .
في عام 1986 ثار على منطقة الهضبة الشرقية، والغربية، وحي دمشق، والجامعة ومستشفي الخضراء، وخلف أضرارًا مادية كان ذلك قبل، وبعد إنشاء السد .
ففي زيارة ميدانية كان الهدف منها الوقوف على سد وادي المجنين وقبل الوصول يقطع المسافر طريق بلدية قصر بن غشير مرورًا ببلدية سوق الخميس إمسيحل سالكًا الطريق الجنوبي متجهًا نحو بلدية العواتة تلك المدينة التي حطَّطنا بها الرحال، وتجولنا صحبة أهلها الطيبين الذين بدورهم قدموا لنا شرحًا مفصلاً عن المدينة، وما يشكله السد من أهمية كبيرة خاصة في فصل الشتاء حيث تصب به المياه من الجنوب الغربي، والجنوب الشرقي، وتأتي من أماكن بعيدة تبعد قرابة الـ)3( ساعات بالسيارة .
هذه الوديان التي تأخذ طريقها عبر مسالكها متجهة نحو مناطق كثيرة حتى تنتهي بها إلى السد باعتباره السد الوحيد الذي تصب فيه السيول .
فالمزارع يشتكي من نقص المياه عندما تكون في السدود، ولا يمكن الاستفادة منها عند الزراعة والرَّي بالإضافة إلى بقاء الوديان في خضرة دائمة؛ فبقاؤها دون الاستفادة منها يشكل خطرًا كبيرًا على الزراعة فهذا المشروع يعد مشروعًا عملاقًا لا بد أن تتم الاستفادة منه قدر المستطاع بدلاً من التساؤل عن جدوى وجود السد في ظل وجود المياه دون الاستفادة منها؛ فالموقع متميزٌ حسب ما يرى البعض غير أن الفائدة منه تحتاج إلى مباشرة الجهات المعنية للعمل على تحسين الفائدة من وجود الماء في المجال الزراعي، وغيرها إذا أردنا إنشاء السدود فلا بد من متابعتها بدلاً من اهمالها إلى أن تحدث الكارثة .
فالتضاريس الجغرافية منها الجبلية تمكن المياه من التدفق بكميات كبيرة .
من جانبه أفادنا الأخ عبدالله المبروك أن السد قد لا يشكل خطرًا على المدن والقرى لطالما هناك عملٌ جاد من قبل الحكومة؛ فمجاري الوديان تأتي من مناطق بعيدة إلا أن الخطر الأكبر دائًما في فصل الشتاء؛ فالبلديات من خلال وزارة الحكم المحلي يجب أن تكثف جهودها في توفير الاحتياجات الضرورية مع متابعة دورية لمجرى الوديان؛ فهي دائمًا ما تحتاج إلى النظافة والتوسعة المستمرة حتى يتسنى لنا التنقل بكل حرية، وهناك طرق وعرة داخل البلدية يجب أن تنفذ بها المشاريع من قبل وزارة المواصلات ويجب أن تعطى المشاريع للشركات المنفذة ذات الاختصاص تعمل وفق مواصفات فنية يقوم بها فنيون ومهندسون معمارون؛ فهناك مشروع يتم تنفيذه الآن وهو عبارة عن معبر لطريق على خط الوادي باشرتْ العمل فيه شركة محلية وعلى ما يبدو غير مناسب ويحتاج إلى إعادة رؤية فنية ونحن نحتاج إلى التنقل بالسيارة من مكان إلى آخر خاصة وأنه في اتجاه الجنوب الغربي يجب أن يتم العمل على تنفيذ طريق معلق مناسب خاصة وتلك المناطق توجد بها مقرات حكومية كـ)المدارس، والأعمال الإدارية( الأخرى في فصل الشتاء لا يمكن التنقل بالسيارة .
وأضاف: إن المنطقة تحتاج إلى عمل متواصل إن أردنا الحفاظ على ممتلكات وأرواح الناس فكما تعلم أن هناك بعض الوديان التي تمر من داخل المنطقة غالبًا ما تجد بها مبانٍ سكنية محاذية للوادي، ويقول البعض لطالما مر الوادي في مجراه سلسًا يكون آمنًا لا يشكل خطرًا؛ فالتضاريس الجغرافية قد تلعب دورًا مهمًا في عمليات إنسياب المياه سالكة طريقها نحو السد .
السيد صلاح الذويب من جانبه قال إنّ الحديث عن المشكلات التي تعاني منها المنطقة يحتاج الكثير من العمل؛فالبلدية حقيقة تسعى دائمًا إلى العمل الذي يمكنها من العيش بسلام مع توفر الاحتياجات للمنطقة والسكان فهنك عديد الوديان كما تحدثنا عنها عند التجوال بها من بينها وادٍ يحتاج إلى عمل كبير، ومتواصل وهو الذي يتعلق بالصرف الصحي أرهق المنطقة، وأصبح كالشبح في فصل الصيف يتسبب في الروائح الكريهة وتكاثر الحشرات الضارة، وغيرها وهذا مشروع يحتاج إلى متابعة؛ فالبلدية نحن نعلم بأنها تحتاج إلى الكثير؛ فالبنية التحتية المتعلقة بالطرق والجسور ومياه الشرب وغيرها تحتاج إلى أموال تصرف من قبل الحكومة حتى نتمكن من معالجة كل الاشكاليات المتعلق بالمدينة .
من جهة أخرى قال السيد عبد الكريم الشوشان:إن هذا السد نسبة مخاطره كبيرة؛ فالكارثة التي حدثت في مدينة درنة حقيقة كارثة الوطن وكان بالإمكان العمل على تخفيف معاناتها في حال استغلت المياه التي لم يتم الاستفادة منها في مشروعات عملاقة ولكن قدَّر الله وما شاء فعل فإن إرادتْ الحكومة تفادى مشكلات السدود عليها أن تباشر من الآن في حلحلة جل المشكلات المتعلقة بها بدايةً من الكشف الدوري عليها وتنظيف طرق ومسالك الوديان التي تأتي منها السيول بدلاً من اهمالها وتفادي مشكلاتها قبل أن تحدث الكارثة و أن معظم تلك السدود قد وصلت إلى نهاية عمرها المفترض.
وهو ما ينذر باحتمال وقوع كوارث أخرى على شاكلة فاجعة درنة في أماكن أخرى، إذا لم تحظ بالصيانة اللازمة فانقطاع التيار الكهربائي عن السدود هو مشكل كبير يجب معالجته؛ وفي الحقيقة هي تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة جدًا؛ فالأبحاث العلمية التي غالبًا ما نسمع عنها هي الأخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ولطالما سرقت مضخاتها ومعداتها يجب أن تباشر الحكومة وعلى الفور في توفير احتياجات كل سد من السدود المنتشرة في الغرب والشرق .
قرابة ثمانية عشر سداً مائياً تم إنشاؤها شرق وغرب ووسط ليبيا في العقود الثلاثة الماضية بحسب ما أوضحته الهيئة العامة للمياه والتصميمات التي وضعت قبل إنشاء السدود كانت ترمي لتوفير 375 مليون متر مكعب من الماء، بينما كميات المياه المحتجزة سنوياً لا تتجاوز 65 مليون متر مكعب لعدد 18 سدًا أهمها )سهل الجفارة(، وكل هذا بسبب الأخطاء التصميمية ما أسفر عن حجز كميات بسيطة من تلك المستهدفة والتي صمم السد وتكلف ماليًا على أساس تحقيقها»، وهو ما يكشف عن إهدار كبير في بلد يحتاج إلى كل قطرة من معدل هطول الأمطار الذي يصل إلى 2.5 مليار متر مكعب سنويًا وفقًا ما أشار له نخبة من الأساتذه في قسم التربة والمياه «إنّ نسبة ما تحجزه السدود تعد بسيطة جدًا، مقارنةً مع نسبة هطول الأمطار سنويًا».
وتقع ليبيا ضمن المنطقة العربية التي تعد من أكثر المناطق فقرًا في موارد المياه في العالم، وتتجاوز ليبيا مع 12 دولة عربية أخرى خط الفقر المائي الحاد إذ يقدّر نصيب الفرد فيها بحوالي 120 متراً مكعباً في السنة لكل فرد، وذلك وفقاً للتقرير العالمي لتنمية المياه لعام 2015 في حين أن حد الفقر العالمي يقدّر بألف متر مكعب في السنة لكل فرد حسبما جاء في بحث سياسات إدارة الموارد المائية في ليبيا الصادر عن المنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات في شهر مايو عام 2017.
تغير المناخ
يعدُّ تغير المناخ عاملاً آخر يضاف إلى عامل الزمن ليزيد القلق بشأن مخاطر السدود القديمة، فقد صممت تلك السدود لتتحمل أسوأ الظروف، لكنهم لم يضعوا في الحسبان المناخ المتطرف الذي يشهده العالم يومنا هذا.
فالأحداث المناخية التي كان ينظر إليها على أنها تحدث مرة في كل قرن، أصبحت الآن كثيرة الحدوث، وهو ما يشكل خطرًا على السدود القديمة ويضاعف احتمالات انهيارها أو تصدعها في أحسن الأحوال.
لم تكن الكارثة التي حلت بدرنة جراء انهيار سديها أول حوادث السدود العتيقة، فقد أثّرت الأمطار الغزيرة والعواصف المرتبطة بتغير المناخ سلبًا على بعض سدود العالم.
ففي عام 2017، دمرت الأمطار الغزيرة سد «أوروفيل» القديم في ولاية كاليفورنيا الأميركية، مما أدى إلى إجلاء سكان المناطق القريبة.
وفي عام 2021، دمرت قطعة من الجليد في الهيمالايا سدًا في شمال الهند وألحقت أضرارًا بآخر، مما تسبب في مقتل عشرات الأشخاص في المنطقة المنكوبة.