كان ليَّ بالأمس زيارةٌ إلى معرض الفنان التشكيلي عبدالقادر بدر في براح للثقافة والفنون Barah Culture & Arts الذي شاهدتُ من خلاله ارتقاءً وتطورًا واضحين في أعماله على مستواه الخاص وعلى مستوى الحركة التشكيلية الليبية والعربية بشكل عام.
وفي محاولة متواضعة مني لقراءة جزءٍ من أعماله التي أراها أعمالًا تتجاوز المحلية.
عبدالقادر يجمعُ أطرافَ المدينة الليبية والعربية في لوحة واحدة؛ فقوارب المتوسط بمختلف أشكالها تسبح في سماء لوحاته مع أبواب مدنها القديمة ونخيلها وألوانها الحارة، فهو ابن مدينة بنغازي الساحلية مدينة الشمس وقوارب الصيد، والأبواب العتيقة، مثلها كمثل باقي مدن المتوسط في تونس والجزائر، والمغرب، ومصر ،ولبنان وغيرها كأنه يحاول أن يذكّر المشاهدَ بأهمية ربط الهوية الليبية المغاربية العربية بمدنها وتراثها، فالملاحظ في أغلب أعمال بدر هو ربط مدينته بنغازي بأربعة محاور.
الأول: تأكيد هويته الليبية عن طريق مسقط رأسه بنغازي متمثلة في قوارب الشابي، والصابري، وأبواب «بوخوخة» خريبيش وسوق الحشيش وحوت القاجوج والتريليا، والبوحوام «النورس».
ثانيًا: ربط بنغازي بمدن الساحل العربي المغاربي المتشابهة إلى حد كبير بقواربها ومناخها، وبيوتها العتيقة في تونس، والجزائر، والمغرب وغيرها.
ثالثًا: ربط بنغازي بمدن الجنوب الليبي والعربي، فملاحظة إضافة النخيل مع كتل لونية تشبة المساكن توحي ببيوت غدامس، وسبها، والواحات، وتيزي وأوزو وغيرها، فربط السمك بالنخيل في اللوحة نفسها هو رمزيةٌ مهمة لربط تفاصيل هوية المكان، والزمان مع تداخل لون الرمال الحارة بالسماء الزرقاء و البحر.
رابعًا: وضع المنارة في مكانها المرتفع توحي وكأنها شاهد على عالمية هذه المدينة المتوسطية البسيطة، فالمنارات رمزية تجمع كل مدن الساحل في العالم وهي رمزية الانفتاح على الآخر عن طريق البحر..
)تركواز( كان اسم المعرض، و أتصور انه مستوحى من لون سماء، وماء البحر في المتوسط، ولكن )هوية التركواز( هي ما يبحث عنه عبدالقادر بدر حسب قرأتي المتواضعة، فالخطاب البصري عند بدر هو غوصٌ في مفهوم الهوية عن طريق فهم هوية المكان والزمان، فهو يربط نفسه بالمكان والبيئة التي تربى فيها والتي منها ينطلق إلى جغرافيات متعدَّدة متخذًا بيئته كميناء يركن إليها متى ما أراد، وقد نجح في نقل ذلك الشعور حسب فهمي المتواضع، أما هوية الزمان لديها مكانة متمثلة في رمزية تلك الأبواب القديمة وأشجار النخيل المتجذرة في الأرض.
اعتمد بدر على ألوان الأكريلك في كل أعماله تقريبًا مع استخدام مجموعة لوحات ذات أحجام كبيرة جدًا لأول مرة مع استخدام اللون الأزرق وتدرجاته والترابيات..
كما استخدم مواد مختلفة مع ملاحظة زيادة الكتل اللونية خصوصًا في أعماله الكبيرة الحجم…
يعد بدر أحد فناني ليبيا التشكليين المهمين خصوصًا فيما يعرف بالتجريد التعبيري، وهي مدرسة ظهرتْ في باريس بعد الانطباعية، ومازالت مستمرة.
وتبقى كل قراءة لعمل فني هي اجتهادٌ شخصي قابل لكل التفاسير كل حسب فهمه.
وقد ترك لنا عبدالقادر بدر قارورةً مغلقة في قارب كرمزية تفسيرية لأسرار تجربته التي نحترمها ونفتخر بها…