صرتُ في الثاني والعشرين من يناير بين الذين ضمهم فضاء فندق «كورنثيا» بمدينة طرابلس لحضور أشغال الملتقى الثاني للإرادة الوطنية تلبيةً لدعوة اللجنة التحضيرية المنبثقة عنه والشعار المحدد له، ألا وهو دعم العملية السياسية الشاملة. هو تجمع يضم ثلاثة تكتلات حزبية تزيد عن السبعين، حيث دعى لهذا الملتقى عددٌ من المؤسسات ذات الصلة والشخصيات المعروفة باهتمامها وحضورها وقدرتها على الإثراء والإسهام المسؤول، وقد فُتِحَت أشغال الملتقى عند الساعة العاشرة حيث رَحّبَ المنظمون للمنشط بالحاضرين ومن ثَم أُعطيت الكلمات للهيئات الاعتبارية ذات العلاقة طبقاً للتقليد المتعارف عليه في تبادل الاعتراف حرصاً على المشترك الذي يُجنّبُ التضارب غير المفيد لأحد، ليُتلى بعد ذلك البيان العام المحدد لأهدافه والرامي إلى حض الحضور على العمل لتحقيق جملة المطالب، وقد أُنيطت تلاوة البيان المذكور بالمستشار كمال محمد حذيفة أبرز العاملين في قطاع العدل نيابةً وقضاءً ممن انخرطوا في انتفاضة فبراير فور اندلاعها في بنغازي ولم يبادر أحد في مسقط رأسه وإقامة أهله باستنكار موقفه كما جرت العادة في مثل هذه المواقف، وربما ثمة من سعى إلى التواصل معه بهذه الطريقة أو تلك، إلى أن قُدِّرَ للتجربة أن تَمُرَّ ويكتفي بغشيان الوغي من كُتِبَت له العِفَّة.
وقد انطلق البيان من إبداء القلق الشديد من سوء أحوال البلاد وتجليات هذا السوء في ضعف أداء المؤسسات جرّاء الانقسام الذي أنتج غياب الكفاءة والمساءلة وارتفاع نسبة الفساد وشيوع الفوضى جرّاء انعدام الميزانية العامة للدولة كما تفرض قواعد الحكم أياً كان مستواه من الرُشد، صحيح أن خرق القواعد من الأمور الشائعة في تاريخنا الوطني لأكثر من مرحلة، إلا أنه وصل في أيامنا هذه مستوى من المجاهرة إلى الحد الذي لا يستطيع الإفلات من مسؤوليته الأدبية أشد الناس استخفافاً بالرأي العام، وقد حدد البيان جملة من المقترحات التي بدا من تحقيقها ما يشكل مخرجاً من المخارج كثقافة الحوار وإعادة الثقة بين مختلف الأطراف وضمان المشاركة السياسية الواسعة والشاملة لاحتواء الأزمة وتشكيل حكومة واحدة تلقى قبول جميع الليبيين وتنحصر مهمتها في نقاط محددة مسبقاً بشكل دقيق وجدول زمني واضح وتتبنى ما ورد في إحاطة البعثة الأممية حول التطورات السياسية والأمنية وعزمها على تشكيل لجنة فنية استشارية لمعالجة كل القضايا التي تعوق إجراء الانتخابات ووضع خارطة طريق متعددة المسارات تُخرج البلاد من المراحل الانتقالية وصولاً إلى تحقيق تسوية سياسية دائمة تمثل الإرادة الشعبية وتعزز الديمقراطية شريطة تحديد مهام اللجنة ومعايير تشكيلها والجدول الزمني الضابط لأعمالها، والاتفاق على وضع برنامج عمل شامل للانسحاب التدريجي والمتوازن للمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية والتنسيق مع الدول المعنية لضمان نجاح العملية واستعادة هيبة الدولة وسيادتها وسلامة مواطنيها.