
كنا قد نشرنا سابقًا جانبًا من أسباب الشقاق، أو مسبباته الشائعة التي قد تعصف بأركان الأسرة في مجتمعنا فتكلمنا على بعض أكثر تلك الأسباب شيوعًا مثل : الانفاق، وغيرها. نتحدث في هذا العدد عن سبب آخر لا يقل أهمية لكثرة شيوعه من الناحية العملية، بل اضحى أحد صور الديباجة القانونية لصحائف دعاوى التطليق في المحاكم، ولا تكاد تخلو صحيفة دعوى من هذا السبب ألا وهو «اساءة المعاملة الأسرية» بكافة بأشكالها كافة .. وكما جرت العادة نستعرض بداية بعض القضايا التي تناولت هذا الأمر، وقال القضاء كلمته فيها ..
ففي القضية الأولى التي أقامتها «ن.أ.م» ضد زوجها «موكلنا» طالبةً فيها تطليقها منه للضرَّر، وقد أسستْ دعواها على عدة أسباب، وكان من بينها ادعاءها بالتعرض لها بالضرب في عام 2008 وضرب بناتها منه .. والمحكمة وبعد أن فرغت من نظر الدعوى وسماع شهادة شهود الاثبات، والنفي قضت بتطليقها لاستحالة العشرة مع اسقاط كافة حقوقها، وذلك لعدم اثباتها دعواها من جهة، ومن جهة أخرى فان الزوج اثبت أن زوجته استمرت في البقاء معه بعد تاريخ الواقعة التي تدعيها .
أما في القضية الثانية التي اقامتها الاخت ) م.م.ع( ضد زوجها طالبة فيها التطليق منه للضرَّر على سند من القول انه اساءة معاملته لها فكان كثيرًا ما يوجه لها الكلام البذئ الذي يحط من كرامتها كما أنه كثيرًا ما يعتدي عليها بالضرب كان آخرها يوم تركها بيت الزوجية حيث هددها بالقتل والضرب وكان من بين ما شهدوا تلك الواقعة والدها وشقيقها .. والمحكمة بعد سماع شهادة الشهود وما تم تقديمه لها من تقارير طبية تثبت تعرضها لما تتدعي به قضت بتطليقها من زوجها مع إلزامه بدفع كل حقوقها المالية المترتبة على الطلاق ومنحها حق حضانة ابنتيها منه .
أما في القضية الثالثة التي اقامها
)خ.إ.أ( ضد زوجته طالبًا فيها ايقاع الطلاق عليها بعد أن اساءت اليه والى اهله وبعد ان تقدمت ضده بشكوى كيدية سجن على اثرها ليتم تبرئته منها والمحكمة قضت بتثبوت الطلاق الذي اوقعه عليها ورفضت دعوها المقابلة بشأن طلبها للحقوق المالية المترتبة على الطلاق بالارادة المنفردة.
من هنا عزيزي القاريء يتضح لك أن لسوء المعاملة عدة صور قد يكون بالضرب أو بالسب والشتم أو بغيره، فكل ذلك من صور سوء المعاملة الاسرية إلا أن ما جرى عليه العمل في القضاء إن لاعتبار سوء المعاملة سببا يجيز للزوجة طلب التطليق أو يمنح للزوج طلب اسقاط حقوق طليقته عدة شروط، فالشرط الاول ان يثبت مدعي سوء المعاملة امام المحكمة دعواه فيكون ذلك اما بالشهود او بالتقارير الطبية او باي وسيلة اخرى ..والشرط الثاني ان يكون هذا الادعاء سببًا لخروج الزوجة من بيت الزوجية، أو سببا مباشرا لايقاع الزوج الطلاق على زوجته ..فاذا ما ثبت للمحكمة ان من يدعي الضرر قد رضى به واستمر في علاقته الزوجية بالطرف لاخر سقط حقه في طلب التطليق لهذا السبب ..وهذا ما يفسر ما ذهبت له المحكمة في القضية الاولى عند قضائها باسقاط حقوق الزوجة، حيث ان الزوجة تدعي بواقعة ضرب في سنة 2008. قد تركت بيت الزوجية في 2018 أي بعد عشر سنوات من الحادثة فحتى ان افلحت في اثبات دعواها الا ان بقاءها طيلة عشر سنوات بعد تلك الواقعة يكون فيه معنى التنازل والرضى فلا يكون لها بعد ذلك الادعاء بالضرر ..
الرأي القانوني
نصت المادتان 17و18 من القانون رقم 10لسنة 1984 بشأن احكام الزواج والطلاق واثارهما على واجبات وحقوق طرف في عقد الزواج فكان من ضمن تلك الحقوق التزام الطرفين بعدم الالحاق الاذى المادي والمعنوي بالطرف الاخر ..
وعليه فاذا اثبت احد الاطراف ان الطرف الاخر اساء معاملته ماديا او معنويا فان يكون لدعواه اساسا قانونيا يجد سنده في متن هده المادة
كما ان المشرع في القانون ذاته وبنص المادة39 اشترط لنيل مدعي الضرر ان يثبت دعواه فاذا لم يفلح في ذلك واستمر الشقاق بينهم قضت المحكمة بتفريقهما مع اسقاط حقوق طالب التفريق ..