
هل يستطيع الليبي بناء بيت ؟!
كيف يقوم المواطنون ببناء منازلهم في ليبيا ؟، هذا السؤال توجهنا به إلى عينة عشوائية من فئات المجتمع داخل مدينة طرابلس، ممن شرعوا في تشييد مساكنهم الخاصة بإمكاناتهم المحدودة، المتمثلة في المعاش، بإعتباره مصدر الدخل الوحيد لهم .
استطلعنا آراءهم بدءًا من مرحلة إمتلاك قطعة الأرض، التي تجيز التراخيص القانونية إنشاء منزل على سطحها، إلى البدء في تصميم الخريطة من قِبل المهندسين المختصين )مدني ومعماري(، والمقاول الذي سيحدّد إختيار المواد اللازمة من : )حديد، وإسمنت، ورمل، وخشب( …إلخ
ثم بناء المنزل بقواعده الأساسية، وسقفه مروراً بمراحل إيصال الكهرباء، وربط الماء، وأعمال السباكة حتى الوصول للتشطيب النهائي من تركيب المواد الصحية، والأبواب، إلى آخر جولة في رحلة التشييد التأثيت والتفريش والسكن.
بناء بيت بمرتب
(ضرب من الجنون!
في بلادنا البناء استنزاف
للجهد والمال والعمر !!
طارق حمزة / موظف قال:
البناء في بلادنا صار عملية إستنزافية للمال والجهد وحتى العمر !
يعني ما بين امتلاكك لقطعة أرض وإستكمال بنائها قد يستغرق الأمر 10 سنوات وربما زيادة .
والسبب غلاء سعر المواد ، الفترة الأخيرة اليد العاملة أسعارهم مستقرة، لكن المواد شي مبالغ فيه.
أنا بدأتُ في البني منذ 5 أشهر، وحالياً أوقفتُ كل شي، وصلتُ في مرحلة صب السقف، لم نتمكن من توفير المبلغ اللازم
أنا وأخي كنا واخذين قطعة 2000 متر، ولم نستطع أن نكمل بناء 170 مترًا مسقوف فقط !
قنطار الحديد غالٍ جداً، ونحن أصحاب معاشات ليس لنا موردٌ آخر .
قنطار الإسمنت وصل لـ)65( دينارًا.
ولصب السقف نحتاج تقريبًا 170 قنطارًا، فلكم أن تتخيلوا صعوبة الأمر .
رياض حمودة/موظف.. قال معقباً عن سؤالنا :
السوق كل يوم في تغير مستمر ، يفاجأك أحياناً بثباته، ويصدمك في أغلب الأحيان بنقلات صاروخية في الأسعار.
وحتى القوة العاملة، بحسب طلبك في مستوى البناء، والتشطيب متوسط عادي أو جيد جدًا، أو «سوبر لوكس»، تخرج بحسبة غير متوقعة، وبعيدة عما أغراك به المقاول في البداية.
يعني في الإتفاق يصير شي، وعلى أرض لواقع تحدث تغيرات تفرضها عدة عوامل، ولا تستطيع وقتها أن تتراجع للخلف .
وقد حصل معي موقفٌ لما ركبت النوافذ كانت حسبتهم كاملة بـ)30( ألف دينار، وبعد فترة وجيزة تأخرت فيها، صارت كلفتهم )35( ألف دينار، هكذا ببساطة !
لا يمكن لأحد يفكر في بناء بيت حتى لو كان استراحة صغيرة من 120 مترًا أن يضع حسبة دقيقة لتكلفة البناء .
المقاولون يعطوك تقديرات مطمئنة في البداية، ليجلدوك بطلبات قفل حساباتهم على أرقام صادمة..!
وهذا ماحصل معي أثناء بنائي لإستراحة لم تتجاوز 170 مترًا.
ويحكي- أبو إياد عن تجربته قائلاً :
بدايتي كانت في 2019 بشراء الأرض عن طريق استخراج بطاقات أرباب الأسر في فترة حكومة المجلس الرئاسي، وبيعها، كنتُ أشحن البطاقة، وأبيعها بالصك لأنها تجلب مبلغًا أكبر، وضفتُ على ذلك محصلة ما بعته من ذهب زوجتي، جزء من مدخراتها تخلتْ عنها في سبيل نشروا أرض، ويكون لها بيت مستقل، لأننا كنا نعيش في بيت الوالد منذ 15 سنة، وأطفالنا كبروا، وصار لزامًا علينا البحث عن وسيلة لتحقيق حلمنا بالبناء.
فكانتْ فكرة الجمعيات هي المخرج الوحيد من أزمة العجز، مع محدودية المرتبات، ونقص السيولة، تبهدلنا في البداية.
وفي 2021 لما كان مصنع الحديد مصراتة مقفلاً اشترينا المواد من السوق السوداء، والأسعار نار قنطار حديد 14 أخذته بـ)450( دينارًا، وقنطار حديد )6( كلفني 550، والإسمنتب ،45 و48 دينارًا للقنطار.
وتفاهمتُ مع مقاول، أوصلتني »فلوسي« للسقف فقط.
بعدها اضطرّرتُ لإستدانة مبلغ لإكمال الهيكل، وبعدها اعتمدتُ على نفسي خدمت خطوط الكهرباء بيديا، كسرت وحفرت المجرى، وجلبت عمال للملعقة فقط.
وهكذا في كل سنة أنجز جزء، السور والفسكية وخطوط المياه كلها أتممتها بواسطة فلوس الجمعيات التي استمرينا فيها أنا وزوجتي على مدار السنة، واقتصدنا في معيشتنا لأقصى درجة ، حتى وصلنا لمرحلة المواد الصحية سيراميك المطبخ والحمامات وزليز البيت أتممناه مؤخراً، وسكننا في بيتنا دون أبواب، المهم أننا استقلينا أخيرًا .
ويضيف : رحلة كفاح طويلة لم تنتهِ بعد، حالياً أعمل على جمع مبلغ لإكمال المربوعة الخارجية والجنان، وحفر بئر ماء وملعقة السور، وربنا يسر الأمور .
أم عبد المالك – معلمة قالتْ :
في زمنّنا هذا التفكير في بناء المنزل بالمرتب فقط ضرب من الجنون، إلا إذا تحصل الفرد منا على ورثة، أو قرض،أو ما شابه.
وبالنسبة لتجربتي التي أخذتْ من عمرنا 12 سنة بين شراء القطعة، وحتى اليوم بيتنا كملناه، من الداخل، ومزال الفناء الخارجي فقط
وتستعرض كلفة بعض المواد في التشطيب قائلة: الجبس العادي البسيط كلفنا6000 دينار، لأن خدمته حسب جودته منه العادي، والمتوسط، والعالي
أما السيراميك فكلفنا 8000 دينار ومسقوفنا 230 مترًا، والتشطيب للعتبات الأبواب والمدخل بالرخام الهندي المتر الواحد بـ)350( دينارًا.
أما الطلاء فكل شهرين السعر يزيد، النَّوعية GLC كانت ب)175( قبل ثلاثة أشهر اليوم ب205 دنانير، واليد العاملة كلفتنا 4000 دينار.
المواد الصحية فقط بـ)5000( دينار، والعديد العديد من التفاصيل التي مازلنا لم نصل فيها، لأننا معتمدون في الصرف على الجمعيات فقط ، حتى القروض رفضتها لأني حرصتُ على بناء بيت عائلتي بمال حلال بعيداً عن الربا والسلف.
أما الأخ / خليفة – موظف فيقول : كل إنسان له الحق في الاستقرار بحياة كريمة، والتي من أولوياتها بناء منزل يعيش فيه
هذا المنزل اليوم وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة صار حُلماً لدى معظم المواطنين الذين لجأوا للإيجار .
من جهتي فقد وفرتُ المالَ، وأقدمتُ على البناء، الخطة الأولى كانت شراء الأرض في مكان بعيد عن المدينة، سعرها يُعد مقبولاً ، الخطوة التالية تطلبتْ ثروة طائلة دون مبالغة !.
بعد إطلاعي على أسعار مواد البناء في السوق من :
)قزة، وشرشور، وحديد وإسمنت، وبموشي( ومع أنها تُصَنّع محلياً فلدينا أكبر مصنع للحديد والصلب في شمال أفريقيا، وعدة مصانع في شرق البلاد وغربها، كذلك الحال ينطبق على مادة «الإسمنت»؛ فهذه المواد بأنواعها والسوق المحلي يعج بمادة «الاسمنت» سواءً منها التركي، والليبي والمصري والجزائري والتونسي، كل نوع بسومه.
المقاول يشترط للصبَّة نوعًا معينًا، وللملعقة نوعًا، ويبقى المواطن الكادح في حيرة ما بين متطلبات البناء الصح، وبين طاقته المالية ونار الأسعار التي تتبدل كل يوم بشكل ..!
حسب نوع الحديد )6 و8 و12 و14(، والقزة هناك )رملة العزيزية ورملة الجميل وزليتن(كل نوع بثمنه : قزة العزيزية بـ)20( دينارًا للغرفة، والجميل بـ)60( دينارًا، وزليتن)100( دينار،، وكل نوع بسوم، و«البوميشي» حتى هو أسعاره متفاوتة .. الحقيقة عملية البناء مرهقة مادياً ومعنوياً، والمواطن البسيط الذي يطمح للاستقرار وقع بين فكّي كماشة، وحين نتساءل بحرقة لماذا هذا الغلاء المبالغ فيه ؟!!.
يأتيك الردُ بأن هناك يدًا خفية وراء ارتفاع تكاليف مواد البناء، وأن
الكسارات التي تصنع الشرشور ونظرًا لأزمة النافطة فإن أسعار النقل تزيد، وكذلك الحال ينطبق على مصانع الإسمنت الذي سعره من المصنع بـ)32( دينارًا، قبل أشهر كان سعره )16(دينارًا فقط، لكن في السوق الموازي يباع بـ)60( د.ل، وكذلك الحديد، والرمل، ودونها لا يمكن بناء بيت.
كان الله في عون المواطن.