رأي

صرخات تحت الماء    

فائزة صالح

في‭ ‬لحظة‭ ‬فرح‭. ‬تحوّل‭ ‬صوت‭ ‬الضحك‭ ‬إلى‭ ‬صراخ،‭ ‬والموج‭ ‬الهادئ‭ ‬إلى‭ ‬فاجعة‭. ‬رغم‭ ‬النداءات‭ ‬والتحذيرات،‭ ‬والإشارات‭ ‬الحمراء،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬أرواح‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬تُزهق‭ ‬بين‭ ‬أمواج‭ ‬البحر،‭ ‬لتتحوّل‭ ‬الشواطئ‭ ‬من‭ ‬مساحات‭ ‬حياة،‭ ‬إلى‭ ‬مقابر‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬حزنٍ‭ ‬لا‭ ‬يجف‭.‬

في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أسبوع‭ ‬سُجلت‭ ‬عدة‭ ‬حالات‭ ‬غرق‭ ‬لأطفال‭ ‬وشباب‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر‭. ‬جميعهم‭ ‬خرجوا‭ ‬للسباحة‭ ‬رغم‭ ‬التحذيرات‭ ‬الواضحة‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬الدفاع‭ ‬المدني،‭ ‬والأرصاد،‭ ‬والتي‭ ‬شددت‭ ‬مرارًا‭ ‬على‭ ‬خطورة‭ ‬التيارات‭ ‬البحرية،‭ ‬وتقلّبات‭ ‬الطقس،‭ ‬وعدم‭ ‬السباحة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬غير‭ ‬الآمنة‭. ‬لكن‭ ‬غياب‭ ‬الوعي‭ ‬الأسري،‭ ‬والاستهتار‭ ‬بالتنبيهات،‭ ‬كان‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬صوت‭ ‬التحذير‭. ‬

أحد‭ ‬رجال‭ ‬الإنقاذ‭ ‬يروي‭ ‬بحرقة‭: ‬نصل‭ ‬متأخرين‭ ‬دائمًا‮…‬‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الغفلة،‭ ‬تنهي‭ ‬حياة‭ ‬إنسان‭. ‬نحذر‭ ‬ونكرر،‭ ‬لكن‭ ‬البعض‭ ‬يعد‭ ‬البحر‭ ‬مجرد‭ ‬نزهة،‭ ‬وينسى‭ ‬أنه‭ ‬قاتل‭ ‬صامت‭.‬

أسماء‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬صور‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل،‭ ‬وقصص‭ ‬موجعة‭ ‬في‭ ‬مجالس‭ ‬العزاء‭.‬

خرجوا‭ ‬للبحر‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬صيفي،‭ ‬وعادوا‭ ‬جثثًا‭ ‬هامدة،‭ ‬تاركين‭ ‬وراءهم‭ ‬أمهات‭ ‬مكسورات،‭ ‬وآباء‭ ‬لا‭ ‬يجف‭ ‬دمعهم‭.‬

أكبر‭ ‬مشكلة‭ ‬نواجهها‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الأسر‭ ‬تترك‭ ‬أبناءها‭ ‬دون‭ ‬رقابة‭ ‬حقيقية،‭ ‬وتستهين‭ ‬بعوامل‭ ‬الخطر‭. ‬البحر‭ ‬ليس‭ ‬حديقة،‭ ‬والموج‭ ‬لا‭ ‬يرحم‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬موجة،‭ ‬هناك‭ ‬قصة‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬تُروى،‭ ‬أو‭ ‬تُدفن‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬غريق،‭ ‬هناك‭ ‬لحظة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تُنقَذ،‭ ‬لو‭ ‬فقط‭ ‬سمعنا‭ ‬التحذير‭.‬

‭ ‬لا‭ ‬تجعلوا‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬ساحة‭ ‬لحزن‭ ‬جديد،‭ ‬افهموا‭ ‬خطره،‭ ‬احترموا‭ ‬طبيعته،‭ ‬وأنقذوا‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬صيفٍ‭ ‬لا‭ ‬نريده‭ ‬أن‭ ‬يتحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬موسم‭ ‬جنائز‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى