رأي

ديوان «النخيخة» مقارنة ومقاربة

أمين مازن

دون‭ ‬التحسس‭ ‬من‭ ‬صلة‭ ‬الرحم‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬النخيخة‭ ‬الصادر‭ ‬أخيرا‭ ‬ضمن‭ ‬مطبوعات‭ ‬دار‭ ‬الجابر‭ ‬في‭ ‬بنغازي،‭ ‬أستطيع‭ ‬الإشادة‭ ‬بحرص‭ ‬أحمد‭ ‬ثاني‭ ‬أبناء‭ ‬أخي‭ ‬المرحوم‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬التماس‭ ‬تقديم‭ ‬عمله‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬الأكاديمي‭ ‬المعروف‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬برهانة،‭ ‬أحد‭ ‬أشهر‭ ‬الذين‭ ‬ارتادوا‭ ‬ميدان‭ ‬دراسة‭ ‬التراث‭ ‬عبر‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعي‭ ‬وواصلوا‭ ‬السير‭ ‬فيه‭ ‬تحصيلا‭ ‬وعطاء‭ ‬بما‭ ‬ألف‭ ‬وناقش‭ ‬ورعى‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬لمس‭ ‬فيهم‭ ‬الموهبة‭ ‬والاستعداد‭ ‬للعطاء‭ ‬كما‭ ‬شهدت‭ ‬مقدمته‭ ‬لكتاب‭ ‬‮«‬أغاني‭ ‬النّخّيْخَة‭ ‬في‭ ‬واحات‭ ‬الجفرة‮»‬‭ ‬موضوع‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭. ‬إنه‭ ‬التقديم‭ ‬الذي‭ ‬خصّه‭ ‬برهانة‭ ‬بكلمات‭ ‬مكثفة‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬التعريف‭ ‬بالمنجز‭ ‬والحض‭ ‬على‭ ‬المواصلة‭ ‬وتحديد‭ ‬نوعية‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬الإيفاء‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬بدا‭ ‬محتاجا‭ ‬إلى‭ ‬التوسع‭ ‬فيه‭ ‬كما‭ ‬ونوعا‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬قد‭ ‬احتفظ‭ ‬بأصدق‭ ‬الشهادات‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تركه‭ ‬الذين‭ ‬ملأوا‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬فعبّروا‭ ‬عن‭ ‬انتصاراتهم‭ ‬التي‭ ‬افتخروا‭ ‬بها‭ ‬وهزائمهم‭ ‬التي‭ ‬قاوموها‭ ‬بالتحمل‭ ‬ولحظات‭ ‬فرحهم‭ ‬التي‭ ‬رقصوا‭ ‬لها‭ ‬كثيرا‭ ‬وزعردت‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬من‭ ‬اعتززن‭ ‬بمواقفهم‭ ‬كثيرا‭ ‬وفرحن‭ ‬كذلك‭ ‬بقوة‭ ‬تحملهم‭ ‬وترفعهم‭ ‬عن‭ ‬تصعير‭ ‬خدودهم،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬النخيخة‭ ‬التي‭ ‬اتخذ‭ ‬منها‭ ‬أحمد‭ ‬عنوانا‭ ‬لكتابه‭ ‬هذا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقترب‭ ‬مما‭ ‬رآه‭ ‬قريب‭ ‬الصلة‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬الفصيح،‭ ‬فما‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬لأن‭ ‬ولوجه‭ ‬لباب‭ ‬الأدب‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬إكماله‭ ‬دراسته‭ ‬الجامعية‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬وأن‭ ‬العليا‭ ‬أيضا‭ ‬قد‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الطريق،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬قد‭ ‬كان‭ ‬وليد‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالشأن‭ ‬العام‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬أنشطة‭ ‬الثقافة‭ ‬عبر‭ ‬فضاء‭ ‬نادي‭ ‬الإخاء‭ ‬وجمعية‭ ‬الذاكرة‭ ‬وجماعة‭ ‬إقرأ،‭ ‬الذين‭ ‬بعثوا‭ ‬تجمعهم‭ ‬الأهلي‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الفاعلية‭ ‬للقراءة‭ ‬المقرونة‭ ‬بالحوار‭ ‬والحوار‭ ‬الرامي‭ ‬إلى‭ ‬اشراك‭ ‬الناس‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬التفاعل‭ ‬تجاه‭ ‬ما‭ ‬يُقال‭ ‬ويُسمع‭ ‬وما‭ ‬تجود‭ ‬به‭ ‬المكتبات‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬مكان،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬حمله‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬أغاني‭ ‬النخيخة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬المصطلح‭ ‬وبالتحديد‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬تغنى‭ ‬بها‭ ‬رجال‭ ‬تلك‭ ‬الربوع‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬مولدنا‭ ‬بثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وخروجنا‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬خمسينياته‭ ‬واستقرارنا‭ ‬بالمدينة‭ ‬في‭ ‬ستينياته‭ ‬قد‭ ‬عاد‭ ‬بذاكرتي‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬المشوار‭ ‬الطويل‭ ‬الذي‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬ذلك‭ ‬الكم‭ ‬الملموس‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬الأهل‭ ‬التي‭ ‬تركها‭ ‬الأجداد‭ ‬ومثل‭ ‬ذلك‭ ‬التي‭ ‬جددها‭ ‬الأحفاد،‭ ‬وحّبَّبت‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬حَبَّبت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬غذّى‭ ‬الذائقة‭ ‬وقوَّى‭ ‬المَلَكة‭ ‬وساعد‭ ‬على‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬أقامت‭ ‬الحجة‭ ‬وأفصحت‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬عندما‭ ‬وجدنا‭ ‬أمامنا‭ ‬تلك‭ ‬الكوكبة‭ ‬من‭ ‬الإخوة‭ ‬الكبار‭ ‬والأعمام‭ ‬المتفتحين‭ ‬الذين‭ ‬طالما‭ ‬اتخذوا‭ ‬من‭ ‬مناسبات‭ ‬الفرح‭ ‬فرصا‭ ‬للتبليغ‭ ‬بما‭ ‬جادت‭ ‬به‭ ‬قرائحهم‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬ازدانت‭ ‬به‭ ‬أحياؤهم‭ ‬من‭ ‬مُباح‭ ‬التواصل‭ ‬ومعرفة‭ ‬ما‭ ‬أفلح‭ ‬في‭ ‬البوح‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬الموهوبين‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬طالما‭ ‬تنافسوا‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الغربية‭ ‬والشرقية،‭ ‬ومثل‭ ‬ذلك‭ ‬التباهي‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يحضرنا‭ ‬من‭ ‬أسمائهم‭ ‬أمثال‭ ‬عبد‭ ‬الحفيظ‭ ‬السنوسي‭ ‬كريّم‭ ‬وعبد‭ ‬الحفيظ‭ ‬دراويل‭ ‬وغرياني‭ ‬بوقصيصة‭ ‬ومسعود‭ ‬محمد‭ ‬مسعود‭ ‬وقبلهم‭ ‬جميعا‭ ‬مصطفى‭ ‬عبيد‭ ‬وسالم‭ ‬عكاشة‭.. ‬والقائمة‭ ‬تطول،‭ ‬لقد‭ ‬مثلت‭ ‬الفنون‭ ‬الشعبية‭ ‬كلمة‭ ‬ولحنا‭ ‬وأداء‭ ‬رافدا‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬العقلية‭ ‬الوسطية‭ ‬القائمة‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الحجة‭ ‬ووضوح‭ ‬المنطلق‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬أمام‭ ‬جميع‭ ‬مؤثرات‭ ‬الضعف‭ ‬والطمع‭ ‬والإدعاء‭ ‬حيث‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬الثبات‭ ‬على‭ ‬أسلم‭ ‬الخيارات‭ ‬وأشرف‭ ‬الاصطفافات‭ ‬حيث‭ ‬الوطن‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬الوطن‭ ‬وحدود‭ ‬الوطن‭ ‬وتراث‭ ‬الوطن‭ ‬مذ‭ ‬روينا‭ ‬لناظم‭ ‬حِكمت‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬وُضِعَ‭ ‬الشاعرُ‭ ‬في‭ ‬الجنةِ،‭ ‬فصاحَ‭ ‬آه‭ ‬يا‭ ‬وطني‮»‬‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى