حاملاً صندوق الإسعاف في يده، مسرعاً نحول الملعب، حيث هنالك لاعب بالزي الأحمر يعاني من إصابة، وماهي إلا ولحظات ويقف هذا الاعب علي قدميه ليكمل المباراة، بينما يعود ذلك المرافق الطبي الي دكة البدلاء، ترافقه فيها أعين كل الجماهير الليبية، في مشهد تكرر لأكثر من نصف قرن .
نصف قرن من العطاء
“الحاج هاشم” بهذا يُعرف في الوسط الرياضي الليبي، ومنذ سن العاشرة من عمره وهو يرتاد لمقر نادي الأهلي بنغازي، وهو لايعلم أن هذا الشغف سيقلب حياته من مشجع بسيط إلي رمز من رموزه.
عندما بحثنا عنه، لم نجد له رقم هاتف، فقال عنه كل أقاربه وأصدقاءه، “إنه الشخص الوحيد الذي لا يحب الهاتف النقال في ليبيا”.
هاشم مفتاح الفلاح مواليد بنغازي سنة 1935، روى لنا قصته، ونبرة صوته خجولة من تسجيلات الإعلام، وحكايته تبدأ من بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد سنة 1952 عندما إلتحق بمدرسة الطب ودرس التمريض العام لمدة سنة، لتبدأ رحلته مع النادي الأهلي بنغازي في ديسمبر سنة1953، عندما وجه له صهره الاعب المعروف مصطفي مكي الدعوة.
الرحلة مع فريق المشوار الطويل كما يُعرف في ليبيا بدأت في مباراة الاهلي بنغازي وفريق الجيش البريطاني كأول مرة ينزل فيها أرضية الملعب مرافقا طبيا، أما تاني اللقاءات كانت في نفس السنة بين الأهلي بنغازي والنجمة، والتي لُعبت في بطولة بنغازي وفاز بها الأهلي.
أول إخصائي علاج طبيعي في بنغازي.
الفلاح بعد التخرج التحق بالمستشفي الميداني بمنطقة الصابري ببنغازي، حيث عمل مع مجموعة من البريطانيين في قسم العلاج الطبيعي، فقال تعلمت من أبجديات العلاج الطبيعي الذي لم ادرسه في التمريض، وكانت رئيسة القسم إديسون ويل، والتي أشرفت علينا ولها الفضل الكبير في مسيرتي، وبعد مغادرة الانجليز أصبحت ريسا لهذا القسم.
في سنة 1970 قامت وزارة الصحة بتوحيد جميع أقسام العلاج الطبيعي في كافة مستشفيات بنغازي في مكان واحد بمنطقة جليانة وكُلفت برئاسة هذه المصحة حتي سنة 1990.
في سنة 1967 إلتحق الفلاح بدورة دراسية في الاسكندارية المصرية، لمدة سنتين ونصف، تحصل فيها علي شهادة في العلاج الطبيعي، ليكون أول أخصائي علاج طبيعي في مدينة بنغازي.
في سنة 1972 الفلاح كان أيضا مشرفا علي وحدة العلاج الطبيعي في الجامعة الليبية لربع قرن، وأيضا رئسا لقسم العلاج الطبيعي بجمعية نور الكفيف وإلي يومنا هذا.
الأهلي عشق لايعلو فوقه شئ.
” الأهلي كل شئ في حياتي” هذه الجملة اختصرت حياة الفلاح الرياضية والطبية، فقال العميد، في كل الأفراح والأتراح كنت مع الأهلي، ظروفي العائلية والعملية لم تنجح يوما في أن تبعدني عن هذا النادي.
“لم أخذ درهما من الأهلي لن أخذ” عنوان كتبه عميد المرافقين الطبيين ، أثناء تواجده مع فريق الأهلي بنغازي لكرة القدم لفترة 57 عاما، من سنة 1953 عند التحاقه بالنادي الأحمر وهو صبي يافع، حتي سنة 2010 أخر ظهور رسمي له في الملاعب الليبية والشيب طفى رأسه.
من الباب الصغير غادرت
بعد أن أكملت موسم 2010/2011 والذي كان لقاء الاهلي بنغازي مع الأخضر أخر مباراياته، وجدت نفسي في الموسم الذي يليه خارج قائمة الفريق.
وعن السبب تغيرت لهجة العميد إلي المليئة بالحسرة، وهو يذكر لنا، أن نصف قرن مع النادي كان أسمه يحضر قبل بداية كل موسم، “رافقت الفريق أينما حل، لم يأتي لاعب الي الأهلي الا وتابعته، زعل مني العديد من اللاعبين و تخاصمت مع بعض المدربيين و تحملت النقد من الإداريين، في وقوفي دون مشاركة نجوم الفريق في مبارايات حاسمة، لان صحة الاعب هي ماتهمني أولا”.
وأكمل قصة تغيبيه عن الأهلي بنغازي، أنه رفض طريقة استجلاب العديد من المحترفين الي النادي دون الرجوع إليه، وأنه كان يسعي دائما لتقديم شكل عصري في طريقة إستجلاب الرياضيين، من خلال فحص طبي شامل، لمعرفة كل كبيرة صغيرة عن حالة اللاعب، وهذا مارفضه من كان سببا في استبعادي، ومن ثم تهميشي.
تعاطف معي الجمهور والاعبين واغلب الوسط الرياضي، ولكن للأسف في بيتي الصغير أنا نازح في منطقة ” الكويفية” وفي بيتي الكبير الاهلي أنا خارج طاقمه الطبي.
أختتم العميد ” سأدخل بيت العالمية من باب كتاب قينس للأرقام القياسية، وسأحفر فيه إسمي وإسم الأهلي”
وأقرب منافس لي هو الطبيب البرازيلي المعروف (خوسيه لويس رونكو) الذي كان مرافقا طبيا لمنتخب البرازيل و نادي فلامينغو البرازيلي لمدة (34) عاما.
تقرير / وليد البكوش