رأي

قرن ونصف على إدريس السنوسي.. لأمين مازن

 

تُوجب الذاكرة السياسية المنصفة على كل مشغول بمصير الوطن أن يتوقف يوم الثاني عشر من مارس، عند حلوله في كل عام، فيذكر و لو بالترحّم على الرجل الذي وُلِدَ به في القرن قبل الماضي، و بُويع في الذي يليه ملكاً دستورياً على البلاد التي حملت اسم ليبيا، تلك البيعة التي انطلقت في سنوات الجهاد من مؤتمر غريان، و قبل ذلك قبائل برقة و اتخذ من اجدابيا مقراً له، و انبعثت بعد ذلك عقب الحرب بفضل المشاركة المسلحة مع قوات الحلفاء، لتتوج في أول جمعية تأسيسية أقرّها المجتمع الدولي مراعياً شروط التمثيل، و قد حُصِرَت فيها مجتمعة بشخصه و أبنائه من صُلبه لتدوم ثمانية عشرة سنة، و التي هي عمر دولة الإستقلال، و ما حملته من الأحداث التي طالما ظهرت فيها صور ما كان منذراً بزوالها، و أغلب الظن أن العامل القوي فيها يعود إلى حرمان الرجل من الخَلَف، ليكون التردد لديه سيد الموقف و تُتاح الفرصة لمن امتلك الطموح أن يهدم الكيان بضربة واحدة، فتتوالى الحقب الأربعة حاملة ذلت القلق فتأتي النهاية التي عشناها، و ما من مهرب لنا من واجب مراجعتها و محاولة الإستفادة من دروبها، إن وجدنا لذلك سبيلا، غير أن ذلك لا يعني أن يذهب بنا الخيال إلى امكانية العودة إلى ذلك النظام الملكي و نرى فيه المَخْرَج مما نشهده من الإخفاق، فنحن لن نجد «إدريس» جديد  و لن نجد حرباً بحدودنا الشرقية أو الجنوبية، و لن نجد مَن ظل طوال العقود التي انقضت على زوال الملكية مَن وهبَ نفسه للدفاع عنها، أو حتى التواصل مع من نذروا أنفسهم لمقاومة العهد الذي خرج عليها في تلك الليلة، و ظل يخشى نفس المصير طيلة بقائه، و بالتالي فإن للمرحلة شروطها، و للحياة مستجداتها، أما الترحّم على الرجل الذي وُلِدَ في الثاني عشر من مارس و مراجعة النقاط المضيئة في سيرته، مع عدم إغفال هَنَاته، و يبقى الثاني عشر من مارس الذي اعتُبِرَ طوال عهد دولة الإستقلال عيداً من الأعياد الرسمية في حاجة إلى مراجعة الذاكرة كي لا يفقد الذكرى في الوجدان العام. رحم الله الملك إدريس في ذكرى مولده و مضي خمسين سنة و نيّف على إقصائه من أعيادنا ليعيش في قلب كل منصف يؤمن أن ما حفظ التاريخ هو الأبقى و أن دائرة السوء لن يسلم منها كل من طغى و آثر الحياة الدنيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى