ثقافة

ليبي في اليابان..

رامز رمضان النويصري

عتبة دخول

كتاب صغير الحجم، فلا تتعدى صفحاته 140 صفحة، صدر في العام 1957م، وطبع بالمطبعة الحكومية  طرابلس الغرب. على الغلاف جاء العنوان (ليبي في اليابان)، أما داخلياً، فكان العنوان (اليابان بلد السحر والجمال)، وهو مقتطفات من مذكرات مشاهدات ليبي في رحلة سياحية حول العالم. 

فمن هو هذا الليبي، صاحب هذه الرحلة التي أصدرها في كتاب، والذي يعتبر من الكتب الليبية القليلة في أدب الرحلات؟ إنه المناضل الهادي إبراهيم المشيرقي، الذي عرف بنضاله ودعمه للشعب الجزائري، فكان الكتاب هدية للجزائر، ودعوة للمساهمة في تحريره، كما خطه في إهداء الكتاب.

وهذا ما تؤكده رسالة المناضل الراحل أحمد بن بلة، في الرسالة التي خطها للمناضل المشيرقي، ونشرت في أول الكتاب. إضافة إلى مجموعة من الصور لمناضلي جبهة التحرير الوطني الجزائري.

خطوة أولى

في مقدمة الكتاب، يفصح الكاتب عن توقه الذي يرافقه منذ الصغر للتجول حول العالم، واستكشافه، والاعتبار من هذا الترحال. ليشاء القدر أن يهيئ المولى الأسباب لتسهيل السفر وتيسير الرحلات لأكثر من دولة حول العالم، وكانت كلها جوية، يقول: (وقد كانت هذه الرحلة كلها جوية وقد طلعت إلى الجو أكثر من (50)، مرة  وبقيت معلقا فى الفضاء (يعني فى الطائرة ) أزيد من (160) ساعة . كما استعملت وسائط النقل عند التجول والتنقل البري و المائي وذلك كالقطارات والسيارات المتنوعة والبواخر الصغيرة للتنفل بين الجزر والأنهار والحيوانات والواسطات البشر ية وغير ها)2. كما لا يخفي الكاتب رغبته في كتابة مذكراته حول بعذ الرحلات، أم عن سبب اختياره رحلته إلى اليابات لتكون أول هذه الكتب أو المذكرات، فقد تركه الكاتب تقديرها للقارئ!

أسباب الرحلة

يكشف المشيرقي رحمه الله- في التمهيد سبب رحلته لليابان، والتي جاءت امتداداً لرحلة عمل إلى الولايات المتحدة، مشاركة في مؤتمر عالمي، مثل فيه ليبيا ورفع علمها ضمن أعلام دول العالم، وكان لهذا التمثيل أثره الكبير في الحضور. وكان الراحل قد أعد لهذه الرحلة عدتها من طرابلس، من خلال الوكالات السياحية، لتكون جزر (هاواي) هي بوابة الدخول إلى اليابان، والتي قضى بها 10 أيام زار خلالها مجموعة من المدن والمعالم محاولة منه للتعرف على هذه الأمة، يقول في التمهيد: (اليابان بلد السحر و الجمال والخيال، اليابان بلد الحضاره والواقع، اليابان البلد المحافظ المتمدين المكافح من أجل الحياة والاز دهار والاستقرار فى تواضع جم وأدب تام والأمة اليابانية التي تسير إلى اأمام بخطى ثابتة نحو إعادة مجدها وسمعتها وكرامتها فى نظام وهدوء)3. وهو يرى إن هذه الزيارة غير كافية، وكان يتمنى البقاء لفترة أطول لولا (ما يربطني من قيود برنامج الرحلة وبوطني العزيز من صلات، حيث يرتقبني أخوتي الأعزاء وأسرتي المحبوبة، ويدفعني حناني الأبوي وعواطفي، وحيث تنتظرني أعمالى وشئوني)4.

فصول الكتاب

من هونولو إلى اليابان على متن الطائرة؛ هو عنوان الفصل الأول للكتاب، وبنظام تسجيل المذكرات لكل حركة، يبدأ الكاتب تسجيل رحلته بداية من صباح السبت 8 ديسمبر 1956، قبل الذهاب للمطار، قبل أن تقلع الطائرة، متأخرة عن موعدها الساعة 11:40 صباحاً.

أولى مفاجآت الرحلة، أخلت الكاتب في حيص بيص، عندما عاد لصالة الركاب بعد ذهابه لدورة المياه ليكتشف إن رفاق الرحلة من ركاب قد غادروا، فما كان منه إلا لملمة حاجياته والهرولة، تتبعه جماعة من الركاب، ليكتشف عند وصوله إلى البوابة إن الركاب تم توجيههم إلى صالة أخرى، فقط! ليكون الوصول إلى طوكيو عاصمة اليابان الاثنين 10 ديسمبر 1956، الساعة الخامسة صباحاً، وهنا المفاجأة الثانية: أين ذهب يوم الأحد؟ ليعنون الكاتب هذه الحدث بجملة (كسبت ليلة في الغرب وخسرت يوماً في الشرق)، وبقيت صفحة يوم الأحد 9 ديسمبر بيضاء بالمذكرة.

ومن فندق (امبريال) بدأت رحلة اليابان، وتحديداً الساعة الثانية بعد الظهر، بزيارة إلى معالم طوكيو. ليفصل الكاتب هذه المعالم، وباليوم يدون الكاتب حركاته وزياراته إلى المدن اليابانية ومعالمها. 

في مدينة (هانوي)، التي زارها الكاتب في اليوم الثالث لوصوله، حيث تعرض إلى مقلب نتيجة جهلة باللغة الإنجليزية، فيحكي: (أنا لا أتكلم الإنجليزية وقداستعنت ببعض قواميس الجيب محاولة الالمام ولو بالمفردات الضرورية التي لا فى عنها لكل مسافر وكنت أحاول دائما التفهم والإصغاء خشية الوقوع في أي ارتباك بسبب تعذر الكـلام والمحادثة ورغم ذلك فقد أتاني الدليل وقال لي (تعديت)، فأومأت له مجيباً (نعم)، وكان ذلك على الساعة الواحدة وإذا به بعد إجابتني بساعة يقودني إلى السيارة فقلت له (أين الغداء) فاستغرب وحضر لي (ساندوتش ) وسافرنا حالا وقد علمت أن السبب فى عدم التفاهم أنه راجعني سائلا قبل السفر بساعة (علنى لم تكن عندي شهية) فقلت له (ييس) أى نعم، وقد فهمت أنا مته انه يسألنى هل (تود أن تتغدى) وقد تركني ولم نفهم من بعضنا إلا عمس المقصود)5.

إلى هيروشيما

في 14 ديسمبر من العام 1956م، ذار السيد الهادي المشيرقي، رحمه الله، مدينة هيروشيما، التي تنقل فيها بين طائرتين، كانت الثانية صغيرة؛ بلا منافع وهي لا تسع إلا تسعة أفراد، كما علق في مذكراته. والتي تعطلت قبل إقلاعها، مما أدى إلى تسرب الخوف إليه. ثمن من بعد الانتقال بالقطار إلى هيروشيما، التي خصص لها الكاتب جزء كبيرا من اهتمامه، كما يبدو ذلك واضحاً من كتاباته التي دون فيها جملة كبيرة من الملاحظات، مركزاً وبشكل خاص على حادثة إلقاء أول قنبلة نووية على المدينة، ومدى ما أحدثه هذا الانفجار من دمار لم يسلم منه لا جماد ولا كائن حي، داعماً ذلك بمجموعة من الصور، التي توضح هذه الآثار الموجعة.

المغادرة

في منتصف ليلة الأربعاء 19 ديسمبر 1956م، أقلعت الطائرة التي تقل السيد المشيرقي في طريق العودة، بعد رحلة استكشافية غنية بالمشاهدات، والزيارات، التي أثبتت بشكل متسلسل ودقيق في هذا الكتاب، والتي تعطي القارئ صورة عن الشغف الذي كان يسكن الكاتب للمعرفة، وعن طبيعة الحياة في تلك الفترة، خاصة .

وإن تاريخ هذه الرحلة يعود للعام 1956م، أي قبل 67 عاماً، تغيرت فيها الحياة بشكل كبير جداً، بداية من السفر إلى اليابان وحتى التواصل وسبل وطرائق العيش.

لم يكتفي السيد الهادي المشيرقي بمذكراته حول الرحلة، بل خصص الجزء الأخير من الكتاب للتعريف أكثر بهذا البلد، من خلال مجموعة من المعلومات الجغرافية والجيوسياسية والثقافية، فاختار لها عنوان (متنوعات عن اليابان)، ثم تناول الحياة الاجتماعية لسكان هذا البلد تحت عنوان (بعض المقتطفات الاجتماعية)، ولأنه الرجل المهتم بالأعمال تناول الجانبين الزراعي والصناعي لليابان، ملخصا هذه التجربة في (تقدم الزراعة والصناعة)، ليضم لهذه الفصول فصلا جمع فيه معلومات عامة عن اليابان (معلومات عامة عن اليابان)، فكانت: إلمامة جغرافية، مقتطفات من تاريخ اليابان، اليابان اليوم. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى