تزخر ليبيا بآثار متنوعة ومنتمية لعدة حضارات تعاقبت عبر حقب زمة موغلة في القدم ممكونة حصيلة هائلة من الكنوز ، ورغم سلامتها من تعاقب الزمن وعامل التغير إلا أنها لم تسلم من أيدي العابثين وأصحاب الأطماع خصوصا الذين ينشطون ويستغلون حالات الانقسام ومظاهر ضعف الدولة لنهب هذه الآثار وتهريبها لغرض الاثراء السريع ضاربين بكل ما تمثله من قيمة لوطنهم عرض الحائط ، ولمعرفة كل ما يتعلق بظروف وملابسات تهريب الآثار وكيف يتم مكافحة ذلك واستعادتها كان لنا هذا الحوار مع المهندس محمد درغوت الجدي عضو لجنة تتبع الآثار الليبية المنهوبة لمعرفة القصة الطويلة والشائكة في رحلة استعادة كنوزنا المسروقة.
المهندس محمد درغوت الجدي عضو لجنة تتبع الآثار الليبية المنهوبة
مهندس محمد هلا حدثتنا عن اللجنة كيف كانت البدايات وكيف كانت طريقة العمل ونظرة عامة وموجزة عن مسيرتها؟
بالنسبة للحديث عن اللجنة وبداياتها وكيف شكلت أحب أن أبدأ من حيث انتهينا أو من آخر منجز للجنة ألا وهو منجز استرجاع 12 قطعة إلى ليبيا كانت مهربة إلى اسبانيا وتم ذلك بشكل رسمي الجمعة الماضي بتاريخ 24 نوفمبر 2023هذا الحدث الذي كانت منه انطلاقة اللجنة في بداية عملها وكان هو السبب الرئيس في تشكيل اللجنة لأن البداية كانت برسالة من الحكومة الاسبانية إلى المجلس الرئاسي في فترة ولاية حكومة الوفاق عن طريق الخارجية الليبية بوجود قطع أثرية مهربة محتجزة لدى لدى الشرطة الأسبانية فطلبت من الحكومة آنذاك من التأكد من هوية هذه القطع وإرسال خبير من ليبيا للتأكد من ذلك.
كلفت حينها مباشرة للتوجه إلى تونس لأن السفارة الاسبانية في ذلك الحين كانت قد نقلت مقرها لتونس حيث رُتِبَ لنا اجتماعٌ مع السفير في تونس حيث التقينا السفير أنا والدكتور حافظ الولدة وعرضت علينا صور القطع حيث أبدينا لهم بشكل مبدئي أن هذه القطع ترجع ملكيتها لليبيا وتم التنسيق في هذا الاجتماع بشأن السفر إلى أسبانيا وترتيب اجتماع مع الشرطة الوطنية الأسبانية وفعلا ذهبنا لأسبانيا وتم الاجتماع بالشرطة الاسبانية وعرضت علينا صور القطع وأنها موجودة ومحافظ عليها وأكدنا لهم بالفعل أنها قطع ليبيا ومنها بدأ التنسيق حيث عدنا لليبيا وفتحنا محضرا في مكتب النائب العام بأن هناك قطع أثرية ليبية موجودة في أسبانيا ونطالب بإرجاعها فقام السيد الصديق الصور مشكورا بتكليف الأستاذ نوري الغالي عضو بمكتب النائب العام واصبح لاحقا عضوا معنا في اللجنة فقام بإجراءات فتح المحضر وتم اعتماده، وحولناه إلى الحكومة الأسبانية عن طريق السفارة الليبية وبدأت القضية، وأحب أن ألفت النظر إلى أن تجارة الآثار تتقاطع مع الارهاب ويعتمد عليها في تمويله حيث ينشط تهريبها في المناطق التي يسيطر عليها تنظيمات ارهابية مثل تنظيم داعش عندما سيطر على مناطق من ليبيا ثم تم الاتصال بنا من الجانب الأسباني وابلغونا بمعلومة لديهم عن مخزن توجد به قطع أثرية ليبية والشرطة الأسبانية ستقتحمه فطلبوا منا المشاركة فكان من المشاركين الدكتور حافظ الولدة رفقة قرابة الخمسين شرطيا اسبانيا واقتحم المخزن في برشلونة وصودرت كل القطع الليبية في المخازن وأصبح الصراع قضائيا بين صاحب المخزن واستمرت القضية من سنة 2018إلى أن كسبنا القضية والحمد لله بعد خمس سنوات ولم يكن العمل بسيطا حيث كان في غاية التعقيد والتعب مع كامل الدعم من السفارة الليبية في اسبانيا.
فرأينا تشكيل لجنة تختص بالبحث عن الآثار الليبية المهربة بعد اطلاعنا على الحجم الكبير للآثار الليبية المهربة فأعددنا مذكرة أنا والدكتور حافظ الولدة للمجلس الرئاسي في فترة ولاية حكومة الوفاق الوطني وطلبنا فيها تشكيل لجنة فنية تختص بمتابعة الآثار المسروقة فصدر القرار في سنة 2018 وكان في عضويتها العبد لله والدكتور حافظ ورئيس مصلحة الآثار وسفير ليبيا لدى إسبانيا ومكتب النائب العام يمثله الأستاذ نوري الغالي وبدأ شغلنا يتوزع على كافة أنحاء أوروبا ثم انتقلنا لأميركا واصبحنا نكثف عملية الاتصال بالمنظمات الدولية واسترجعنا أول قطعة اللتي توجد الآن أمام مكتب السيد رئيس حكومة الوحدة الوطنية حيث تزامن استرجاع القطعة مع بداية استلام حكومة الوحدة الوطنية مهامها فكانت منجزا هاما واستمر الشغل وتم إعادة تشكيل اللجنة بأن يكون معنا عضو لجنة الانتربول وتم ترتيب اللجنة بشكل أكثر دقة وفعالية ونكتشف خلال ممارستنا لهذا العمل الشاق شيئا جديدا يتم من خلاله تطوير عمل اللجنة.
ماذا عن الدعم لمجهودات اللجنة سواء كان المحلي أو الدولي هل هو كاف أو أنكم تحتاجون المزيد؟
بخصوص الدعم للأسف الشديد ليس لدينا دعم الدعم البسيط كان في بداية تشكيل اللجنة فترة حكومة الوفاق الوطني كان مجلس الوزراء او المجلس الرئاسي يدعمنا بتذاكر سفر وقرار الإيفاد على الأقل يغطي مصاريف الإقامة رغم أن هذا الشغل يحتاج لفترة تمتد من عشرة أيام لأسبوع حيث تتم في هذه الفترة عقد اجتماعات واتصالات بالشرطة المحلية والجهات ذات العلاقة، كل هذا يتطلب مصاريف كثيرة لايغطيها أحيانا الدعم، بل إننا وللأسف في الفترة الأخيرة لم نعد نتلقى أي دعم مالي من حكومة الوحدة الوطنية، وهذا أدى باللجنة إلى شبه التوقف عن الأعمال لأنها بدون دعم مالي لاتستطيع مزاولة مهامها المكلفة بها حيث إن أغلب الشغل خارج ليبيا حيث أن الأمر في كثير من الأحيان يستوجب أن تكون في المكان في الوقت المناسب ومن خلال صحيفتكم أطلب من حكومة الوحدة الوطنية دعم هذه اللجنة والوقوف معها وتفعيلها التفعيل السليم.
ما أبرز العراقيل والصعوبات التي تواجهكم؟
بالنسبة للصعوبات والعراقيل طبعا أبرزها كما ذكرت لك في إجابة السؤال الماضي الدعم المالي فهو الأساس والعائق الأكبر في حال عدم توفره، الأمر الآخر يفترض أن وزارة الخارجية تنبه كل السفارات الليبية في البلدان التي توجد بها قطع أثرية أن تدعم هذا الوفد الذي تشكله اللجنة لمتابعة اجراءاته من اجتمعات وعملية تنسيق مع عدة جهات مثل شرطة البلد الذي تتوجه له اللجنة فيحتاج الاتصال لأن يكون عن طريق السفارة الليبية ولكن للأسف في أغلب الأحيان لانجد تجاوبا فعندما نخاطب سفارة ما ونطلب منهم التنسيق مع الشرطة المحلية في التقصي عن معلومة وصلتنا عن قطع مهربة نلمس التقصير واضحا او سمه عدم مبالاة أذكر أننا في إحدى المرات في سويسرا اتصلنا بالسفارة الليبية بجنيف وطلبنا منهم الاتصال بشرطة الجمارك لأن شرطة الجمارك لديها ثلاثة قطع فأردنا ان تكون لدينا معلومات وتنسيق من خلال سفارتنا لكن للأسف لم نجد تعاونا فنطالب وزارة الخارجية أن تخاطب السفارات بخصوص دعم اللجنة وتسهيل عملها أثناء تأدية مهامها.
ومن المشاكل أيضا الصعوبات التي تواجهنا في عملية نقل القطع المسترجعة فعلى سبيل المثال قمنا في إحدى المرات باسترجاع قطعة ثمينة وجميلة من بريطانيا لكن للأسف ظلت في السفارة أشهر عدة لأننا لم نستطع توفير قيمة النقل وعملية نقل الآثار ليست سهلة فاولا يجب أن نوفر لها التأمين الكافي ومعرفة الوزن أيضا فيحتاج لطيران خاص فعملية النقل عملية حساسة ومعقدة ونواجه خلالها عدة مشاكل.
ومن الصعوبات أيضا التي تواجهنا وهي كيف نبدأ التفاوض مع الجهة التي بحوزتها القطع حيث في أحيان كثيرة لاتستطيع الاتصال بهم إلا في وجود محام من المدينة أو من الدولة فيتطلب ذلك أن تكلف السفارة في البلد الذي تتم فيه عملة التفاوض محاميها لمساعدة اللجنة.
ما خططكم المستقبلية ورؤيتكم لاسترجاع المزيد من الآثار المهربة؟
الآن نشتغل في ظروف صعبة والتي شرحتها لك قبل قليل ولكن الآن لدينا قطع في بريطانيا نحتاج لإحضارها حيث أنه تم التفاوض على استرجاعها ونجح الأمر والحمد لله إلا أنها ما زالت مخزنة او نستطيع القول أنها الان تحت سلطة الحكومة الليبية وتمتلكها ملكية شرعية تامة ونسعى للحصول على دعم لاتمام عملية ارجاعها ، كما وسبق ان اخبرتك انه لدينا ثلاثة قطع في جنيف وتحتاج لعملية تفاوض مع شرطة جينيف وشرطة الجمارك وإثبات انها قطع ليبية فالموضوع كله يتوقف على الدعم المالي لهذه اللجنة حتى يتسنى لنا تفعيل اللجنة بشكل كامل وتستطيع احضار القطع الموجودة والمعروفة والتي نضمن ارجاعها ان شاء الله كذلك اللجنة لها تعامل مع منظمات دولية واوربية مهتمة بنفس اهتمامات اللجنة فنحن ننسق معها ونتصل بها ونستقي منها المعلومة ان هناك قطعة في المزاد الفلاني لنقوم نحن بالتواصل مع الشرطة المحلية لايقاف عملية البيع والعملية تحتاج إلى جهد قانوني وجهد من أعضاء اللجنة لإثبات ان هذه القطعة ليبية فالأمر الأساسي الذي يجب التركيز عليه دعم اللجنة ومرة أخرى أطالب من خلال منبركم حكومة الوحدة الوطنية للتعاون مع اللجنة والجلوس معها والاستماع لمشاكلها.
من خلال خبرتكم ومتابعة هذا الملف هل يمكنكم تقدير حجم أو كمية الآثار المهربة؟
بالنسبة لتحديد القطع الليبية المسروقة في العالم لا استطيع ان أقول لك أننا حصرنا عددا بشكل دقيق ونهائي ولكن من خلال البحث ومعلوماتنا من المنظمات الدولية المهتمة بارجاع القطع الأثرية لمواطنها الأصلية تقول أنه يوجد عدد كبير من القطع الأثرية الليبية تباع في المزادات العلنية ويتداول بها التجار الآثار في اوربا وامريكا، وهناك باحث فرنسي اسمه مورجن كانت رسالته للدكتوراه عن القطع الليبية المهربة في جميع أنحاء العالم حيث يقول أن هناك اعداد ضخمة من القطع الأثرية خارج ليبيا لذلك نطلب من الحكومة الليبية بالإسراع بعقد اتفاقات دولية مع دول العالم بخصوص عدم المتاجرة بالآثار الليبية في بلدانهم وتسهيل عملية ارجاعها بالنسبة لأميركا لدينا معها اتفاقية الحمد لله واسترجعنا من اميركا قطعتين او ثلاثة وكذلك لدينا اتفقية مع اسبانيا حيث ارجعنا 12 قطعة فجانب الاتفاقيات مهم في عملية استرجاع القطع الأثرية. وارتفاع عدد القطع في الأسواق العالمية نتيجة الضعف في المؤسسات الوطنية مثلا شرطة الآثار والسياحة ضعيفة جدا فيجب دعمها بمختلف الأشكال كذلك الفترة الأولى من الأيام الأولى في الثورة حدثت ربكة مما تسببت في فراغ كبير في المنافذ بمختلف اشكالها فتسربت في تلك الفترة أكبر عدد من القطع فالتركيز على المنافذ والعمل بحزم يحد بشكل كبير من خروج القطع الأمر الآخر عملية الوعي بأهمية الاثاروالتراث وعملية حمايته نلحظ تقصيرا من الدولة ومختلف وسائل الإعلام في توعية الناس بهذا الأمر فينبغي ان تبدأ التوعية من المدارس بالقاء محاظرات توعوية شاملة عن موضوع الآثار وكذلك عدم اغفال ذلك في المناهج الدراسية.
بالنسبة للجانب الإعلامي للجنة هل تشتغل عليه لإبراز دورها والتنويه بما تقوم به وإيصال صوتها لكافة الناس من خلال منبر يمثل اللجنة وانتم تعلمون أهمية الإعلام في هذا العصر؟
للأسف لم ندعم من الجهات الإعلامية في ليبيا وهذه أول مرة يسلط الضوء من قبل صحيفتكم ومن خلال زخم استرجاع القطعة المهربة إلى اسبانيا لقيت تغطية إعلامية جيدة، وهذا يعتبر دعم للجنة ودافع معنوي للمضي قدما في الحفاظ على موروثنا الثقافي التاريخي بكل عزم وإصرار، ولا أنسى أن أوجه شكري للسفارة الليبية في اسبانيا وعلى رأسهم السيد السفير وليد بو عبد الله فقد لقينا منهم دعما كبيرا جدا ولا محدود نعجز عن التعبير له بالشكر فقد تم تكليف محامي السفارة بمتابعة القضية واهتمام السفير بشكل شخصي ومتابعة الموضوع بكل اهتمام وكأنه عضو في الفريق وأطالب باقي السفارات باحتذاء حذوها حتى نتمكن من استرجاع باقي الآثار في أنحاء العالم.