يحلُّ علينا هذه الأيام شهرُ رمضان المبارك، الذي فضَّله الله على سائر شهور السنة، وجعل ثواب العبادة، والعمل فيه مضاعفاً، وجعل فيه ليلة هي ليلة القدر، أنزل فيها القرآن وهي خيرٌ من ألف شهر..
وفرض الله الصيام في شهر رمضان تهذيباً للنفوس، وتقرباً إلى الله بالطاعات، وإصلاح ذات البين بين العباد، وترويضاً للأنفس بكبح جماح الشهوات، والتغلب على الهوى، والتعاضد والتعاون مع الآخرين، ليكون مجتمعاً مسلماً متماسكاً مترابطاً..
وجعل الله سبحانه وتعالى الإسلام نظام حياة متكامل، يسمو بالنفس البشرية، ويهتم بالإنسان ليحيا حياة كريمة طيبة، وينال الثواب والجنان في الآخرة..
فالصيام ليس تعذيبا ولا حرمانا، بل تهذيبا وايمانا، وتجلي أصدق حالات حب العبد لخالقه، في اتباع أوامره واجتناب نواهيه..
ومع قدوم الشهر الكريم تنتشر مظاهر الفرح والاستبشار به، في بلاد المسلمين كافة، وهو شهر المغفرة، والرحمة، والعتق من النار، فيه يتوب المذنب، ويستزيد التقي، وتصفى القلوب، وتزيد الأنفس نقاءً وسموًا..
إن تطور الحياة الإنسانية، فرض أنماطاً وأساليبَ صارت متبعة في شهر رمضان، استعداداً لقدومه وخلال أيامه ولياليه، ما جعلنا نبتعد بالشهر الكريم عن المعاني والأهداف الروحانية السامية، التي أرادها الله لعباده من خلال الصوم والتعبّد والتقرب بالطاعات، وجعلناه شهراً للتبذير والإسراف والاستهلاك وصولاً حد التفاخر والمباهاة..
حتى أصبح قدوم الشهر المبارك، يمثل عبئاً ثقيلاً على كثيرٍ من الأسر، خاصة ذات الدخل المحدود، نتيجة ما آل إليه حال الكثيرين، باتباعهم لأنماط حياة خلال الشهر، ما أنزل الله بها من سلطان، ولا علاقة لمجتمعنا الليبي المسلم بها..
وهنا يكمن دور التوعية المجتمعية، والتثقيف العام، الذي لا نرى له أثراً إيجابيًا على سلوكيات المجتمع، ونظام الحياة العام..
فأين هو دور المساجد والجوامع والخطباء والوعاظ، وكذلك دور النخب المثقفة والمتنورة في المجتمع، في محاربة واستهجان أنماط السوك الغريبة عن المجتمع، وتوعية أفراده للرجوع عنها، والعودة بشهر رمضان إلى ما أراده الله لنا فيه، من اغتنام أيامه ولياليه، بالتقرب بالطاعات، وتصفية القلوب، والتعاضد والتعاون..