رأي

أمين مازن.. ليرحم الله عبد المولى دغمان

 

مكنتني عشواية البحث عند الجلوس أمام الشاشة الصغيرة و التي كثيراً ما ألجأ إليها من العثور على الفعالية التي انتظمت في بنغازي حول المثقف المتوقد قولاً و عملاً المرحوم عبد المولى دغمان، أحد الذين تحفظ الذاكرة الوطنية صفحات شديدة النصاعة عندما قُدِّرَ لنا معشر مجايليه أن نعرفه و هو يدخل الحياة العملية عائداً من دراسته العليا بأمريكا مُجازاً في الإجتماع، مدركاً لما يزخر به المجتمع الليبي و قُرَاه تحديداً من العادات الحَرِية بالتبنّي و الدراسة و التطوير من المختصين أمثاله، و قد جمع في تحركه بين الحرم الجامعي و النشاط الحواري انطلاقاً من كلية الآداب التي تولى عمادتها بمقرها في بنغازي و كذا المجالس و اللجان التي اختير لعضويتها كاللجنة العليا للإذاعة التي استحدثها وزير الإنباء الأستاذ عبد اللطيف الشويرف و سماه إلى جانب السادة خليفة التليسي، رجب الماجري، محمد رفعت الفنيّش و السيدة رباب أدهم، إلى جانب جمعية الفكر بطرابلس التي حاضر فيها و ناقش مفصحاً عن شخصيته المستقلة و التي لا تقبل بما سوى الإصلاح و المحافظة على المؤسسات بدل الإسهام في هدمها و لا سيما عند اندلاع أحداث الطلبة في الثالث عشر و الرابع عشر من يناير 64 و التي اهتز لها النظام الملكي و تعين على كل ذي رؤية مسئولة أن يتبين ما كانت تنذر به من المخاطر، فقد كان شديد الخوف من العسكريتاريا، شديد الإيمان بالحاجة إلى تطوير التعليم الجامعي و دفعه نحو أوروبا و قد أُعدَّت قائمة حَوَت أكثر من مائة و خمسين جامعة، إنها السياسات التي بلغت ذروة حيويتها عقب نكسة يونيو 67 و أخذت في الضمور ابتداءً من سبتمبر 68 بإقالة حكومة البكوش و تخلّي الغرب عن الملك إدريس كما ذكرت الوثائق التي ترجمها الدكتور محمد المقريف و التي أكدت أن ما حدث في سبتمبر 69 لم يكن مفاجأة للدوائر العالمية و من غير المستبعد أن يكون ذلك ما دفع عبد المولى و رفيقه بورحيل و آخرين غيرهم إلى المبادرة بالتحرك فيسرع العهد بفتح السجون لتمتلئ بهذا النوع من الرجال الذين لم يغادروه إلا و هم في أقصى درجات اليأس و العجز ليتوالى رحيلهم الواحد تلو الآخر و يستمر  العهد في ممارساته التي فرضت شروط نهايته، و إذا كان الإنصاف يقتضي أن نثمّن هذا الجهد في التذكير بعبد المولى القيمة علماً و عملاً و موقفا، فإن الصدق  يفرض أن نقول بأن ذلك لن يتحقق إلا بتجميع آثاره البحثية و مشاركاته الرسمية المتضمنة مواقفه ابتداءً من خطابه أمام الملك إدريس و تذكيره بدور إحدى عمّات جدّه في حياته، ليقطع الحُجة على القوى التقليدية التي كانت تسعى للحد من العصرنة تعويلاً على الموروث الصوفي لدى الملك و كذلك تدخلاته في مؤتمر ليبيا عبر العصور الذي نظمه و أصر على إنجاحه، لتبقى هذه مجتمعة أثراً يؤهل صاحبه لدخول قائمة الأعلام ضمن الموسوعات كما نصّت معايير المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم و هي تدعو من آنست فيهم الأهلية لتحرير ما يتعلق ببلدانهم من الأعلام. و ليرحم الله عبد المولى دغمان المثقف الناضج و الوطني الغيور.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى