الطايح مرفوع
توقف الحاج مسعود كثيرًا، وهو يُدقَّق في فاتورة المواد الغذائية التي اشتراها من إحدى المولات قائلاً ليّ عندما اقتربتُ منه متسائلًا إذا ما كان لديه أشكال في قراءة الأرقام )الفلوس لين تكذب روحك، تقول السلام عليكم، تلقى مائة طايره، كيف ماتعرفش(.
والمقصد أن القوة الشرائية للدينار غير متوازنة مع غول الأسعار، ولكَ أن تتخيل مدى ملائمة مرتب شهري لتوفير متطلبات أسرة مكونة من ثلاثة او اربعة أطفال إضافة إلى الأب والأم. عدا أن المواد الغذائية ليست وحدها في موازنة الأسرة يضاف إليها الحلويات ولوازم ومقتنيات.
ثم يختم الحاج ممازحًا )ومازال في العيد نفخ النبايل إللى هازيين عليه، تبدى تحسب فيه بالنفس(.
وإذا ما دخلنا في تفاصيل الرواتب الوظيفة كما يقول شادي الموظف بإحدى المصالح الحكومية فهي لاتكفي الا احتياجاته الضرورية فقط، فمبلغ الالف وخمسمائة وحتى الألفين قد يترائ من منظور عام انها كافية، لكن مع الدخول في معركة الأسعار، تصبح بالكاد بل لاتكفي الا بقدر من التحايل والتقشف بمعنى إنك تتنازل عن بعض الاشياء لتغطية نفقات أخرى بسعر كذا، أو أنك تتنازل عن احتياجاتك أنت الخاصة في مقابل فرحة اطفالك.
يعني عين على الجيب، والثانية على الصغار.
زمان يا رمضان
أحد الشباب حدثني أن الامر تعدى كونه عادة أو استعراض، الأمر تفرضه ضرورات التطور والتحول لو رجعنا إلى الثمانينيات مثلا ستجد أن مظاهر رمضان الاحتفائية لا تتعدي أشياء بسيطة من المأكل والمشرب، وقس على ذلك، وهو أيضا ليس اختيارك الخاص لكن هذا ما يتواجد في السوق، وبأسعار تعتبر رمزية، في مقابل نحن اليوم نعيش طفرات كبيرة في الأذواق الاختيار، رب الأسرة ينظر إلى شهر الخير وبما يتوفر لديه من أموال وينتهي به ربما إلى المجهول، لايمكننا إيقاف رغبة الأسرة في تملك او اقتناء ما يعرضه السوق، لكن هذه الأمور تحتاج إلى تنظيم من المؤسسات الرقابية، اذا يجب على الاقل مراقبة التفاوت في الأسعار من منطقة إلى أخرى ومن سلعة إلى ثانية.
مواطن يشتكي آخر من تفاوت الاسعار وهو ما قاده للخروج إلى ضواحي العاصمة وقد يستغل زياراته الاجتماعية للتسوق من مدن الخمس ومصراته و زليتن.
واضاف إن الأمر لم يعد يرتبط بالمزاج، فهو كما يقول المثل العربي )مجبرٌ أخاك لا بطل(؛ فلشهر الخير طقوسه وسننه واحتفاؤه الذي يفرض نفسه، وان كنت مقصرًا في حق نفسي فما ذنب الأولاد والزوجة، أيضا هذه رسالة إلى المعنيين في وجوب متابعة توافقات الاسعار؛ فمن الغريب أن فروع بعض السلع مختلفة الاسعار بل ومتفاوتة إلى حد كبير.
وتضيف سيدة كانت تستمع إلى حديثنا أن الأسعار نار، وكذلك الاسعار المتدرجة في صعود رهيب بين بداية شهر ر مضان ومنتصفه واخره , المواد الغذائية كل محل وأسعاره نريد متابعة من قبل جهات الاختصاص فقد تفاجئنا بقفزات غير معقولة، ولا تفسير لذلك الا جشع التجار .
تقول أحد الشباب المشرف على صالات البيع في مول : لا يمكن للمواطن وضع اللوم على صاحب المحل فهو ايضا يشتري البضاعة بسعر السوق السوداء نحن في هذا المول نعارك احتقان الزبائن وضغوط المضاربات في السوق وقلة الاقبال احيانا . واضاف معلقًا ان للزبون الحق في الاحتجاج على الاسعار ولكن امام اصحاب القرار وليس امامنا، عموما انا في النهاية مواطن عادي ادرك تماما حاجيات الاسرة خصوصا في رمضان وغيرها من المناسبات , القصة برمتها نحتاج الى خطة اقتصادية تنظم هذه الفوضى .
شباب وملابس
في محال المواد الغذائية بمناطق )أبوسليم جنزور والكريمية( ستلاحظ فارق الاسعار ايضا بين سلعة وأخرى، إذ لم تعد الصورة النمطية لهذه السلعة موجودة في مخيلتنا بحسب ما قاله أحد المتسوقين الذي جاء يعاين كغيره قائمة الاسعار , وكيف كان قبل سنتين.
إن المواد الغذائية أسعارها كانت في المتناول والمحير أن الدولار كان بتسعة دينارات، والآن يلامس سقف السبعة ومؤشر الاسعار ماشي يتصاعد الى سقف لا يعلمه إلا الله وحده.
يضيف شخص آخر إن مرتب الشهر يساوي ثمن بضاعة، لكن هل هذا كل شيء؟.
يواصل : السنة الماضية والسنة الحالية ربما يكون هناك نوعٌ من الوئام أو التعايش او التحايل أو التكيف مع حاجيات رمضان، بيد أن المسألة إذا ما استمرت على الوتيرة نفسها ربما نضطر للتخلي عن أهم السلع، وممكن )ناكلوا الرشاد(.
المواطنون يجوبون المحال في سباق محموم للحصول على مقتنيات الشهر الكريم من السلع التمونينة والتي يقول عنها الحاج عطية : )بصراحة احنى نبوها حمرا وجرايا وما تاكلش الشعير( واردف زمن القناعة ولى واندثر والحصول على كل شئ محال .
الروح المفقوده
من جانب آخر، هل يمكننا النظر من زاوية أخرى في قاموس الاسعار، فما نحتاجه قبل تقنين الاسعار هو البحث عن فلسفة الشهر المفقودة في داخلنا، فالمعنى الروحي للشعائر السماوية وعباداتها اضحت منازلها بعيدة عن تصوراتنا التي غزتها المادة، حيث اختزل الصيام في الأكل، وعيد الفطر في الملابس، وعيد الاضحى في الاضحية، لقد فرغت مضامين المناسبات وتحولت إلى مهرجان للمزايدات، لذا من الطبيعي أن تجد ذلك الهوس في الزحام وتتبع الملذات هذا النازع لا يمكن فصله عن موضوع الاسعار وصعودها الرهيب في مواسم الاعياد وغيرها .
مواطن : قفزات الأسعار سببها جشع التجار
نحتاج إلى خطة اقتصادية تنظم هذه الفوضى