جدارية
يسير المؤلف على الشاطيء بمحاذاة الموج، يقف ليصغي ثم يكمل المسير. الموج كلمات تناديه، تبلغه أن البحر لا يحمل أسرارًا يمكن للنَّاس أن يجدوها ويفهموها، فالأسرار ليست من أجل أي أحد، بل توهب لمن يستطيع أن يعوم نحو حلمه الصغير الذي ستلتهمه أحلام البحر الأكبر منه في الضجة أولا والغرق ثانيًا والسكون في الخاتمة.
يهرب الشاعر نحو المدينة بينما يهرب البحار نحو البحر، يبحث الشاعر عن الشاطيء والموج والأحلام والأسرار في الشوارع والبيوت، يعوم في لجج البشر بينما البحار يفهم أن المدن هي هبة البحر؛ فيصعده للوصول إلى المرافيء ويرى في طريقه الآلاف يغرقون، لكن أكثرهم ليس من جنس البشر.
الشاعر يعرف أن السياسة لا توجد في المياه بل في الإسمنت: المباني والخزائن والسجون، وهو شغوف بأن يجد البحر وسط كون السياسة، لكنه يصطدم حتما بالسراب درب المقبرة.
الشعراء يموتون بقرب الرياح ولا يجدون أملًا في النجاة، ولا يتمكنون من مصافحة الملاذ؛ لقد تركوا اليم وراءهم وحلموا بالمياه في معاشرة النَّاس، كانت خسارتهم فادحة رغم أن أشعارهم تعلو وتتمسك بالقش وتعود إلى الضوء، ولعل قدر الشاعر أن يكون شهيد النور الذي تبتلعه العتمة.
يحفظ النَّاس في نهاية الأمر الأناشيد ويتجاهلون الشعر؛ لقد عاشوا في الشوارع والمباني التي ارتفعت ومن تحتها التربة التي تنتظر، كما ينتظر البحر شاعره المهاجر.