رأي

كفى المرءُ نُبلاً أن تُعد معايبه

أمين مازن

 

تعيدني ذكرى الثالث والعشرين من يوليو كلما حلت وحظيت بما تيسر لها من الاحتفاء منذ أن قُدِّر لهذا اليوم أن يسكن ذاكرتي وأنا لم أتجاوز الخامسة عشرة من العمر  عندما كنتُ استرق السمع ليلاً لحضر من الأهل وهم يستمعون عقب عشائهم لإذاعة «لندن» حين أمّنوا الشحن للبطارية السائلة القادرة على تيسير التقاط الإذاعات ، وكانوا يعيشون أجواء ما بعد انتخاب أول مجلس نيابي لدولة الاستقلال، ولم تسلم من تدخل السلطة وإصرارها  لفوز مرشحها ولو ضد رغبة المواطنين،  الأمر الذي  أفقد الاستقلال بريقه ليكون الخبر المدوي متمثلًا في تنازل الملك فاروق عن عرش مصر وسفره من الإسكندرية؛  فتتوالى  التعليقات حول إلزامه بقبول عبارة «رغبة الجيش» في الوثيقة واشتراطه أداء التحية قبلي الوداع من شخص قائد  الحركة وتوالى الأخبار عن مقابلات السفير الأمريكي «كافري» وما تبع ذلك من بروز اسم اللواء محمد نجيب وظهور صور رجال مصر الجديد مع مجلة «المصور» التي كانت تصل أسبوعيًا، لقد رسخ بذهني في تلك الأيام ولفترة لا بأس بها يوم 26 يوليو حتي ظننتُ أن القول بثلاثة وعشرين يوليو مردّه الخطأ إلى أن صحح ليَّ أقرب السابقين ليّ]َ من الأهل وأكثرهم حرصًا على توجيهي محمد بشير الحاج سالم، أن يوم 23 يوليو هو البداية الحقيقية لاستيلاء الضباط الأحرار على الحكم لتتوالى  بعد ذلك  الأنباء والأحداث التي جمعت بين الأدوار والأولويات، وأولها مفاوضات الجلاء، وبروز جمال عبد النصر كقائد  حقيقي، فيستقيل نجيب، تم يعود ليخرج من جديد ويتبعه في الاختفاء بعض الوقت خالد محي الدين فينتاب العملية الناشئة شيء من الإحساس بأن جمال هذا في عداد الغادرين بصاحبه لولا أن السياسة تحتكم إلى الإنجاز الذي حقق فيه ناصر الرقم القياسي ولم يتاخر في خوص المعارك لم يُعدَم الآلة الإعلامية، فلم  يملك الوجدان إلا أن يعطي مكانًا للجديد، على الرغم من بعض الاسئلة الناتجة عن حل الأحزاب واستبعاد فكرة  الانتخابات  وعودة الدستور، وأن ذلك يتزامن مع الهم  الوطني والقومي وتحذيرات الأستاذ خالد محمد خالد من غياب الديمقراطية وتحذيرات اليسار العربي من مخاطر التسليح تجاه التنمية، وفي وقت لاحق ربط الوحدة المصرية السورية بحضر الحزبية، والتعويل فقط علي الزعيم وما وهبته المقادير من الأوهام الكفيلة دوما بخطأ الحساب الذي يدفع نحو نتيجة الخيانة، وعندما أستدعي علي الصعيد الشخصي هذه المساحه الزمنية التي  امتدت بعد ذلك  اليوم  الذي سكن فيه يوليو وجداني الذي لم يبلغ الخامسة عشر من العمر  وتفاعل مع الكثير مما جرى وحزن عند اعلان الاستقالة أكثر  من لحظة إعلان الوفاة اضعافا  لأن الأخيرة ارتبطت بالتدبر حول احتمال ما يمكن أن يطال البلد الذي صار مصيره بيد من رأوا في الرجل الأب الذي فرحوا برويته وانهزّوا لوفاته، وأخيرًا لله در القائل : ومَنْ ذا الذي تحصى سجاياه كلهاكفى المرء نبلًا أن تعد معائبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى