الأقلامُ الصحفية النسائية في ليبيا شغلتْ مكانًا مهمًا، وخطتْ خطواتٍ ثابتة، وكانتْ في المقدمة خلال مسيرة العمل الصحفي؛ فقد كانت مقتحمة متحدية مليئة بالأسئلة والتوق لتصل للحقيقة ..تعلمت وكتبت واقتحمت وجاءت محملة باستفهامات عدة في الحوارات، والتحقيقات، والاستطلاعات، كتبتْ الخبر واعدت التقارير، وأدارتْ العمل بقوة وثبات والاسماء النسائية الصحفية كثيرة في بلادنا سجلت حضورا وتفوقا وتركت بصمة سجلها التاريخ الصحفي الإعلامي أمثال السيدة خديجة الجهمي، ولطفية القبايلي، وشريفة القيادي، ومرضية النعاس، وفاطمة محمود، وفوزية شلابي، وغيرهن الكثيرات .. حول الحضور والقدرة والتحديات التي خاضتها هذه الأقلام في مجال الصحافة والإعلام نرصد آراء زملاء المهنة، ونسجل شهاداتهم عن الزميلات الرفيقات، وتأثير حضورهن.
الليبية خاضت غمار الصحافة منذ فجر الاستقلال
الأستاذ الصحفي رئيس تحرير صحيفة «الصباح» جمال الزائدي يقول: أثبتت الزميلات الصحفيات قدرة استثنائية على المنافسة والتفوق في مجال الإعلام والصحافة على وجه الخصوص .. ومن تجربتي الشخصية في الهيئة العامة للصحافة أشهد أن شطرًا كبيرًا من العمل في المطبوعات الصادرة عن الهيئة يقع على عاتقهن سواء في المواقع القيادية، أو كمحررات ميدانيات ..وتشهد بذلك صفحات الجرائد، والمجلات والمواقع الإلكترونية..
أقولها بموضوعية مطلقة وأنا رجل وصحفي ..إن الإلتزام والجدية والشغف لدى الاناث العاملات في صحافتنا الوطنية يتوفر بنسبة أكبر مما يتوفر لدى غيرهن .. وأريد أن استغل هذه السانحة لاتوجه بالتحية والتقدير لكل الزميلات سواء في قطاع التحرير الصحفي أو في مجال الإخراج والتنفيذ الصحفي على ما يبذلنه من جهد صادق ومخلص للرفع من مستوى الأداء في كل المطبوعات الصادرة عن الهيئة..
أما الأستاذ كمال الدريك مدير تحرير صحيفة «النجوم» في تصوري الشخصي أن بعض الأقلام النسائية نجحت إلى حد كبير في أن تنفرد بأسلوب وطريقة عمل متطورة من خلال ملف الاستطلاعات أو اللقاءات أو حتى التقارير، واعتقد أن ما ينقص بعضهن العلاقات العامة وفي هذا الجانب يتطلب مد يد العون لها ممن يتولون قيادة الصحيفة لتسهيل مهمتها .
عن تجربة فهن أكثر نشاطًا وحماسًا والتزامًا أيضًا رغم ظروف البعض هذا الرأي غير مرتبط بحالة وقتية دون غيرها بل من واقع معايشة مختلفة تجمع بين الماضي والحاضر فيما يتعلق بالصحفيات
في حين سجل الصحفي خليفة المقطف شهادته بقوله:
المرأة الليبية خاضتْ مجال الصحافة مبكرًا مذ بدأتْ رحلتها الوطنية بعد الاستقلال ..وهناك قامات طاولت الرجال في هذا المضمار..مثل السيدة خديجة الجهمي رحمها الله، وما قيّد حضورها كما أرى نظرة المجتمع المحافظ لدورها في الحياة المقتصر على البيت والأبناء .
ومع تطور الفكر المجتمعي زاد حضور المرأة في كل المهن ..ومنها الصحافة .
أستطيع القول إن المرأة حققت حضورها اللافت في هذه المهنة خلال العقود الثلاثة الأخيرة .
اليوم تكاد تتفوق على الرجال في حضورها العددي، ومقدرتها المهنية .
وفي هذه المدة البسيطة أعتقد أنها صارت تشكل خطرًا على حضورنا نحن الرجال ..في كافة الفروع الصحفية .
وصارت هناك أسماء تفرض نفسها على ساحة القراء..
وأنا من متابعي المواد التي تعدها بعض الزميلات .. لأن لها نكهتها الخاصة .
أما عن الدور الذي لازالت تلعبه يقول الصحفي عثمان البوسيفي :
لاشك أن وجود الأقلام الصحفية النسائية مهم لوجود قضايا كثيرة قريبة من المرأة وتستطيع الوصول إليها والكتابة عنها عن كثب ووجودهن في المجال الصحفي الليبي كان واضحًا من خلال زميلات كان لهن دورٌ بارز في الكتابة الصحفية في كل أبوابها وتركن أثرًا كبيرًا منذ السيدة الراحلة خديجة الجهمي ومن سار على دربها من زميلات نجحن في مواصلة السير في الدرب ذاته ولا يمكن بأي حال التقليل من وجودهن ودورهن رغم أن بعضهن ربات بيوت، ونجحن في بيوتهم مثل نجاحهن في مهنة المتاعب
ومن جهتي اكن لهن كل التقدير وقد عملتُ معهن في عدة أماكن وكان لهن الدور البارز في إنجاح العمل الصحفي .
وافر الامتنان للمناضلات في كل مطبوعة وهن يكافحن من أجل مسيرة بهية في بلاط صاحبة الجلالة …
في حين أكد الأستاذ الصحفي هاشم شليق أهمية حضور الأقلام النسائية في الصحافة: الصحفية اليوم تتأثر كتاباتها بما يحدث في العالم لما له من انعكاس مباشر، أو غيره على الشأن المحلي،مع الأخذ في الاعتبار أن قضايا المرأة والرجل باتت تمس كليهما،حيث يشتركان في تناول القضايا الملحة وما يهم الوطن والاقليم خصوصًا والدولي عمومًا ومتابعة كل ماهو حديث وآنٍ مواكبة للعصر الراهن والمستقبل.
يشار هنا إلى أن الصحفية الأم أو المتزوجة تقترب كثيرًا من القضايا الاجتماعية التي تمس الطفل والأسرة دون اجتزاء اهتمامها ودرايتها بالشأن السياسي والاقتصادي والثقافي.
ونلاحظ في الصحافة الوطنية تمكن الصحفيات من الصياغة الصحفية وامتلاكهن أسلوبًا راقيًا ومستوعبا لكل جوانب المواضيع المطروحة حتى التي تحمل طابعا حساسا ورئيسيا باعتباره استيعابا منهن بما يلتصق بالواقع وما يشغل الناس.كما أن الصحفيات تمكن من مناقشة الأمور الحياتية التي تمس تفاصيل الحياة اليومية والواقع الذي يناضل الجميع لتحسينه وبالتالي اثبتن وجودهن واصبحن عضوات فاعلات يساهمن في تطوير المجتمع. ويمكن القول أن الصحفيات الليبيات يمارسن العمل بكل احترافية واقتدار وإحدى دلائل ذلك تقديمهن لمضامين إنسانية وطرحهن لملفات واجرائهن تحقيقات واستطلاعات تعمل على رصد وتحليل المسائل التي تمس المواطن العادي،وهذا هو هدف الصحافة أي إيصال صوت الشارع واسئلته إلى المسؤول وبدوره يطرح الأخير ردوده ويستعرض برنامج مؤسسته.
اما السيد الصحفي عبدالله خويلد فأجاب :
مع احترامي وتقديري للجميع إلا ان حضورهن وعملهن لا يزيد شيئًا ..
وعن الابداع والمساواة في الوصول إليه
اضاف الأستاذ الصحفي علي الهلالي :
بداية ومن وجهة نظري الخاصة لا يمكن أن نقول قلمًا نسائيًا، وقلمًا رجاليًا لأن الإبداع حالة ليس لها علاقة بالجنس واللون؛ فالتجربة الإنسانية هي التي صقلتها، فمن باب التعامل مع النص «اقصد المقال الصحفي» على سبيل المثال لأنه يتضمن في طياته فكرة تعبر عن الكاتب وتختزل وجهة نظره علينا أن نتساءل هنا هل يمكن تقسيم وجهات النظر بمعيار الذكورة والأنوثة ؟!.
الغالب في الأمر انه لا .. إلا في القضايا التي تتمتع بالخصوصية الأنثوية والتي تنصب في بعض المسائل أما على وجه العموم فإن الرؤى لا يمكن تقسيمها وفق معايير صحافة الرجل وصحافة المرأة.
والحديث عن دور المرأة في الصحافة يقودنا إلى استعراض كفاءات وقدرات نسوية استطاعت قيادة مؤسسات صحفية وإعلامية أسهمت في تأسيس كثير منها .
لا يمكن الحديث عن الصحافة في ليبيا دون الخوض في سيرة خديجة الجهمي القامة والتاريخ حيث إنها لم تثبت نفسها فحسب بل أسست مدرسة صحفية ولونًا مميزًا لها من خلال تعاملها مع شريحة المرأة والطفل واستمرت المسيرة بالمرأة أيضًا من خلال كفاءات لاتفتقر لها بلادنا . الكتابة الصحفية والتي تناولت من خلالها قضايا وموضوعات أسهمت في معالجة كثير من القضايا الاجتماعية كانت فارستها المرأة .
التحقيقات الصحفية والمتابعات الإخبارية أيضا كان لها فتيات تفوقن على انفسهن في المجال وتاريخ الصحافة الليبية حافل .
التصوير والتعامل مع الكاميرا ..
وهنا حتى في ما يتعلق بالقدرات التي استطاعت أن تنافس على الصعيد العربي فقد كانت حاضرة وبقوة وأسماء كبيرة لكاتبات ليبيا لازلن يكتبن ويقمن على إعداد البرامج المرئية والمسموعة .
لربما كان الفضول الذي يسكن المرأة هو ما يدفع باتجاه نجاحها لأن العمل الصحفي يتطلب استقصاء المعلومة من مصادرها وتتبعها كي لا يقع الصحفي في فخ الأخبار المفبركة، والمدسوسة .
عمومًا نجحتْ المرأة في هذا المجال نجاحًا كبيرًا حيث تبوأت مناصب متقدمة من رئاسة التحرير، وإدارته ومسؤولية التحقيقات والمتابعات؛ وبالتالي لا يمكن اعتبارها صحافة نسائية لأن الصحيفة أو الجريدة هي عمل متكامل يبني على كل الجهود.
ويقول الأستاذ الصحفي إدريس بلقاسم:
بداية علينا أن نتفق بأن مهنة الصحافة، ليستْ وظيفة يتقلدها أيًا كان، بل هي علمٌ أولاً، وموهبة ثانيًا، والتميز فيها يدعمه الشغف بها، واستمرارية الممارسة.
وهنا الأمر لا يقاس بمن يقدر على ممارستها هل الرجل أكفأ أم المرأة أكفأ.
خلال ممارستي للعمل الصحفي على مدى خمسة عقود من الزمن، عايشتُ خلالها قدرات نسائية كان لها بصمتها في محراب الصحافة، منهم على سبيل المثال لا الحصر، الفاضلات المرحومة خديجة الجهمي، ومرضية النعاس، ولطفية القبايلي، وفوزية شلابي، وفاطمة محمود.
والآن هناك زميلات كثيرات متميزات في الاستطلاعات، والمتابعات، والأخبار، ولهن بصمتهن في وسائط الإعلام الورقي والإلكتروني، والسمعي والبصري.
هي صحيح مهنة شاقة، ولأنها بالأساس عمل ميداني وليس مكتبيًا محدد التوقيت، لذلك تحتاج إلى المثابرة، والصبر، والتركيز.
وهناك قد يكون الأمر صعبًا على المرأة المتزوجة والتي لديها أطفال، وسيكون غيابها عن البيت في أوقات متفرقة غير ثابتة، سيكون له تأثيرات سلبية على استقرار الأسرة بشكل أو بآخر.
أخيرًا .. لن تكون هذه هي كل الشهادات من قبل الزملاء شركاء القلم والكلمة، ولن تكون الأخيرة عن أهمية الأقلام الإبداعية النسائية، ودورها في العمل الصحفي اليومي إدارةً، وعملاً، ووجودًا فاعلاً.