جلهم شباب يتقد حيوية وعطاء وكثير منهم في خريف العمر يلهثون وراء لقمة عيش صعبة يقتلعونها عنوة من بين فكّي حياة متسارعة لاترحم، تجمعهم غربة مرة ووطن يستغيث وجوههم مخضبة بتعب الأيام تلمح فيها جلياً آثار معارك طاحنة مع غربة أقل ما يقال عنها أنها باردة كوجوه الموتى وأرصفة أوروبا القاسية .
نمط حياة مختلف كلية عما توارثته جيناتهم الكسولة جعلهم في قلق دائم من القادم وترقب وخوف من المجهول تتقاذفهم الأنواء والأهواء، استجاروا من رمضاء وطن مشتت غارق في الدماء بنار غربة لاتقل عنه إيلاما ووحشة، بعضهم باع ماتبقى له من قليل زاد وأثر أسماك المتوسط على وحوش الوطن فرمى بنفسه وأسرته في مراكب الموت التي رمته بدورها إلى موت من نوع آخر.
سنحاول في هذه السلسلة مقاسمتهم معاناتهم والخوض في تفاصيل تجربتهم علنا نكون ملاذهم الأخير أو حتى أمل لا رجاء منه.
فاتورة الهجرة !!
بعضهم غادر الوطن لأسباب سياسية، والبعض الآخر لضيق الحال، وآخرون هربًا من أوضاع تردي التعليم، والصحة، وفي كل الحالات هي عائلات ليبية تغربتْ دونما سابق خبرة وأحيانًا دون تفكير في عواقب ما هم مقبلون عليه.
من أكبر همومهم مستقبل أبنائهم ولكن ماذا يعني مستقبلهم؟ هل ضمان مستقبل الأبناء هو مجرد نجاح دراسي أوعملي؟ أم هو نجاحهم في الحفاظ على دينهم وهويتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومن ثم تأتي الاستزادة من تجربة الغربة والتغرّب والاستفادة منها علميًا وعمليًا؟.
شجنُ لطالما أرق الكثيرين منهم فيما غض الطرف عنه آخرون في حين آثر بعضهم مكرهين خيار العودة إلى الوطن للهروب بهم من أتون الغربة وتفادي الأسوأ.
بضعة أسئلة ألحت علينا فسألناهم إياها لنتبين إن كان أبناؤنا في الغربة هم الرابح الأكبر أم الخاسر الوحيد ؟!
– في رأيك هل في التغرب خطرُ على هوية الأبناء ؟ وكيف يكون ذلك ؟
– هل تعتقد أنه بإمكان الأبناء الحفاظ على هويتهم وسط هذا الخليط العجيب من الثقافات ووسط كل هذه الحريات شبه المطلقة ؟
– ما دور الوالدين في ذلك ؟
– ما هو الحل في رأيك لتفادي الانسلاخ من الهوية وفي نفس الوقت الاستفادة من الغربة ؟
– هل تظن أنك قد تضطر في لحظة ما للعودة إلى الوطن وترك كل ما بنيته في الغربة إذا أحسست بخطر على أبنائك وكان خيار العودة هو الحل الوحيد ؟
ف .ع 39 سنة أم لثلاثة أطفال مقيمة في ألمانيا
– طبعًا فيه تخوف عالطفل لأنه مسلم لكن تربى وعاش في بيئة تختلف عن البلد اللي جاي منها وهو في سن صغير ولما يكبر ويوصل سن المراهقة حيكون ضحية تيارات ممكن تكون أقوى منه وتجرفه معاها.
– دور الوالدين هو الاهتمام من جميع الجوانب الدينية والأخلاقية والمادية يعني بما إنه ولله الحمد مسلمين لازم يعرف كل شيء يخص الدين من جميع الجوانب الصلاة والصيام والأخلاق نسأل الله لهم الهداية والثبات.
– الحل في رأيي هو الانتباه لهم من جميع النواحي يعني مافيش مجال للخطأ والسهو ولازم تكون منتبهًا عشرة على عشرة ولازم توعيهم بكل شي ممكن يقابلهم وكيف يتصرفوا معاه، والاستفادة من الغربة تكون بإنك توفر لهم عيشة كريمة يعني ما ينقصهم شيء وتركز على شني يحب وتشجعه على دراسته وتعبيله وقته في المساء تسجله في نوادِ أو مسجد يتعلم قرآن أو لغة عربية يعني أنا توا نزرع باش نلقي شني نحصد .
– طبعاً في أي لحظة نرجع للوطن لما نعرف روحي بنعيش عيشة كريمة لأنه بجد الغربة والبعد عالبلاد والأحباب والأهل شيء صعب لا يطاق ولما نحس إن الغربة فيها هلاك وضياع للأبناء على طول نرجع من دون تفكير لأن الحاجة الوحيدة اللي ما نتساهلش فيها هي مستقبل صغاري وحمايتهم، ونتمنى ليا ولي كل مغترب أن يكون الله في عونهم ويقدرهم ويقدرني على تربية أبنائنا تربية سليمة تليق بديننا وعادتنا وتقاليدنا.
مراد الرياني 37 سنة أب لطفلين مقيم في ألمانيا
– هذا ليس رأيي أنا فقط بل هو الواقع الذي لم نعمل له حسابًا مسبقًا وأريد أن أقول إنه يمكن أن تجد بعض الآباء والأمهات من لهم رأي آخر ولكن هؤلاء إما أنهم أصلاً لا يملكون وازعًا دينيًا وليس لهم انتماء للوطن أو أنهم لم يروا الحقيقة المرة بعد، والخطر على هوية الأبناء يبدأ كما ذكرتُ سابقًا من الوالدين ثم الجيران، ثم الأصدقاء ثم وللأسف الحكومة كـ(السوسيال) والمعلمين والاختصاصيين الاجتماعيين في المدارس ورياض الأطفال.
– نعم وبصدق لأنه والحمدلله هناك بعض العائلات التي تسعى جاهدة للحفاظ على هوية أبنائها وانتمائهم، ولكن كما قلتُ فقط بعض العائلات وبنسبة ضئيلة جداً ربما لا تزيد عن 10 أو 15 % .
– الوالدان هما الأساس وهما أصحاب الدور الأول والأساسي والكبير وهذا الدور يبدأ حتى من قبل عقد القران .. وهذا موضوع ليستُ في محل شرح له الآن.
– والحل في رأيي لتفادي الانسلاخ من الهوية وفي الوقت نفسه الاستفادة من الغربة هو أن الله يسترهم ويقدر لهم أحسن الأقدار، ولكن يجب علينا أن نعمل بجد وبصدق للحصول على هذا الستر.
من بعض الحلول أيضا هو الاختلاط بالعائلات المحافظة، أيضاً ارسال الأطفال للمساجد لتعلم اللغة العربية وحفظ القرآن، ويفضل أيضاً ارسالهم إلى مدارس عربية حيث لا تتدخل الدول الغربية في المناهج، أيضاً زيارة الأقارب في البلد الأم و محاولة جعل الأبناء يتمنون قدوم العطل والإجازات للذهاب إلى بلدانهم الأصلية، والتركيز على أعيادنا وعدم ترك الأبناء يمارسون طقوساً لا تمت لديننا بصلة؛ فلا نتركهم يشاركون غير المسلمين في أعيادهم.
وأفضل حل هو العودة بهم للوطن على الأقل حتى سن معين.
– حتى لو لم أكن مضطرًا ولم يكن هناك خطر عليهم؛ فالعودة إلى الوطن هي أولى الأمنيات فعسى أن تكون قريبة أو حتى على الأقل إلى أي بلد عربي مسلم.
ع . ش 31 سنة مقيمة في ألمانيا أم لطفلة واحدة
لا أعتقد أنه هناك خطر علي هوية الأبناء لو أنك اجتهدت في تربية أبناءك وحرصت على تعليمهم وعلى غرس عاداتك وتقاليدك ومارستها حتى في الغربة، والطفل بالتأكيد يستطيع أن يحتفظ بما تغرس فيه من حب لبلاده وبيئته التي جاء منها وسيكون من ضمن الخليط الذي حيبرز فيه هويته وثقافته بكل فخر..
ودور الوالدين يكمن في تعليمه حتى لو جى في بيئة مختلفة كما يجب إفهامه ان انتمائنا لثقافتنا وهويتنا التي نفتخروا بهاهو أساس من أساسيات حياته..
لذا عندما يلاحظ أن والديه مفتخرين بهويتهم حينعكس هذا كله عليهم وحيخليهم يعتزوا بهويتهم.
لتفادي الانسلاخ يجب عليك اتاحة إبنك لفرصة الإنفتاح على الآخرين وبنفس الوقت تربيهم علي حب بلاده وهويتهم.. كما يجب تذكيرهم دائما بالوطن الحقيقي وتحفيزهم وأن تطبع في ذاكرتهم صورة جميلة على بلادههم الأصلية وتقافتها كي يكبر عليها..
لاأعتقد ان خيار العودة وراد لأنني على يقين بما أديت من تربية وماغرست من قيم.. فلا خوف عليهم بإذن الله والحافظ ربي لانه في نظري الخطر موجود في كل بلاد مع وجود التكنولوجيا والتطور المعلوماتي، وأخيراً نسأل الله ان يعيننا ويحفظ أولادنا ويحميهم بحفظه التام
مراد محمود 42 سنة مقيم في أميركا أب لطفلين
طبعاً أكيد أبناؤنا في خطر كبير وكبير جداً لكن أعتقد أن الخطر ليس على الجيل الأول بل على الجيل الثاني لأن الجيل الأول ولد وتربى وكبر في ليبيا وتشرّب عاداتها وتقاليدها وعرفوا ذويهم…. لكن الجيل الثاني حتى لو تزوجوا من ليبيين ربما سينسلخوا انسلاخا تاما من أصلهم وهويتهم وهذه بالتجربة التي عشناها وشفناها بعيوننا.. مثلا هناك من يقول أنا امريكي لأنني من مواليد اميركا إذا انا مواطن امريكي وبننتخب حتى لهجته ستجدها غير مفهومة وأغلب مصطلحاته بالانجليزية..
الأب والأم هم المحور الأساسي ودورهم مهم ورئيسي في المحافظة على هوية أبنائهم وأي تقاعس منهم مثلا لو أي واحد فيهم انجرف في سوق العمل ولم يهتم إلى واجباته تجاه بيته ستكون عواقبه غير محمودة باستثناء لو كانت الأم موجودة في البيت ولاتشتغل.. والحالة هذه نطلق عليها تسمية (الطلاسة) أو المحاية التي تمسح ما علق بذهن الأبناء من أدران المدرسة وإلا فإن الموضوع سيخرج من السيطرة..
بالنسبة للحل هذا أعتقد أن هذا الموضوع صعب لإنه يحتاج تضافر جميع الجهود بما فيها الدولة الغائبة من عقود والتي سيكون لها مسؤولية استقرارها سياسياً واقتصادياً لان استقرار الدولة سيكون سبب رئيسي في عودة العقول والخبرات المتعطشة للعودة لخدمة الوطن.
العودة للوطن شيء كبير ومن البديهي أن الأغلب يفكر في العودة ولايريد العيش طوال الحياة..
ح . د 36 سنة مقيم في فرنسا وأب لثلاثة أطفال
بالنسبه للهويه لا أعتقد أن هناك خطرا مادام الوالدين قائمين بدورهم بالطريقة الصحيحة، مثلاً أنا مقيم من حوالي 15 سنه وأولادي يتكلموا ليبي وكأنهم جايين من ليبيا أمس مع العلم إنهم لحد الأن ماشافوش ليبيا للاسف، لكن بعون الله حيحافظوا على هويتهم في أي مكان، والوالدين لهم دور كبير جداً في التوعية والتذكير بعاداتنا وتقاليدنا وهويتنا.
في تقديري التوعية الدينية والتحدث داخل البيت باللغة العربية دائما وحث الأولاد على التحدث بها داخل المنزل هو السبيل الوحيد لمنع انسخلاهم من هويتهم.
بالنسبة للعودة كل شي جائز وسنتعامل مع الموقف حسب الظروف اذا ما أجبرتني على العودة وحيكون قرار سهل جداً، ولكن أتمنى أن يكون الحال أفضل في البلاد، فما نراه الأن على مواقع التواصل الاجتماعي يجعلك تفكر أكثر من ذي قبل في اتخاذ قرار مصيري زي هذا.
ح . ن 48 سنة مقيم في فرنسا وأب لثلاثة أطفال
لا يختلف اثنان على أن الغربة تؤثر كثيراً فيما يخص الهوية وتأثيرها قد يكون كبيراً ولكن العملية نسبية وتتوقف على وضع الوالدين فكلما زاد تفرغ الوالدين للأبناء وأعطوهم حيزاً أكبر من وقتهم كلما قد تأثير الغربة على الأبناء، فدور الوالدين مهم ومفصلي وحساس ويقلل إلى حد كبير من آثار الغربة الجانبية على هوية الأبناء، أيضاً توجيهات الوالدين وتوضيحهم لكل ما يتعلق بالهوية للأبناء هو أمر في غاية الأهمية حيث يكون الطفل في معزل عن بيئته الأصلية ولا يعرف شيئاً عنها وبالتالي هو بحاجة ماسة للتعريف بها.
العودة هي الأصل وليست خياراً وكما نقول في أمثالنا (الطير يقول وكري وكري، ويا شارب اللبن مرجوعك للمى)، فعن نفسي لا يمكنني حتى التفكير في البقاء في الغربة للأبد لأن العودة هي أمر طبيعي وهو الأصل فما أبالك إن كانت الغربة ستشكل خطراً على أبنائي؟، أيضاً ما أشاهده هنا من كهول تجاوزوا الثمانين من أعمارهم ولازالوا مصرين على البقاء في الغربة هو أمر أراه مخزٍ جداً ومرعب حيث توفي الكثيرون في الغربة وبعضهم لم يجد من يرسل جثمانه إلى بلاده وآخرون وجِدوا متوفون ومتحللون في بيوتهم.
نوارة 32 سنة مقيمة في تركيا أم لثلاثة أبناء
نعم ..اكييد هناك خطر ويكون ذلك من خلال تبدل العادات والتقاليد وإنحسار العلاقات الإجتماعية وتبدلها بمخالطة أشخاص ع الأغلب مش بيئتك الأصلية، ويختلف هذا التغيير من أسرة لأخري حسب مدي قوة إرتباط هذه الأسرة بعادات وتقاليد البيئة الأصلية، أيضا هناك جانب مهم جداً وهوا تغير قنوات التلفاز والسوشيال ميديا.
بالتأكيد للوالدين دور في الحفاظ على الهوية من حيث متابعة الابناء متابعة دقيقة ومساعدتهم على اختيار الصحيح والمناسب لنا من ملبس ومأكل وعلاقات اجتماعية ويختلف ذلك باختلاف البيئة المحيطة فمغتربو تركيا غير مغتربو أوروبا.
ولتفادي الإنسلاخ عن الهوية يجب على الوالدين المحافظة على زيارة ليبيا كلما سنحت الفرصة لزيارتها وزيارة الاقارب والتعرف عن قرب على مجتمعنا وعاداتنا وقيمنا، ومن ناحية أخري لازم يستمر الأباء في شرح تفاصيل الفرق بين الحياة الشرقية والغربية للأطفال قدر الإمكان وأن هذا الفارق عائد لإختلاف الدين والعادات والتقاليد، وأن التمسك بالهوية الأصلية يحميك أنت بالدرجة الأولي.
الإستفادة من الغربه تكون بالعلم ثم العلم ثم العلم بتعلم اللغات المختلفة ونيل الدرجات العلمية وممارسة الانشطة المختلفة.
أعتقد أن بناء الطفل بشكل سليم وتعليمه عاداتنا وتقاليدنا وماهو مناسب لنا وحميته من خطر الإختلاط بأفكار خاطئة وأشخاص غلط، كل ذلك يجعلنا غير مضطرين للعودة ومش حيكون في خطر على الأطفال لأن وقت التكوين للشخصية انتهى.
تجربة الغربة والتغرّب والاستفادة منها علمياً وعملياً ؟
أفضل حل هو العودة بهم للوطن على الأقل حتى سن معين
عائلات تلقاهم يبحثوا عن القنوات الليبية ويتابعوا في السوشل ميديا في ليبيا
وعايشين الحدث في ليبيا لحظه بلحظة