هل كان لي غير حزم حقائبي وتأبط جواز سفري منتهي الصلاحية لامتطاء الطائرة المتجهة نحو مطار سبها لمرافقة كريمتي عائشة وابنها رفيق، حيث الاحتفال بمؤسسة الواحة التعليمية وهي تطوي عامها الثلاثين، خاصة وأنني سبق أن حضرت العيد العاشر وكان موضوعا لزاويتي بصحيفة الجماهيرية عندما كنت من كتابها أسبوعيا في تلك الأيام، وقد كانت عائشة يومئذ تجمع بين صعوبات المشاركة في التأسيس المهني والبناء الأسري والانتقال من المدينة حيث المولد والنشأة إلى سبها والغربة على أكثر من صعيد وهي تقترن بأحمد العائد من دراسته الجامعية التي بلغت سنوات عشر لانقطاع المنحة عنه وأمثاله من الطلبة في كندا وامتناعه عن قبول مساعدة بعض التنظيمات الممولة والدخول في اصطفافاتها غير المأمونة، مفضلا العيش على قوت عمله كما وثق بصوره المحفوظة عن الفترة، إنها الخلفية التي دفعته إلى المبادرة بخوض تجربة العمل الخاص بدل الانتساب بكادر الحكومة كما فعل الكثير من نظرائه الذين عادوا متأبطين شهاداتهم والعمل الحكومي القريب من البطالة، فاتجه فورا إلى التعليم الخاص متخذا من البيت نصف الجاهز مدرسة اعتمادا على ما لديه من الأفكار وزوجه من خبرة التدريس والإدارة، فكانت الرحلة التي نمت رويدا رويدا جامعة بين المدرسة والأسرة، لما في المهمة من التداخل والتي ليس خارجها إقحام الإبن الوحيد رفيق مبكرا في المشروع بشقيه التربوي والتأهيل الإجتماعي، فلم يكد يبلغ مرحلة التعليم الجامعي والتخصص بعلوم الكمبيوتر استعدادا لحمل المسئولية كاملة، والجمع بين المقرين بسبها والفرع الذي أملت المتغيرات بعثه في العاصمة لأكثر من دافع ولا سيما التقنية التي يسّرت المتابعة دون التنقل، مما جعل من العيد الثلاثين مناسبة للإنصات إلى شهادات الداعمين والمشرفين التي أجمعت على تزكية المشوار، والذي شاءت الأقدار أن يتخلله غياب الأب «الصهر أحمد علي غميض» فيتضح مما ذُكر أن الغياب كان جسديا فقط كما جاء في كلمة مدير التعليم الخاص والشريط الوثائقي الذي اضطلع فيه الدكتور إبراهيم عبد الهادي بكل ما يغني عن المشروع و الأسرة، فامتلأت على الصعيد الشخصي مسرة واطمئنانا، وما أضفاه الحاضرون الذكور والإناث والأصدقاء الذين أذكر منهم على سبيل المثل لا الحصر الدكتور الشافعي والمستشار كمال حذيفة وعبد الرحمن محمد سيف النصر وأبو بكر حمود ويونس المدني والسيد السحيري، وليعذرني من لم أتذكر..
لقد كان الحضور لافتا والمزج بين الإعجاب والتأثر ملحوظ والذاكرة الممتلئة تلح باستعادة صور هذه الأحياء التي طالما شهدت حضور الكثير ممن عرفت وصادقت ورويت، ويملؤه الحفيد وأمه حضورا وتألقا وتعاونا على كل ما هو صعب، وما هو يفيد على التطوير، ولم يبق لي سوى التفرغ إلى من خلق ورزق، بالحمد والرجاء على دوام قدرة المتابعة والاستفادة من هذا الفضاء لمقاومة احتكار وسائل الإعلام بأنواعها، ولئن كنت قد غلبت اليوم ما هو خاص على العام، فليكن من تقدم العمر ما يعطي العذر ويضاعف الأجر والصبر على مصائب الدهر والأمل القوي بأن الآتي أجمل وأن الثقافة الوطنية الملتزمة دائما هي الأبقى.
