كلـمات ..
كل يوم تستيقظ لصلاة الفجر تصلي وتسجد، وعقب السلام ترفع يديها وتتمتم (الستر الستر) .. «فضيلة» كما سماها جدها ظلت وحيدة في بيت العائلة بعدما جهزت والدها ووالدتها الى مرقدهم الاخير بشكل لائق ووفق الاعراف والواجب، وبكثير من الحب والخوف والحزن ظلت مزارًا للاخوة والاحفاد بيتها الذي تسكنه لا تغيب عنه الزهور ورائحة نوار عشية والياسمين ولا يخلو جيبها ولا كيستها من قطع الحلوة والدينار لمن يعترضها من الأطفال.
«فضيلة» رغم الستين لازالت تمشي بقوام مرفوع وخطى ثابتة لا تشكو لاحد ولا تحب ان تنام قبل أن تطبَّب نفسها بالاعشاب وتبحث عن علاجًا للذاكرة وتقوية العظام وسلامة الحواس
كانت سخية لدرجة كبيرة معطاءة لا تكف عن السؤال والتفقد هاتفها المليء بصور اخوتها واخواتها الثلاث وابنائهم تنتظرهم كل جمعة بموائد شهية ومنوعة لكل فرد طلبه الخاص لاتغفل عن شاردة ولا واردة
سماها الجيران ونيسة القطط كانت من طيبتها تصل حد الدروشة تحدث القطط في الشوارع وتطعمها جبن .. حليب .. وبقايا السمك وعظام الدجاج.
«فضيلة» كانت تنام في منزلها تحدث طيفي امها وابيها وكل مساء كانت تستحيل الجدران لعائلة والاسقف لونس وتنام وهي تلهج في فراشها بالدعاء وتختم بالستر الستر لم تخش يوما الوحدة لانها مسكونة باالدفء صوت القطط في منزلها وعند النوافذ يجعلها تبتسم وتنام في راحة لاخوف ولا توجس
هي ليلة بلا قمر مضيء بلا نسيم عليل بلاهدوء معتاد
عوى الذيب في منزلها؛ فاستيقظت على غير العادة كاسوأ مرة تستيقظ فيها تفقدت الابواب اذا ما كانت قد تركتها مفتوحة و جرت ..صرخت.. اين القطط؟ اين طيف ابي وامي؟ اين السقف والجدران والرفاق الذين كانوا يأتون مرارا ويعودو؟
أين أنا الآن؟ أين الاجابات التي رفعت يدي اطلبها الستر الستر ؟، ولماذا صار الجميع ذئابا؟، لماذا انام على الرصيف في الشارع وتسكن قطعان الذئاب منزلي؟ كيف تلقى القلوب في الشوارع لاجل امتلاك طوب متحجر؟ اي ارث ضمنته القواميس ينزع روحي ويرميني عظمًا للكلاب لا حيلة ليَّ ويبيعني لليالي المظلمة بثمن بخس، أي فضيلة بعد هذا ستبقى إن ظل الذئب يعوي وتبعه القطيع.. !!