محطة
يَصِفُ الاحتلال الإسرائيلي نفسه بأنه الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط .. وقد أثبتتْ فعلاً هذا التميز؛ فهي الوحيدة التي تقصف الأطفال، والنساء والعجزة، والجرحى، والمرضى، والطواقم الطبية، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات والمساجد، والكنائس، ومراسلي الصحافة .. وتقطع امدادات المياه والكهرباء، والوقود، والغاز، والدواء، والغذاء..وكافة وسائل الاتصالات والتواصل..وهي لا تضرب مُدنا شاسعة بمعنى الكلمة بل كثافة سكانية هي الأكثر اكتظاظًا في العالم داخل مساحة ضيقة مسمياتها على غرار (بيت حانون، ومخيم جباليا، وطريق صلاح الدين، وجيوب بلدة عبسان)..
(إسرائيل الديمقراطية) هي الوحيدة التي تبقتْ ممن شنوا حروبًا مع كل الجيران..ولم تغادر مكانًا إلا وحطمتْ أرقامها القياسية في مذبحة هنا جهارًا، ومجزرة هناك نهارًا..وظلت تهاجم الفلسطينيين جيئة وذهابًا..بمناسبة أو من دونها .. فهي لا تحتاج في كل مرة إلى ذريعة ولا مبرَّر، أو حتى شكوى مقدمة إلى مركز شرطة..ولا يهمها ملايين شهود العيان بعد أن تعدَّدتْ ساحات الجرائم التي لا تستوجب للدلالة تطويقها بشريط أصفر..فالبراهين ملأتْ الحواس السَّت وامتلأت الأدراج بالإثباتات، وأشار إليها الجميع سرًا وعلانية بأصابع الإتهام..هي التي جعلت الأطفال يكتبون أسماءهم على أيديهم لكي يتعرف عليهم من بقي حيًا بعد انتشالهم من تحت الانقاض، والركام المكدس على ألعابهم، ودفاترهم، وتساؤلاتهم..وتراها تمنع دخول شاحنات المساعدات بينما تستقبل منظومات أسلحة مكتوب عليها (صُنِعَ من أجل عيونكِ يا إسرائيل)..
هي الديمقراطية التي دائمًا لا تخطيء ودائمًا مظلومة ودائمًا تدافع عن نفسها..ولها روايتها الخاصة لكل حدث .. أما من يسرد غير ذلك فهو متحاملٌ على حقها في الوجود على حساب فلسطين..ويظل شغلها الشاغل الترويج لفزاعة أمن إسرائيل..في حين لا تريد من غيرها أن يضع حتى قضبان حماية على نافذته .. تريد لنفسها كامل الحقوق ولا واجبات عليها..وألا يشملها القانون الدولي ولا حقوق الإنسان لأن المطالبة بذلك يعد معاداة صارخة لمشجب السامية..
(إسرائيل الديمقراطية) لا تريد مجرد احتلال المكان الفلسطيني بل حتى الإنسان الفلسطيني..تريده أن يتجرد مُكرهاً عن تجسيد الوطن وتقرير مصيره..وأن يتكيء على جنب لا يريحه..بل يغير أحلامه غصبًا إلى أرض بلا مواطن، ومواطن بلا أرض..
(إسرائيل الديمقراطية) جعلت لأول مرة في التاريخ عواجل وسائل الإعلام تبث مع كل رمشة عين على غير عادتها..وما يحدث من عدوان غير مسبوق زادنا يقينًا بأنها تعمل منذ زمن طويل على غرس خنجر الإبادة في ظهر «حنَّظلة المقاوم» ليكون مشهدًا مألوفًا ومستساغًا يسهل على ضمير العالم ابتلاعه وهضمه..حنظلة الذي تركناه يتألم لكننا وذلك أضعف الإيمان نسمع صوت أوجاعه..