موروثنا الشعبي
هل يمكن عمل روشيته بقاء لتراثنا الشعبي إذا كانتْ الأجابة بنعم فكيف يتم ذلك الكل مهموم ظاهرياً بهذا المجال، لكن ماهي مظاهر هذا الاهتمام الذي لم يتعدَ «ثقافة البريستيج».
عموماً لا نريد الذهاب بعيدًا في جلد الذات فالأهم الوقوف على آراء من لهم علاقة محدَّدات الهوية وقالبها العام.
البداية كانتْ مع المؤرخ الأستاذ أحمد بركوس نبدأ على بركة الله فنقول :
يأتي الاهتمام بدراسة الموروث الشعبي من خلال قيمته الكبرى، وما يقدمه من مكاسب ثقافية، وتربوية، وترفيهية للأجيال التي تأخرت عن الجيل الذي ترعرع فيه ذلك الموروث وازدهر.
إن تراثنا الشعبي بكل مكوناته وتعبيراته الواضحة الهدف، والصريحة الأسلوب والناتجة عن تجارب الحياة غرسته الأيامُ في وجداننا؛ فعشقناه عشقًا صادقاً لا زيف فيه، إن حبنا لهذا اللون حبًا موروثًا نعتز به؛ فهو أدب نابع معبر عن خلجات نفوسنا ننظر إليه بنظرة علمية ندرسه، ونحرص على حفظه من الضياع فهو مرجعٌ تاريخي وثقافة دالة على ملامح مجتمعنا وأصالته وسماته الطيبة.
إنّ التغير السريع والكبير الذي طرأ على حياتنا جعل الماضي يبتعد عنا رويدًا رويدًا وهذا ما يدعونا الى إبراز أكبر قدر ممكن من تراثنا واخراجه إلى حيز الوجود.
وهذا المثل يعد من أمثالنا الشعبية ..يقول )تاريه الطايح إليا طاح ما ينفع الطايح بلا تسنيد( من التراث الشوك، في الأمثال الليبية )اللي يبي الورد يتحمل شوكه(؛ فالوصول إلى الجميل لا بد من تحمل الصعاب التي تحيط به يقول أهل الحكمة إنَّ كلمة «شوك» المتكونة من هذه الحروف الثلاثة لها مدلولٌ؛ فالحرف الأول«الشين» يرمز للشركة، أو شراكة، والحرف الثاني «الواو» يرمز للوكالة، أما الحرف الأخير وهو «الكاف» فهو يرمز للكفالة إن الشراكة، والوكالة، والكفالة جميعها أمورٌ تحتاج للصدق، والاخلاص، والأمانة، فلنحافظ على هذه السلوكيات في تعاملاتنا .
كما شاركنا الكاتب أمين أبورواق حيث أشار إلى عدة نقاط مهمة في موضوع الموروث الشعبي قائلاً :
الحقيقة إن الموروث الشعبي هو كلُ ما ورثناه عن أجدادنا السابقين من عادات وتقاليد متمثلة في العلوم والآداب، والملبس، والأكل والشرب، والرقص، والغناء، والطب الشعبي والرياضة، وطقوس المناسبات الاجتماعية، والزواج والفروسية، والمعتقدات الشّعبية والقصص والحكايات، والأمثال السائرة، والألغاز والأحاجي، والمفاهيم الخرافية والاحتفالات والأعياد الدينية وما يعبرون عنه من آراء وأفكار ومشاعر يتناقلونها جيلاً عن جيل، شرط ألا يتم التعدي عليه بما يعرف بـ)التطوير، أو التحديث( كما يظن الكثيرون؛ فهذا الإبداع التراثي ليس من صُنع فرد بذاته ليتحكم فيه، بل هو نتاج جماعة إنسانية صنعتْ هذا الموروث بفعل ظروفها وبيئتها ومناسباتها وعاداتها وتقاليدها، حيث نجد أن لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي في الغالب تتحكم فيها الظروف البيئية ـ المكانية ـ تحكماً كبيراً؛ فعادات المجتمع الذي يعيش أفراده على شاطئ البحر، ويمارس حرفة الصيد ليستْ كعادات مجتمع آخر يعيش بين كثبان رمال الصحراء، ولا كمجتمعٍ رعوي، أو زراعي، فهذه البيئات المختلفة تَصنعُ الفوارقَ التي تميز كل مجتمع عن الآخر.
-شاركنا الفنان محمد شعيب برأيه قائلاً :
الحقيقة يعد الموروث الشعبي شيئًا متجذرًا في كل الشعوب خاصة بلادنا الطيبة، ونحن مازال هذا الموروث معنا والإنسان حين يبتعد عن موروثه الثقافي الذي عشنا طوال عمرنا لا يخرج عن الإطار الذي تربينا عليه سواء أكان في العادات أم التقاليد لأن هذه الموروثات الشعبية تتعايش معنا وتنتقل من بيئة إلى أخرى خاصة الإنسان الذي يعيش في بيئة حضرية؛ ومن وجهة نظري مازالنا نحافظ على عاداتنا خاصة الاحتفالات الدينية هي نفس الطقوس وعاداتنا المنبثقة عبر موروثنا الشعبي الجميل وخاصة في المولد النبوي الشريف في مدينة طرابلس بالذات هناك طقوس جميلة حيث الأب تجده يحضر لبناته «الدربوكة أو الطبلة»، ويحضر للأولاد «البندير أو الدف»؛ وهذا دليل بأن الشعب يتمسك بالموروث وكذلك لنا طقوس في يوم عاشوراء
بـ)طبخ الفول( وغيرها من العادات التي نحتفي بها في المناسبات مما يدل على أنه مازال الموروث الشعبي متأصلاً فينا ..وكما تعرفي حتى في عيد الفطر كيف الأطفال والرجال يرتدون الزَّي الوطني التقليدي، وهذه كلها إشارات على أننا محافظون وبقوة على موروثنا الشعبي الرائع .
- أحمد محمد عبيد قال:
كيف نبتعد عن موروثنا وهو رمزُ حضارتنا الليبية لهذا أوكد أن القليلَ جدًا مَنْ ابتعد عن موروثنا الشعبي .. لأن المتمسك والأصيل مازال له الطريقة نفسها في تربيتنا لأبنائنا التي كانت في الماضي وهناك اساليب رائعة تقوم بها الأم الليبية في تربية أطفالها منذ الولادة وهذه الاساليب نجدها حتى في الأغاني التي تتردّد على مسمع المولود الجديد ومنها على سبيل المثال )الهدهدة( التي تقولها الأم عندما يخلد طفلها للنَّوم حيث تقول:
هوها .. هوها .. هاتي النوم
لوليدي منام اليوم
وتسترسل في الانشاد بهذه الطريقة حتى ينام ولهذا نتمنى الاستمرار على موروثنا الليبي الاصيل بدلاً من استعمال الموسيقا الغربية للطفل حين يريد النَّوم.
وكذلك شاركتنا الأخت انشراح ناصر – معلمة قائلة :
يسعدني مشاركتكم في هذا الموضوع أقول وبكل أسف أن أم اليوم ليست مثل الأمهات اللاتي حضرن وعشن زمن )خبزة الفرن أو مخض الحليب( وغيرها من الأعمال اليدوية التي تعودتْ عليها صحيح كما قلت لنا «أم اليوم» غابت عنها بعض العادات والتقاليد الليبية التي منها المأثور الشعبي، فأين هي كلماتنا القديمة التي كانت الأم ترددها عندما يريد طفلها يخطو خطواته الأولى «المشي»؟
كانت تردد .. وتقول :
ديدش حب الرمان..ديدش خبزه ودهان .
ديدش بدل خطواته .. ديدش يا سعد خواته.
انظري كيف هي جميلة هذا الكلمات ؟ التي تركها لنا آباؤنا وأجدادنا.
موروث شعبي أصيل ومن هذا اللقاء أتمنى من كل الأمهات الرجوع إلى عاداتنا الأصيلة الليبية والتعامل معها لأنها كنز ثمين.
- أما الأخت سميرة الخال معلمة فقالت:
كم هي جميلة عاداتنا وتقاليدنا الليبية نحن الليبيين لنا تراثٌ شعبي قديم فيه الاصالة الليبية وهي تاريخ حضاري يحمل أمجادنا وثقافتنا العلمية والمأثور الشعبي هو أداة فعالة في حياتنا الاجتماعية ولا بد أن نعود أطفالنا منذ سن مبكرة على هذه العادات ونحاول قدر الامكان غرس القيمة التربوية التي منها الموروث الشعبي الليبي المأثور لأنه وكما يعلم الجميع أننا نعيش في عصر «العولمة»، ونخشى على هذا المأثور من الضياع في زمن كهذا الزمن لأن الرجوع إلى القديم يعد مدرسة قائمة في حد ذاتها وعليه على الأسرة الليبية تنشئت أطفالها على قيم نبيلة تعود إلى زمن المأثور الشعبي الذي مازال ينبض رغم قلته.
أما الحاجة سعيدة محمد ربة بيت قالت:
عاداتنا وتقاليدنا أيام زمان لم تعد موجودة إلا نادراً اليوم تغير كل شيء حيث اصبح «العصر عصر العولمة»، ولم يعد موجود زمن الموروث الشعبي الليبي وحتى الأغاني التراثية الجميلة لم نعد نسمعها حتى أمهات اليوم البعض مهن لا يعرفنها أصلاً؛ فمنذ زمن هناك أغانٍ شعبية ليبية تتغنى بها المرأة في مناسبات عدة فعندما يبدأ الطفل يخطو «يمشي» هناك أبيات تقال له، وكذلك كلمات تقال عندما تريد الأم مداعبة طفلها خاصة إذا كان «ولدًا» حيث نراها تقول له وهي تلعبه :
بيك جبر .. ولا نشبح عازا ولا شر
بيك سلم وليدي عمار الدار
غير أكبر بس انديرولك عدة وفرس
انديرولك عدة وحلاط
وزوز غدارة تحت الباط
تجي من غادي تدعفس
هذه بعض الكلمات وهناك غيرها على الجهات المختصة أنَّ تهتم بهذا المأثور الشعبي.
-خلاصة هذه المتابعة فقد أجمعتْ الآراء على ضرورة عودتنا إلى عاداتنا وتقاليدنا الشعبية، وذلك الموروث الأصيل الذي يرجع بنا إلى حضارة جد عريقة أسسها أجدادنا وآباؤنا منذ زمن ونحن اليوم نطالب كُتَّابنا، وأدباؤنا الأفاضل جمع هذا المأثور والمحافظة عليه من الضياع.
في عصر العولمة كيف ينافس الموروث؟
كنا نهدهد للوليد لينام .. ونغني له ليقف ويمشي .. و الآن ضاعت تلك الاغنيات