أجرت اللقاء: الصحفية ربيعة حباس
تكدست ملفات الفساد الإداري والمالي في مفاصل وقطاعات الدولة، وما قطاع الجمارك بمستثنٍ منها ، هذا القطاع الذي كان يشار له بالبنان في الانضباط والكفاءة المهنية والأمانة في اداء الرسالة المكلف بها، ولعل تغلغل حب هذا العمل في قلوب كثير من منتسبيه وغيرتهم عليه، دفعهم ليترجموها إلى مساع متواصلة اثمرت صدور قرار المجلس الرئاسي الأسبق 2016 لتأسيس الاكاديمية الليبية للدراسات الجمركية ، ولكن قبل الحديث عن الاكاديمية، نتساءل هل يوجد ضعف في الكوادرالجمركية؟، هل يعاقب القانون الراشي والمرتشي في الجمارك؟، وهل هناك تجاوزات في الترقيات؟، و مَنْ وراء محاولة ادخال أكثر من مليار حبة «ترامادول» لليبيا؟.
عميد أكاديمية الدراسات الجمركية عصام الشريف :
يتحدث (لفبراير)عن العمل الجمركي ودور أصحاب الأعمال والاعتمادات في افساده وموقف القضاء.أسئلة أجابنا عنها السيد (عصام الشريف) وهو عقيد في مصلحة الجمارك الليبية متحصل على بكالوريوس محاسبة من جامعة طرابلس(97/98) ودبلوم علوم جمركية وأمنية من معهد التدريب والدراسات الجمركية (2000) وماجستير(تمويل ومصارف) أكاديمية الدراسات العليا (2010) وكلف برئاسة قسم الإيرادات العامة بالإدارة العامة للشؤون المالية بمصلحة الجمارك ومدير إدارة التسجيل العقاري الاشتراكي والتوثيق، و رئاسة قسم التحقيقات بالإدارة العامة لمكافحة التهريب والمخدرات وغيرها.
هل تؤكد وجود ضعف في اداء منتسبي الجمارك؟
نعم يوجد ضعف في الاداء الجمركي بالمنافذ، فالكوادرالموجودة والمتحصلين على مرتب بعيداً عن الأسس القانونية المتعارف عليها والمتبعة في العمل الجمركي، لايعرفون أهمية دورهم ولا استخدام التقنية، وهذا من أسباب فشل كل القضايا التي تحال إلى النيابة لأن عمليات الضبط غيرصحيحة وقامت بها جهة غير مختصة.
هل المشكلة قانونية في العمل الجمركي؟
لدينا قوانين قوية، ولكن مشكلتنا في الكادر البشري ذي الخبرة، فمن نعتمد عليهم اليوم سيدخلون التقاعد قريباً، ولو استمر الحال كما هو عليه ستنتهي الجمارك الليبية بعد 15 سنة، وباعتبارنا مسؤولين؛ فالحل الوحيد لخلق الصفوف الثاني والثالث والرابع، هو تدريب الآلاف الموجودين حالياً وتعليمهم ثم محاسبتهم وهذا مبدأ أؤمن به جداً.
يتهم البعض رجال الجمارك بقبول الرشاوى لتمرير ممنوعات .. فما تعليقكَ؟
موظف الجمرك مثله مثل أي موظف ليبي ينتظر مرتبه نهاية الشهر، وعندما يضيق به الحال ويعرض عليه التاجر مساعدته ويساعده فعلاً، المرة القادمة يجد نفسه محرجاً ولا يستطيع اتخاذ إجراء ضده أو التدقيق عليه، وهذه ليست رشوة فالرشوة مهما كانت الأسباب لا يمكن السماح بها لا شرعاً ولا قانوناً، و لأؤكد لكم ذلك عندما كنتُ رئيس قسم التحقيقات في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والتهريب عبر المنافذ منذ 2016 إلى 2019 حققتُ في جل القضايا مع أعضاء الجمارك كتهريب الخردة و«الترمادول» والاعتمادات الوهمية وأضاحي العيد ذات الأرقام الفلكية على الورق وفي الواقع لا شيء منها، ومن الوهلة الأولى وضعت احتمالية حصول رجال الجمارك في المنفذ على رشاوى ولكن اكتشفتُ أن السبب جهلهم بالإجراءات السليمة، حتى رئيس قسم البيان لا يعرف ما المقصود ببيان الشحنة، والموجود في قسم المراجعة سألته عن (سوفت التأمين هل وصله؟ اجابني ما المقصود به وما علاقته هو به؟!) ومن هنا أكدت وشدَّدت في تقريري النهائي على ضروري إعادة تأهيل الأعضاء الموجودين في المنافذ الحدودية ليكونوا على دراية تامة وشاملة بكل إجراءات الدورة المستندية.
هل جهلهم هذا يعفيهم من العقوبة القانونية؟
لا يعفيهم ولهذا تم استدعاؤهم من قبل مكتب النائب العام وتوقيفهم ومنهم من صدر فيه قرار فصل عن العمل وهم برتب مقدمين وعقداء ولا أبالغ إن قلتُ لدينا من تحصلوا على رتب عالية في ظرف 3 سنوات بناءً على قرارات تسوية لا نعلم كيف تمت ومازالت تتم، في حين هذه الرتب تحتاج ما لا يقل عن 20 سنة وهذا في حد ذاته ملف فساد آخر.
هل لأصحاب الأعمال و الاعتمادات دور في هذا الفساد ؟
مؤكد، فجهل العنصر الجمركي بالإجراءات، انتبه له بعض المخضرمين في العملية التجارية فسارعوا باستغلاله لتمرير اعتماداتهم الوهمية وادخال الحاويات الفارغة وحاملة «الترامادول»، حاويات كان بالإمكان معرفة محتواها قبل دخولها الموانيء الليبية، وهذا ما لا يعرفه كثيرٌ من العناصر الجمركية ، ويعرفه المتاجرون بقوت المواطن وحياته و وطنه، أصحاب الاعتمادات الوهمية، وكسبوا ملايين الدولارات مستغلين حصولهم على النقد الأجنبي من المصرف المركزي بسعر(1.30) .
كيف يمكن معرفة محتوى الحاويات قبل وصولها إلى الموانيء الليبية ؟
من خلال قائمة الشحنة الخاصة بالباخرة الحاملة للحاوية وتشمل حجم الحاوية ورقمها ونوع ووزن البضاعة المحمولة فيها مثلاً حاوية 20 قدماً اقصى حمولة لها 20 طناً لو وجدنا في وصف البضاعة المونيوم والوزن 20 طناً يستحيل أن يكون الأمر سليم فالالمونيوم مهما ضغطنا عليه يستحيل يصل 20 طناً، حاوية أخرى 40 قدم أقصى حمولة لها 28 إلى 30 طناً لو وصف البضاعة مواد غذائية مثلا (تن)، يكون الوصف غير صحيح، فالمتعارف عليه دولياً التن لا يمكن وضعه في هكذا حاويات لأن عند رفعه بالرافعة تتضرَّر العلب نتيجة الوزن الزائد وبالتالي يستحيل بيعه، هذه البيانات يجب أن يتعلمها رجل الجمارك ، اختصاراً للوقت والجهد، وتخفيف ازدحام البواخر الراسية 15 في منطقة المخطاف تنتظر دورها.
حدثنا عن حاويات الترامادول
والاعتمادات الوهمية؟
حسب إحصائية اعددتها بنفسي سنة 2015/2019 عدد حبات «الترامادول» التي ضبطها رجل الجمرك الوفي ، مليار و250 مليون حبة عدا التي وزعت وسط الشباب الليبي، كل حاوية 8 ملايين حبة بقيمة 3 دينارات للواحدة بمعدل 24 مليون دينار مكسب، بينما لم تكلف صاحبها 25 ألف دولار، هجمة رهيبة و(بزنس كبير) أما الوهمية فخلال 3 سنوات من وجودي كرئيس لقسم التحقيقات في الإدارة العامة لمكافحة التهريب تمكنتُ من ضبط توريد اعتمادات وهمية بقيمة 45 مليون دولار وتحصلتُ على ترقية استثنائية من عقيد إلى عميد ، واعتبر نفسي حققتُ جزءاً من النجاح و من المهام التي نجحتُ فيها التدريب والمحاضرات التي قدمتها في معهد الجمارك حول التحقيق والتدقيق في جرائم التهريب وأخرى حول إجراءات الجمارك السليمة.
ما قصة مورد خمسة ملايين علبة طماطم فارغة ؟
هذا المورد قال بإن لديه مصنع طماطم و يريد اعتماد لتوريد 5 ملايين علبة فارغة، سألناه عن كمية المحصول ومكان وصاحب المزرعة الذي باعه المنتوج، 5 ملايين علبة تحتاج 10 سنوات للحصول على كمية المنتوج الذي تم توريد العلب لأجله، في حين طاقة المصنع تنتج سنوياً ما يملأ 100 ألف علبة فقط لا غير وهذا حدث وليس احتمالاً، القضية احيلتْ للنيابة وللاسف تم إخفاء الملف بسرعة، سجلنا أرقاماً فلكية تصل 200 مليون يورو و300 مليون دولار لتوريد مواد خام ولا وجود لمصانع خاصة بالمنتج الذي (يتفلح) صاحب الاعتماد لتوريد ما يحتويه من مواد خام كالعلب والقناني وغيرها، هؤلاء لا يخجلون من استغلال الموازنة التي تقوم بها الدولة بتخصيص 200 مليون للدقيق ومثلها للسكر ومثلها الطماطم، ومثلها مواد خام، هذه الأخيرة يسارعون للحصول عليها، وكم من مورد سألناه أثناء التحقيق أين مصنعكم؟ أجاب في وادي الربيع؛ وعندما ذهبنا لم نجد إلّا (هنقر) فارغ ولا وجود لأي آلة إنتاج فيه وحتى المواد الخام التي تم توريدها حسب الفواتير لا وجود لها فقد تم تهريبها والتصرف فيها .. وذات مرة كنتُ في أحد المقاهي جالساً مع أصدقاء وقربنا ليبيون يتناقشون عن الاعتمادات أحدهم عرض مساعدته لآخر يريد اعتماداً مقابل منحه نسبته 25% .
كيف ترى مستوى الموانيء الليبية؟
للأسف البنية التحتية لموانئنا ضعيفة جدا، والمناولة إحدى أهم المشكلات وأسباب الازدحام المفاجيء، ومع ضغط أصحاب البضائع تجنبا لدفع ضريبة الأرضية، يتم العمل باستعجال ودون اتقان ودقة وهنا تحدث الخروقات الأمنية، رغم أن في الدول المتقدمة ما أن تخرج الباخرة من ميناء المصدر، يعرف الجمارك إن كانت مشتبه بها أو لا، فالميناء له دور، مثلا كولمبيا معروفة بتهريب الكوكايين، والهند بتهريب «الترامادول» فمن الطبيعي نرى كثيراً من الدول تركز على البواخر المبحرة منها وتتبعها قبل خروجها.
ما الذي يميز هذا البرنامج ؟
فيه اختصارا للوقت والجهد ويحقق رقابة دقيقة، وقد اشتغلت عليه شخصياً عندما كنتُ رئيساً لقسم التخطيط والمعلومات في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، ونجحنا سنة 2017 في تحسس الخطر قبل وقوعه من خلال تحليل البيانات واستطعنا معرفة حاويات بها «ترامادول» وأخرى فارغة، وتم ايقافها، ولكن هناك من لا يريد تنفيذ برنامج التتبع.
من لا يريده ولماذا؟
رجال الأعمال لهم نسبة 90% من عرقلته ، وهم من حاربوا عدة برامج للنهوض بهذا القطاع وأهمها برنامج تتبع الحاويات لأنه سيكشف حجم وقيمة الاعتمادات المتحصلين عليها ومدى تماثلها مع حجم ونوع البضاعة الموردة، فما يحدث حاليا يأخذ اعتماد بمليون دولار، يورد بضاعة بنصف القيمة ويسجل الفواتير بقيمة مليون دولار زورا، مثلا أحد الموردين ورد شحنة أقلام قيمة القلم الواحد حسب الفاتورة التي قدمها 10 دولار وهذا التحايل بدأ بعد كشفنا للحاويات الفارغة والاعتمادات الوهمية، حتى أن منهم من بدأ يورد بنصف القيمة والمتبقي يبعه في السوق السوداء ويكسب 3 أضعاف سعره الذي تحصل عليه من مصرف ليبيا المركزي في شكل اعتمادات وحوالات و ليس نقداً،. هذا يفسر(فزورة) الترف المفاجيء الذي يظهر على ليبيين يملكون سيارات فارهة وقصوراً ومزارع وحسابات مصرفية في تركيا وإيطاليا وغيرها من الدول العربية والأوروبية، وكما قال غسان سلامة كل يوم يظهر مليونير جديد في ليبيا لأن هذا هو السبيل .
ما وضع المنافذ البرية والتهريب المتعدد الاشكال؟
التوتر الأمني في دول الجوار ووجود الجماعات المسلحة ومهربي البشر والسلاح في الأراضي الليبية، منع رجل الجمارك من ممارسة حقه الذي كفله له القانون بالتجول في كافة إقليم الدولة الليبية لأنه لايملك ما يملكه المهربون للمخدرات والسلاح والبشر، الذين استغلوا الظروف التي تمر بها بلادنا كما استغلتها الجماعات المسلحة وفرضت ضريبة مالية على كل عابر للخط لتكسب تمويلاً مالياً كبيراً .
من أين يبدأ خط عبور المخدرات وأين ينتهي ؟
من المغرب مروراً بالجزائر لليبيا لمصر، ولا ننكر وصولها لإسرائيل ، والمهرب والتاجر لديه أجهزة (جي بي اس) و مناظير ليلية وسيارات دفع رباعي يستخدموها للطرق والمسالك الوعرة والصحراوية للوصول إلى مواقعه المتفق عليها والتزود بالبنزين والتموين، يقول أعضاء المكافحة أنهم يسمعون صوت محركات سيارات تسير ولا يستطيعون رؤيتها أو اللحاق بها لانهم لا يملكون ما يملكه المهرب .
ما الذي قدمته منظمة الجمارك
العالمية للجمارك الليبية؟
طرحتُ مشروعاً جيوفيزياء لمراقبة الحدود بالقمر الصناعي بحيث يستطيع الجمركي مراقبة ومتابعة المهرب أينما كان والوصول إليه بكل آمان، هذا البرنامج يحتاج تدريب أعضائنا عليه و أنا على يقين لو تتوفر لرجالنا التقنية والتدريب الجاد والمستمر، سينجحون في القبض على جميع المهربين دون أن يعرضوا حياتهم للخطر، وللامانة لدينا من الكفاءات الليبية القادرة على إيصال الجمارك إلى بر الأمان وعلى أعلى المستويات.
كيف ترى قدرة خفر السواحل؟
خفر السواحل هم أيضا يحتاجون تدريب صحيح على الزوارق وكيفية تتبع الزوارق أو الواخر المشبوه فيها عن طريق (جي بي إس) والعودة لمواقعهم بسلام .
هل تعتبر مصرف المركزي
مساهماً في الفساد؟
ذات مرة شاركتُ في ورشة عمل لمصرف ليبيا المركزي عن غسيل الأموال ، كان الحضور كبيراً من وكلاء نيابة والمركزي وديوان المحاسبة ومكافحة الفساد وغسيل الأموال والمصارف التجارية والجميع منتبه في العرض المقدم من أحد المشاركين والجميع اتهم الجمارك بالفساد والمسبب فيه لأنه لم يتحسس الخطر قبل وقوعه، وعندما طلبتُ الكلمة وعرفتُ بنفسي (مقدم عصام الشريف من الإدارة العامة لمكافحة تهريب المخدرات)، أكدتُ لهم أن الجمرك لا يمكن أن يكون سبب الفساد لانه يستلم المستندات سليمة لا غبارعليها، وذكرتُ الحسابات المصرفية التي تتبعتها ووجدتها فتحت اليوم بمبلغ 35 ديناراً، وبعد أسبوع أصبح المبلغ 10 ملايين، وأيضا ملفا شحنة الاغنام الموردة بقيمة 4 ملايين يورو الأول لشاب مواليد98 والآخر لفتاة مواليد92 تاريخ انشأ الشركة 3 أشهر فقط كيف ومتى اشتغلوا وكونوا ثروات، لدينا بيانات ونتائج تحقيقات عن ملفات لشركات عندما تتبعناها وجدنا أصحابها مواليد98 متحصلين على اعتمادات بقيمة 4 ملايين يورو ( 44 مليون دينار) ويهدَّدون رجل الجمارك بالقتل إذا حاول إيقافهم، كما حدث لزميلنا في ميناء الخمس عندما كُلف بالتحقيق في ملف إحدى الحاويات فوجد فيه قصاصة مكتوبٌ فيها: (طفلكَ..يسلم عليكَ في المدرسة…) رسالة في رسالة، وعلى الفور سلم الملف معتذراً، المأخذ هنا يكون على مصرف ليبيا المركزي لأنه لم يتحسس الخطر ولأنه هو من يتولى المسؤولية والمحاسبة من خلال إدارة مكافحة غسيل الأموال المتتبع الشرعي للحسابات المصرفية وليس الجمارك ياسادة.
هل تعتقد بالإمكان القضاء
على كل هذا الفساد..؟
بالإمكان طبعاً فقط نحتاج عزيمة وقانوناً وحماية وإيماناً بقضية وقبل كل هذا علم مبني على أساسيات سليمة ولابد من إيقاف السوق السوداء وعدم دعمها مباشرة أو غير مباشرة .
أخيراً ما رسالتك للمسؤولين
نظرة جادة و دعم حقيقي لمنتسبي الجمارك المخلصين واعتبار العمل الجمركي مشروع قومي،والدرع الحامي للدولة والشعب من التهريب بكل أنواعه، وهو الوحيد الذي لديه البيانات والاحصائيات المتكاملة والدقيقة، التي لو تستند عليها الدولة ستحقق ليبيا تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية و أمنية لم تحدث مسبقاً.
قضية توريد 5 ملايين علبة فارغة للطماطم أحيلت للنيابة ومن ثم اختفت !!
لو استمر الحال كما هو عليه ستنتهي الجمارك الليبية بعد 15 سنة
العمل الجمركي ليس « افتح شنطة وصكرها وانتهي
ديتهم البعض رجال الجمارك بقبول الرشاوى لتمرير الممنوعات ??