جدارية
القلم في العواصف هو صاري الكاتب ومجدافه في بحر النوائب المتلاطم، ومركبه وجدان كامل من العواطف والأفكار والذكريات والأفعال، وهو مركب حر في محيط الوجود، لكنه بكل تأكيد عرضة للانكسار أو التيه أو التحطم، ما لم يكن هناك بوصلة من الإيمان والصبر والبصيرة. قلم الكاتب هو كنزه وعكازه وجناحه وحلواه وسمه وقنبلته وزهرته، يضعه بين أصابعه فيدب اليحموم في الرصاص وتلتهب الروح وتبلغ المدى.
نحن الكتاب في زمن المحن ملجأنا أقلامنا، وبيوتنا وكساؤنا وغذاؤنا به ومنه وقربه وعنه، حتى كأن القلم وطننا.
نبدأ أول حرف في الجملة المبتغاة فيدلنا القلم على أخواته ويسقي الحروف فتصير عبارات وجملا وتسمو نصا وأدبا، كلما أردنا البكاء احتضناه وإن طلبنا الفرح سامرناه وعندما نرى العالم ونريد وضع بصمتنا في صدره كان القلم أداتنا وذاتنا.
لكن إن دب الضعف في نفس كاتب ما وأراد أن يدون ما يخالف ضميره وحلمه ورؤيته وفكره ووجدانه يتوقف القلم، يتصلب أو ينكسر رأسه أو ينزلق من بين الأصابع فلم يحصل أن خذل القلم يوما قلب صاحبه، وفي هذه الأحوال يبرز صديقا رفيقا قرينا مخلصا يدفع عن قرينه الضرر والشر والخذلان ويقوده ثانية إلى المعنى والأمل والصدق.
ربما يمكن للكاتب أن يسافر دون أي حقائب أو متعلقات سوى قلمه، فبوجوده يتحدد وجه لسفر ويطيب المضي قدما والوقوف برهة والنوم، ومن لم يكن له القلم أنيسا فقد أضاع الرفيق الحقيقي في عالم الرفقة الزائفة