رأي

شهد عبد المنعم ووجب أن نشهد

■ أمين مازن

كان السيد عبد المنعم الطاهر الهوني واحدًا من الاثني عشر نقيبًا بالجيش الليبي الذين دخلوا تاريخنا في الأول من سبتمبر 1969 بقيادة الملازم معمر أبو منيار معلنين في بيانهم الأول الذي أُذيع بضحى ذلك اليوم، وليس في فجره، إلغاء النظام الملكي وتسمية ليبيا الجمهورية العربية الليبية، هو بيانٌ لا يدل على الإعداد الجيد، وبعد انتظار طال بعض الوقت لافتتاح البث الإذاعي من دون النشيد الوطني، والاكتفاء فقط بالمارشات العسكرية، كما فصّلتُ بالجزء الثالث من كتابي (مسارب)، حين طُبع في مطلع هذه الألفية، ووزع وناقشه عديد المهتمين. كنتُ على الصعيد الشخصي قد سمعتُ بالملازم عبد المنعم قبل ترفيعه إلى نقيب من الصديق الراحل أحمد بوغولة مساعد مدير الاستخبارات نصر الدين هامان الذي هو عديل بوغولة في الوقت ذاته عندما فهم من عبد المنعم أنه على صلة بي، فيما لم تكن موجودة لديّ، فإذا ما قُدِّر لسبتمبر أن يحل، وأستلم من حكومة المغربي ودعم السيد عمر المحيشي حقيبة إدارة المطبوعات والنشر وتوجب الاستعدادات لعقد أول مؤتمر صحفي لرئيس مجلس قيادة الثورة مراجعة مدير المخابرات السيد عبد المنعم، فلم يبدي ما سبق أن ذكر بشأن المعرفة، بل بادرني بسؤال استنكاري حول عدم الكتابة عن المؤامرة التي أتُهم فيها آدم الحواز، وموسى أحمد، ولم أكن شأن أكثر الكُتاب من المشاركين في ما انتظم حولها من التحامل الإعلامي، ويومئذ لم يستسغ فكرة مطالبة الصحفيين ليقدموا أسئلتهم مكتوبة، وترك الأسئلة والأجوبة في حينها لمعرفة المستوى الذي يتوفر عليه الرئيس الذي هو العقيد كما كان يُدعى مما أتيت على بعضه في تلك الأيام والتي كان من بينها اعتقال المثقفين إثر خطاب زوارة الشهير. إنه الاعتقال الذي شملني وروجع بشأنه عبد المنعم وكان رده مطمئنًا، كما أبلغ المرحوم والدي، والذي لم يضايقني فيه شيء مثل سؤال بعض الذين استعرضونا في ساحات السجن بلهجة غير ليبية عما إذا كان لدي أقارب في القوات المسلحة، ففهمتُ أن الجهاز الأمني عندنا قد أصبح مخترقًا، وهو ما أكده لاحقًا كتاب رجل الأمن المصري الشهير فتحي الديب (عبد الناصر وثورة ليبيا) مميطًا فيه اللثام عن الدور الذي استطاع القيام به تجاه حكومة الدكتور المغربي، ومن كان بها من الوزراء، الذين استحال وضعهم تحت عباءته، وكذلك الذين أفلح في استدراجهم بما وضع تحت تصرفهم من كتابات عن الوحدة الوطنية المناقضة للتوجه الوحدوي الذي رفع شعاره العهد الجديد والذي لم يكن في الحقيقة يزيد على الانسياق خلف الرؤية المصرية الرامية إلى وضع ليبيا موضع التبعية المطلقة، وأكثر من ذلك تسخير بعض الأنشطة كندوة الفكر الثوري لمعرفة الهويات السياسية وما تلاها من اعتقال عديد المناوئين مما فصله ذلك الكتاب حول الرموز كافة بمن فيهم السيد عبد المنعم وبقية الأعضاء ومن حولهم، حيث تم إفراغ البلاد من جميع الكفاءات وتنوعت الأساليب نحو الانفراد بالسلطة وقيام القطاع العام المعتمد على دخل البترول الذي رُفعت أسعاره وتعددت أوجه صرفه وحلول المرحلة التي بادرها عبد المنعم بالانسلاخ السريع عن العهد عقب مشاركته عقب مشاركته في أحد المؤتمرات بالعام الخامس والسبعين، فلا يعود ولا يستخدم الإعلام لإبراز معارضته وإن يكن قد تعرض لأكثر من محاولة استهدفت خطفه، ويقطع ذلك المشوار الطويل كثير التنوع، بين الحديث أحيانا والصمت أحيانا أخرى، غير أن السؤال الكبير كيف يثق هو في القذافي ويقبل منه تمثيل ليبيا في الجامعة العربية، وكيف يتسامح القذافي معه بعد مقابلته الشهيرة في مجلة الوسط التي ذكر فيها تقاعس معمر عن تلاوة بيان الثورة. وعندما يطل علينا اليوم معشر مجايليه ومتتبعي نشاطه وأخبار مجايليه ليدلي بشهادته، فلا بد لنا أن نكبر إسهامه بالإدلاء عمّا لديه عن سبتمبر69 وقبله وبعده  فندقق ما ينبغي تدقيقه بما منَّ الله من نعمة التواصل والتذكر ومعرفة المقاصد والاستماع لمن ذكرهم عبد المنعم وروينا عنهم، فقد أدلى بشهادته ووجب أن نشهد حول هذه الشهادة ودون تجاهل القول المأثور بأن الكمال لله وحده

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى