مات ناس وولد ناس، هذا هو ما حدث، نسمي ذلك قتل ناس لناس، أو اقتصاص ناس من ناس، لكن بعد كل هذا الحزن علينا أن نضع جراحنا ودموعنا على سرير المشرحة، ونفهم ماذا حصل.
الكتابة عن أعوام من الصراخ صعب، لكنه ضروري؛ لأن صرخة الفاجعة التي تقابلها صرخة النصر هي مشهد سينمائي، لكنه واقعي بدرجة مرعبة، وعلينا لكي نفهم الصورة أن ننقل معها الإحساس.
ما حدث هو أن سفاحا كان يحكم، وثار الناس عليه ليرسوا العدالة، لكنهم عبر الأيام تحولوا إلى سفاحين، ومن لم يتحول مثلهم دخل قائمة الضحايا الطويلة، ولكي نتأقلم مع هذا الحال كان ضروريا أن تنتقل مآسينا من المشرحة إلى الشارع في طريق المقبرة.
ورغم ذلك كان ينبت على جانبي كل جنازة عشب، وتتطلع زهرة، وهو ما جعل الموت مربكا؛ كونه دوما يقترن بالحياة، ولكما تجدد الفناء تجدد الميلاد، وهو كما أخبرتكم ما حدث.
إنها قصة مشابهة لمئات القصص في مئات البلدان، لكن الزمان مختلف، فقد ظل الإنسان وفيا لوحشيته، وأنانيا، ومبادؤه مازالت رهينة سلامته، وإن احترق بيدر الغير وسال الدم دفاقا.
أعوام من المطر، كلما أجدب الحلم تهمي غيومها، لتذكر الإنسان بقدرة الخالق، وبهزيمة السفاحين، وهو ما يفتح باب رجاء في ازدهار جيل جديد وتوقف الوحش بين البراءات الصاعدة.
في بلادنا كان يحكم سفاح، وكان هناك صراع بين قساة، لكن في بلادنا أيضا جدات بدعواتهن يخففن الأعباء، وأطفال بضحكاتهم وفوضاهم يقلبون الكرسي ويسقطون شأن الغاشمين، فالسلم والخير هما وعد من أصدق من يعد، أما القهر فله يوم زوال، تعلو بدلا عنه نخلة التسامح، التي يستظل حولها الآدميون ويروا حقيقتهم في عيون مسامحيهم، وينقلوا طيبتهم إلى أبنائهم ليتعلموا الصبر والتفاؤل وإمكانية تجدد الفرحة في الحلوق التي جرّحها النواح الطويل