في حوارنا الجميل مع الحاجة عائشة كشالة من الجنوب الليبي وهى تحمل مزيجًا بين الثقافة الليبية بالجنوب قديمًا وحديثا حاولنا أن نستدرج الذاكرة إلى عمق العادات والتقاليد والعودة بالزمن إلى عبق الماضي من خلال التجهيزات والتحضيرات لشهر رمضان المبارك.
فحدثتنا بكل حب عن عادات الخير والبركة بداية بالتجهيزات ومرورًا بالأيام والتواريخ التي يقومون فيها بالاحتفال والتجمعات وممارسة بعض العادات الجميلة التي رافقت الآباء والأجداد منذ زمن وما بقي منها حتى الآن.
قالتْ الحاجة عائشة: قبل شهر رمضان بيومين أو ثلاثة يحتفلون بيوم )القرش( وهو يوم تبدأ طقوسه بتحضير وجبة العشاء كل شخص على حده وغالبًا ما تكون )فتات وهريسة( ومن ثم يذهب كل أفراد العائلة إلى منزل الجد وهو كبير العائلة يحملون معهم العشاء قصعة )الفتات( ويسهرون ويتسامرون ابتهاجًا بحلول الشهر الكريم، هذه العادة مازالت حتى اللحظة عند الكثير من العائلات التي تقوم بإحيائها.
أما عن الاستعدادات، والتحضيرات فذكرتْ أن أهمها كان السويقة )الزميطة(، والتمر الذي قد يكون في عراجينه إذا كان وقت جني التمور، أو أن يطمر في خابية الى حين استخدامه، بالإضافة الى الهريسة وشراء كل ما يلزم من القمح والشعير قبل مدة أي أثناء فترة الحصاد وقالت ان عملية الحفظ لكل هذه المواد الغذائية تكون داخل خابيات من الطين )الجرة(، وأن كل الاواني المستخدمة في ذلك الوقت كانت مصنوعة من الطين.
وعند سؤالها عن الذبيحة في بداية الشهر صرحت أن الحالة المادية لم تكن متاحة جدا الذبح والحصول على اللحوم مثلما يحصل في الوقت الحالى متوفرة بجميع الاشكال والالوان فهم كانوا يصنعون اللحم المجفف)القديد(ويوضع في خابيات من الطين تحفظه من حرارة الجو، أما وجبات الافطار فكانت ترتكز على التمر والسويقة والحليب الطازج من الأبقار أو الماعز على عكس الان فكل شئ متوفر بكل أنواعه حتى المأكولات تقتصر على الهرويشة )الدشيشة(والهريسة والعصيدة والآن الشربة والمحاشي والمبطن من أهم المأكولات وغيرها من الاصناف الكثيرة والتي لا أعرف حتى أسماءها، وأثنت على روح العطاء والمشاركة بين الجيران والاحباب عند تحضير هذه الوجبات ومن العادات التى أكدت عليها الحاجة عائشة وهي ما يميز الماضي عن الحاضر هو أن إكرام الجار واجب مثل إكرام الضيف.
كما حدثتنا عن ليلة التزوليقة وهي تقام ليلة 24 رمضان ومن طقوسها أن تكحل عيون البنات بالكحل العربي ويلبسون الاولاد ثيابا كالعيد تماما ويصدحون بصوت عالي وهم يدخلون كل بيت )تزوليقة تزوليقة -تزوليقة حمراء ليقا(وكانوا يحصلون على بيضة نيئة فقط ولكن تطورت الاحوال الان فبعض العائلات تعطي الحلوة والكعك وغيرها من المأكولات التى يحبها الاطفال.
وعن ليلة القدر حكت لنا بشجون عن تفاصيل ترويها كأنها الان تحدث، الحاجة عائشة ذكرت ان ليلة 27 رمضان هي ليلة مباركة يجتمع فيها الاهل في بيت كبيرهم وتحدثت بحرقة عن التعاضد والمساندة والنسيج الاجتماعي قديما حيث كانت تحمل كل النفوس على الصفاء والنية الطيبة وأشادت بكونهم لكلمة كبيرهم أثر جميل في نفوسهم وهي كلمة مسموعة ولها ثقلها ,وعادت بحديثها الى تفاصيل تلك الليلة واستطردت قائلة ان الجميع يذهبون تلك الليلة الى منزل كبيرهم ويحضرون وجبة العشاء( الفتات بالهريسة) ويتسامرون ويضحكون ويأكلون ويجتمع أبناء العمومة إحياء لليلة القدر وليلة ختم القرآن الكريم.
وفي نهاية حديثنا معها لم تخفي حسرتها على هذه الايام الجميلة ومقارنتها بما تمر به الاسرة في الزمن الحالي من تشتت وبرود وتباعد في النسيج الاجتماعي وتطرقت الى موضوع المشاكل بين الزوجين حيث كانت تحل قديما بطريقة ودية حيث يجتمع الزوج والزوجة عند كبير العائلة والمشهود له بقضائه العادل وتطرح المشكلة ويقضي بينهم بالتراضي ويعودان للمنزل معا بعد المسامحة ,اما الان الطلاق شائع جدا ولأسباب تافهة لا تستحق الوقوف عندها.
وآخر حديثها هنأتنا بقدوم شهر رمضان المبارك وتمنت لليبيا كل الرخاء والاستقرار..
عادات رمضانية من الجنوب الليبي:
في بعض المناطق تحتفل العائلات قبل رمضان بيوم او يومين اي اليومين الأخيرين من شهر شعبان ويسمى هذا اليوم (يوم القرش) حيث تجتمع العائلة في منزل أحد الأقارب ويكون أكبرهم سنة دليل على الرفعة والعلو في الشأن والتعود على الصف الواحد والكلمة الواحدة ويحضر كل شخص إحدى أكلاتنا الشعبية الغرض منه استقبال شهر رمضان وكأنه العيد مجتمعين على الحب والخير .
من العادات الجميلة للتبو خلال شهر رمضان والأفطار الرمضاني هي آكلة المديدة وهي خليط من القصب (االسحلب)والحليب وتقدم مع التمر .اما وجبة العشاء وتكون بعد صلاة التراويح مازالت تحافظ على الأكلات الشعبية القديمة مثل العصيدة بالملوخية/والعصيدة بالدرابة(البامية المجففة)والعصيدة بالحليب .
أغلب العائلات في الجنوب تستقبل شهر رمضان بيوم للحمي وهي تجهيز مسبق لخبرة التنور التي تعتبر من أشهى أنواع الخبز..