ثقافة

لعنة‭ ‬الديكة‭”‬ فصل‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬إيشي‮»‬

عائشة الأصفر

أُريد‭ ‬جوابًا‭ ‬لما‭ ‬يقوله‭ ‬‮«‬جدي‮»‬‭ ‬ياأمي؟‭! ‬اصدقيني‭ ‬القول،‭ ‬لو‭ ‬صدقتُ‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬جدي‮»‬‭ ‬عن‭ ‬مقدمة،‭ ‬وجهي‭ ‬الديكية،‭ ‬فأنا‭ ‬مسخ‭ ‬يا‭ ‬‮«‬أمي‮»‬‭! ‬أنا‭ ‬فقيس‭ ‬الرمل‭ ‬يا‭ ‬‮«‬أمي‮»‬‭! ‬غسلتُ‭ ‬وجهها‭ ‬بدموعي،‭ ‬جمعتُ‭ ‬طرفَ‭ ‬ردائها‭ ‬أريدُ‭ ‬أن‭ ‬أبتر‭ ‬هذا‭ ‬التشوه‭ ‬الديكي‭!‬

‮  ‬‭ ‬نأتْ‭ ‬‮«‬أمي‮»‬‭ ‬عن‭ ‬كلام‭ ‬‮«‬جدي‮»‬؛‭ ‬واستنكرتْ‭ ‬قبوله،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سماعه؛‭ ‬وردّته‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الخبل‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭.‬

دارتْ‭ ‬‮«‬أمي‮»‬‭ ‬مكانها،‭ ‬حاست‭ ‬أمام‭ ‬خزانتها‭ ‬البُنّية‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬تعلقتْ‭ ‬بها‭ ‬ومنحتها‭ ‬الجدار‭ ‬الكبير‭ ‬متحدية‭ ‬بوجودها‭ ‬الموبيليا‭ ‬الجديدة‭ ‬كضرة‭ ‬مستميتة،‭ ‬حشرتْ‭ ‬فيها‭ ‬رأسها‭ ‬تخفي‭ ‬توترها‭ ‬في‭ ‬لملمة‭ ‬لحاف‭ ‬منصرم‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الرفوف،‭ ‬وأنا‭ ‬أجتهد‭ ‬في‭ ‬التوسل‭ ‬إليها،‭ ‬التفتتْ‭ ‬إلي،‭ ‬جرتني‭ ‬من‭ ‬ذراعي،‭ ‬وهي‭ ‬تكتم‭ ‬ريبة،‮ ‬أعادتني‭ ‬حافة‭ ‬سريرها‭ ‬بلطافة،‮ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تطلب‭ ‬مني‭ ‬الإنصات،‭ ‬وهي‭ ‬تدلي‭ ‬بقصة‭ ‬بعيدة‭ ‬ومعقدة‭ ‬لم‭ ‬تنزع‭ ‬شوكة‭ ‬‮«‬جدي‮»‬،‭ ‬منهمرة‭ ‬أمي‭ ‬بسرد‭ ‬متسارع‭:‬

يتدافع‭ ‬النّاسُ‭ ‬عقب‭ ‬كل‭ ‬صلاة‭ ‬جمعة،‭ ‬نحو‭ ‬نصب‭ ‬الشهيد‭ ‬وسط‭ ‬ميدان‭ ‬البلدة‭ ‬القديمة،‭ ‬يتسارعون‭ ‬للتحلق‭ ‬حول‭ ‬حلبة‭ ‬مصارعة‭ ‬الديكة‭ ‬بعد‭ ‬الصلاة‭ ‬مباشرة،‭ ‬إنها‭ ‬مثيرة‭ ‬ومشحونة،‭ ‬وحدث‭ ‬مهم‭ ‬لأغلب‭ ‬المتحمسين‭ ‬للفوز‭ ‬والخسارة؛‭ ‬فالمدربون‭ ‬يقضون‭ ‬أوقاتاً‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬تهيئة‭ ‬ديكتهم‭ ‬وتحضيرها‭ ‬للمباراة‭ ‬الحاسمة،‭ ‬مستغلين‭ ‬العداء‭ ‬الشديد‭ ‬الذي‭ ‬تبديه‭ ‬الديكة‭ ‬عند‭ ‬التلاقي؛‭ ‬يهجم‭ ‬الديك‭ ‬بقفزة‭ ‬عالية‭ ‬وقوية‭ ‬موجهاً‭ ‬ضربة‭ ‬عنيفة‭ ‬بمنقاره،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬خصمه،‭ ‬تتبعها‭ ‬ضربات‭ ‬قوية‭ ‬وسريعة‭ ‬متتالية‭ ‬بمخلبه‭ ‬الحاد‭ ‬على‭ ‬عينيه‭ ‬وصدره،‭ ‬متلقيا‭ ‬بدوره‭ ‬ضربات‭ ‬مماثلة،‭ ‬يصيح‭ ‬المتفرجون‭ ‬مشجعين‭ ‬وداعمين،‭ ‬ويزهو‭ ‬مدربو‭ ‬فريقهم‭ ‬كلما‭ ‬لاحت‭ ‬من‭ ‬ديكهم‭ ‬بوادر‭ ‬فوز‭ ‬وقوة،‭ ‬يتابع‭ ‬المدربون‭ ‬ديكتهم‭ ‬باهتمام‭ ‬وحذر‭ ‬وفخر،‭ ‬بعض‭ ‬النفوس‭ ‬الضعيفة‭ ‬يثنيها‭ ‬المشهد‭ ‬الدامي‭ ‬عن‭ ‬متابعة‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬عدم‭ ‬التكافؤ‭ ‬بين‭ ‬الديكين،‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬الانهيار،‭ ‬والإعياء‭ ‬على‭ ‬أحدهما‭ ‬والدم‭ ‬يتقاطر‭ ‬من‭ ‬عضلات‭ ‬صدره‭ ‬وساقيه،‭ ‬متناثرًا‭ ‬ريشه‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬الحلبة‭ ‬الساخنة‭ ‬ويسقط‭ ‬مترنحًا،‭ ‬وقد‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬بانعدام‭ ‬التكافؤ‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يمزق‭ ‬الديك‭ ‬القوي‭ ‬غريمه‭ ‬حيًا‭ ‬إربْا‭ ‬إربْا،‭ ‬وهو‭ ‬يئن‭ ‬تحت‭ ‬مخالبه‭ ‬معلناً‭ ‬عن‭ ‬هزيمته،‭ ‬ليرميه‭ ‬مدربه‭ ‬خارجا‭ ‬فقد‭ ‬ألحق‭ ‬به‭ ‬الهزيمة‭ ‬أيضا،‭ ‬يهنئ‭ ‬المدربون‭ ‬بعضهم‭ ‬بروح‭ ‬رياضية،‭ ‬يحتفي‭ ‬الجمهور‭ ‬بالديك‭ ‬الفائز،‭ ‬يقدمون‭ ‬له‭ ‬الموائد‭ ‬التي‭ ‬يدسونها‭ ‬من‭ ‬خبزهم‭ ‬لجولات‭ ‬جديدة،‭ ‬تزيد‭ ‬‮«‬أمي‮»‬‭: ‬غالا‭ ‬النَّاس‭ ‬في‭ ‬التنافس‭ ‬على‭ ‬تربية‭ ‬الديكة‭ ‬في‭ ‬مزارعهم‭ ‬لرواج‭ ‬بيعها‭ ‬للمدربين‭ ‬والمنظمين‭ ‬الذين‭ ‬أسرفوا‭ ‬في‭ ‬صقلها‭ ‬وتدريبها،‭ ‬وتوسيع‭ ‬حلبات‭ ‬صراعها‭ ‬من‭ ‬جديد‭!‬

‮«‬جدي‮»‬‭ !‬

‮ ‬‭ )‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تقتنع‭ ‬بأن‭ ‬أقوال‭ ‬جدك‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يعتد‭ ‬بها،‭ ‬‮«‬جدك‮»‬‭ ‬ممسوس‭ ‬يخلط‭ ‬الأمور،‭ ‬وهو‭ ‬متأثر‭ ‬بقصة‭ )‬لعنة‭ ‬الديكة‭( ‬هذه‭ ‬والمتواترة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬حكيم‮»‬‭ ‬البلدة،‭ ‬ورواها‭ ‬لنا‭ ‬مرارًا‭ ‬قبل‭ ‬عتهه‭ ‬الذي‭ ‬يسميه‭ ‬طبيبكم‭ ‬اليوم‭ ‬بالزهايمر،‭ ‬والتي‭ ‬حفظناها‭ ‬هكذا‭ ‬من‭ ‬‮«‬جدك‮»‬‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب‭(.‬

تسترسل‭:)‬أسرف‭ ‬النَّاسُ‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬الديكة‭ ‬برعاية‭ ‬رسمية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مدربين‭ ‬مهووسين‭ ‬بنفخها‭ ‬وترويضها‭ ‬وكمال‭ ‬أجسادها؛‭ ‬أغرقوا‭ ‬سوق‭ ‬البلدة‭ ‬بعلفة‭ ‬خاصة‭ ‬بالديوك؛‭ ‬مدعومةبهرمونات‭ ‬النشاط،‭ ‬والذكورة؛‭ ‬بهايقطع‭ ‬بمنقاره‭ ‬أعناق‭ ‬الدجاج‭ ‬الضعيف‭ ‬والكتاكيت‭ ‬ويلقحها‭ ‬مستسلمة؛‭ ‬علفة‭ ‬مطوّرة‭ ‬تتحكم‭ ‬حتى‭ ‬بالرسم‭ ‬على‭ ‬ريش‭ ‬الديك‭ ‬بالألوان‭ ‬التي‭ ‬يرغبها‭ ‬المالك؛‭ ‬وحتى‭ ‬مختومة‭ ‬بختم‭ ‬السيد‭ ‬لو‭ ‬رغب‭! ‬علفة‭ ‬مطورة‭ ‬يمكنها‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬عواطف‭ ‬الديك‭ ‬وانفعالاته‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬يستلذ‭ ‬فيها‭ ‬موته‭ ‬مصطدما‭ ‬بحاجز‭ ‬ديكة‭ (‬نافخين‭ ‬ريشهم‭ ‬عليه‭)! ‬بلغت‭ ‬فنون‭ ‬رعي‭ ‬الديكة‭ ‬سقفا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق؛‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬بعضها‭ ‬أبدى‭ ‬تفوقا‭ ‬تعليميا‭ ‬حد‭ ‬إشعال‭ ‬الحرائق؛‭ ‬حد‭ ‬منافسة‭ ‬الأطفال‭ ‬اللعب‭ ‬بالطائرات‭ ‬الورقية‭ ‬التي‭ ‬تلتقط‭ ‬الصور؛‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الديكة‭ ‬تمردت‭ ‬على‭ ‬مربيها‭ ‬وقتلته‭! ‬حدث‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يا‭ ‬بني‭!‬

‮   ‬‭ ‬كأنّ‭ ‬‮«‬أمي‮»‬‭ ‬أعجبتها‭ ‬القصة‭ ‬المرعبة،‭ ‬كأنها‭ ‬مُلقنة‭ ‬سردها‭!‬

استفاقتْ‭ ‬القرية‭ ‬ذات‭ ‬فجر‭ ‬لم‭ ‬تؤذن‭ ‬فيه‭ ‬الديكة،‭ ‬وقد‭ ‬أصابها‭ ‬الخرس،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تؤذن‭ ‬عند‭ ‬رؤية‭ ‬الملائكة‭ ‬لتختفي‭ ‬الشياطين،‭ ‬ذلك‭ ‬الصباح‭ ‬لم‭ ‬تفتح‭ ‬الديكة‭ ‬مناقيرها؛كأنها‭ ‬لم‭ ‬ترَ‭ ‬الملائكة،‭ ‬وحضرتْ‭ ‬الشياطين؛‭ ‬غطى‭ ‬الفيضان‭ ‬البلدة؛‭ ‬وفي‭ ‬ساعات‭ ‬قليلة‭ ‬جرف‭ ‬المجالس‭ ‬والمكتبات‭ ‬وجوامع‭ ‬الحبوب،‭ ‬ثم‭ ‬بلعت‭ ‬الأرض‭ ‬ماءَها‭ ‬وأنهارها‭ ‬وجفّ‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وحل‭ ‬الجدب؛‭ ‬وأصيب‭ ‬النّاسُ‭ ‬بصدمة‭! ‬و‭…‬

‮  ‬‭ ‬لم‭ ‬استوعب‭! ‬وما‭ ‬علاقة‭ ‬هذا‭ ‬بوجيعة‭ ‬الرمل‭ ‬ولأُبتلي‭ ‬بمقدمة‭ ‬منقار‭ ‬لحم؟‭!‬

تستهجن‭ ‬‮«‬أمي‮»‬‭: )‬كيف‭ ‬تصدق‭ ‬هذا‭ ‬الهراء؟‭! ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لهرمه‭ ‬ولإيمانه‭ ‬بسطوة‭ ‬اللعنات،‭ ‬والخوف‭ ‬منها‭ ‬علاقة‭ ‬باختلاق‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬فقيس‭ ‬الرمل‮»‬،‭ ‬وأبدا‭ ‬لا‭ ‬تفسير‭ ‬لوحمة‭ ‬وجهك،‭ ‬مثل‭ ‬لا‭ ‬تفسير‭ ‬لهطول‭ ‬المطر‭ ‬بالجوار‭ ‬وحبسه‭ ‬هنا‭! ‬ولا‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬‮«‬بازهيرة‮»‬‭ ‬من‭ ‬‮«‬كانم»؟‭! ‬ولا‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬الشيخ‭ ‬‮«‬داوود‮»‬‭ ‬الخوارق‭!.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى