رتوش

فزان .. محيط من ذهب

المنتصر اخبيرى

مرزوق‭ ‬تحت‭ ‬شمس‭ ‬الصحراء‭ ‬الساحقة‭ ‬سارت‭ ‬القافلة‭ ‬للأمام‭ ‬ببطء‭ ‬وعناد‭ ‬احترقتْ‭ ‬الرمالُ‭ ‬مثل‭ ‬الجمر،‭ ‬وتتبعت‭ ‬خطى‭ ‬الجمال‭ ‬آثار‭ ‬طويلة‭ ‬زوالية‭ ‬عبر‭ ‬المحيط‭ ‬الذهبي‭. ‬منذ‭ ‬رحيل‭ ‬مرزوق‭ ‬مدينة‭ ‬قافلة‭ ‬بالأزقة‭ ‬الصاخبة،‭ ‬يوسف‭ ‬يتبع‭ ‬القدماء‭ ‬بمزيج‭ ‬من‭ ‬التعب‭ ‬والعجب‭.‬

“ابتهج‭ ‬يا‭ ‬ولدي”‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬قائد‭ ‬القافلة‭ ‬وهو‭ ‬يمده‭ ‬فوق‭ ‬الماء‭. )‬الصحراء‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬اختبار،‭ ‬إنها‭ ‬أيضا‭ ‬سيد‭.(.. )‬لو‭ ‬عرفت‭ ‬تسمعله‭ ‬هيعلمك‭ ‬تمشي‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬تخسر‭ ‬نفسك‭(.‬

في‭ ‬الليل،‭ ‬حل‭ ‬البرد‭ ‬محل‭ ‬الحرارة‭ ‬الملتهبة‭. ‬تحت‭ ‬سماء‭ ‬مليئة‭ ‬بالنجوم،‭ ‬أشعل‭ ‬المسافرون‭ ‬النار‭.‬

هناك‭ ‬تحدث‭ ‬رواة‭ ‬القصص‭: ‬تحدثوا‭ ‬عن‭ ‬الطرق‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬فيها‭ ‬القوافل‭ ‬المحملة‭ ‬بالملح‭ ‬والذهب،‭ ‬والعباقرة‭ ‬غير‭ ‬المرئيين‭ ‬الذين‭ ‬سكنوا‭ ‬الكثبان‭ ‬الرملية،‭ ‬والأجداد‭ ‬الذين‭ ‬نجوا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شجاعتهم‭ ‬وتضامنهم‭.‬

بعد‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬المشي‭ ‬ظن‭ ‬يوسف‭ ‬أنه‭ ‬رأى‭ ‬شيئاً‭ ‬يلمع‭ ‬في‭ ‬المسافة‭ ‬أولاً‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬سراب‭ ‬مثل‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يخدعون‭ ‬المسافرين‭ ‬ولكن‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً،‭ ‬أصبحت‭ ‬الملامح‭ ‬واضحة‭:‬‭ ‬أشجار‭ ‬النخيل،‭ ‬الماء‭ ‬اللامع،‭ ‬المأوى‭. ‬واحة‭.‬

حصل‭ ‬الرجال‭ ‬على‭ ‬صيحات‭ ‬من‭ ‬الفرح‭. ‬تسارعت‭ ‬الإبل‭ ‬وكأنها‭ ‬أدركت‭ ‬الوعد‭ ‬بالراحة‭ ‬تحت‭ ‬أشجار‭ ‬التمر،‭ ‬يشربون‭ ‬رشفات‭ ‬طويلة،‭ ‬ويغسلون‭ ‬وجوههم‭ ‬ويملئون‭ ‬ثآليلهم‭. ‬حملت‭ ‬الرياح‭ ‬رائحة‭ ‬الزهور‭ ‬والأرض‭ ‬الرطبة،‭ ‬تناقض‭ ‬رائع‭ ‬مع‭ ‬جفاف‭ ‬الكثبان‭ ‬الرملية‭.‬

عندما‭ ‬يأتي‭ ‬المساء‭ ‬يجلس‭ ‬يوسف‭ ‬بجانب‭ ‬النار‭. ‬عجوز‭ ‬بلحية‭ ‬بيضاء‭ ‬غنى‭ ‬لحن‭ ‬جاد‭ ‬اغنية‭ ‬من‭ ‬اعماق‭ ‬العصور‭ ‬اللهب‭ ‬سيخفف‭ ‬الوجوه‭ ‬المتعبة‭ ‬ولكن‭ ‬سعيدة‭.‬

‮«‬تذكر‭ ‬يا‭ ‬يوسف‮»‬‭ ‬يقول‭ ‬الرجل‭ ‬العجوز‭ : )‬احنا‭ ‬مش‭ ‬تجار‭ ‬فقط‭.. ‬نحن‭ ‬أبناء‭ ‬الصحراء‭ ‬حاملين‭ ‬ثقافة‭ ‬صحراوية‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬حكاياتنا‭ ‬وأغانينا‭ ‬وآثارنا‭ ‬على‭ ‬بحر‭ ‬الرمال‭ ‬هذا‭.(.‬

ومع‭ ‬طلوع‭ ‬القمر‭ ‬ببطء،‭ ‬أدرك‭ ‬يوسف‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬صبيًا‭ ‬بسيطًا‭.‬

أصبح‭ ‬وريثًا،‭ ‬عابرًا‭ ‬للذاكرة،‭ ‬مسافرًا‭ ‬بين‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬جعلوا‭ ‬قلب‭ ‬الصحراء‭ ‬السري‭ ‬ينبض‭ ‬لقرون‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى