ثقافة

حين‭ ‬أمعنت‭ ‬النظر

علي‭ ‬الحاج‭ ‬علي

كنتُ‭ ‬سأفصح‭ ‬لك‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬

سيما‭ ‬وأنكَ‭ ‬تؤمنين‭ ‬بالتناسخ‭ ‬أيضًا

عن‭ ‬حقيقة‭ ‬لطالما‭ ‬اجتهدتُ‭ ‬في‭ ‬إخفائها

وهي‭ ‬أني‭ ‬قطعتُ‭ ‬طريقًا‭ ‬طويلة‭ ‬

لأصل‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬

عشت‭ ‬حيوات‭ ‬عديدة‭ ‬

وحللت‭ ‬في‭ ‬كثيرين‭ ‬

أحببت‭ ‬بقلوب‭ ‬عديدة

وتكلمت‭ ‬بألسنة‭ ‬عديدة‭ ‬

كنتُ‭ ‬رجالاً‭ ‬لقرون‭ ‬طويلة

ونساءً‭ ‬لأخرى

غير‭ ‬أن‭ ‬حلولي‭ ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬حكرًا‭ ‬على‭ ‬الآدميين‭ ‬وحسب

فبمجرد‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬روحي

وألفظ‭ ‬أنفاسي‭ ‬الأخيرة

أجدني‭ ‬أحيانًا‭ ‬

طيرًا‭ ‬في‭ ‬عش

أو‭ ‬سمكة‭ ‬في‭ ‬محيط

شجرة‭ ‬على‭ ‬ضفة‭ ‬

أو‭ ‬ربما‭ ‬دودة‭ ‬في‭ ‬شرنقة

صدقيني‭ ‬

ظللت‭ ‬حجرًا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مئتي‭ ‬عام‭ ‬

على‭ ‬شفير‭ ‬في‭ ‬أقاصي‭ ‬الأنديز‭ ‬

قبل‭ ‬أن‭ ‬تدفعني‭ ‬قدم‭ ‬مسافرٍ

أراد‭ ‬أن‭ ‬يكتشف‭ ‬من‭ ‬خلالي‭ ‬

عمق‭ ‬الهوة

وحين‭ ‬رأيتك‭ ‬تطلين‭ ‬من‭ ‬شرفة‭ ‬عمري‭ ‬

ذلك‭ ‬النهار

علمت‭ ‬جيدا‭ ‬أنك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬امرأة‭ ‬تطل‭ ‬من‭ ‬شرفة

وأنني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬يلتفت‭ ‬لامرأة‭ ‬تطل‭ ‬من‭ ‬شرفة‭ ‬

شعرت‭ ‬بعاطفة‭ ‬غريبة‭ ‬تشدني‭ ‬لك

عاطفة‭ ‬غريبة‭ ‬وغامضة

وحين‭ ‬أمعنت‭ ‬النظر‭ ‬

في‭ ‬عينيك‭ ‬الساحرتين

عرفت‭ ‬أنني‭ ‬أعرفك‭ ‬

معرفتي‭ ‬لنفسي

ذلك‭ ‬أني‭ ‬

منذ‭ ‬ثمانمائة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الآن

كنت‭ ‬أحل‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬رجل‭ ‬طيب

كان‭ ‬يقطن‭ ‬قرية‭ ‬نائية‭ ‬

كنت‭ ‬أسكن‭ ‬بيتا‭ ‬لا‭ ‬يطل‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬

غير‭ ‬دغل‭ ‬من‭ ‬شجر‭ ‬العرعر

وعشرين‭ ‬حوضا‭ ‬من‭ ‬النعناع

كانت‭ ‬الليالي‭ ‬تمر‭ ‬

وأنا‭ ‬أحرس‭ ‬الحيضان

من‭ ‬الحشرات‭ ‬والأعشاب‭ ‬الضارة

وحين‭ ‬يطلع‭ ‬الفجر‮ ‬‭ ‬

أحصد‭ ‬منها‭ ‬قدر‭ ‬لهفتي‭ ‬

لأبيعه‭ ‬للمارة‭ ‬

الذين‭ ‬لا‭ ‬يمرون‭ ‬

حتى‭ ‬تذبل‭ ‬أوراق‭ ‬النعناع

وحين‭ ‬كبرت

شدتني‭ ‬مياه‭ ‬الأطلسي‭ ‬الساحرة

ظللت‭ ‬أقطن‭ ‬البحر‭ ‬أعواما‭ ‬طويلة

كنت‭ ‬مولعا‭ ‬بسحره‭ ‬وأسراره

حتى‭ ‬أنني‭ ‬مت‭ ‬

وأنا‭ ‬أصارع‭ ‬

قبيلة‭ ‬من‭ ‬القناديل

كنت‭ ‬أحاول‭ ‬معرفة‭ ‬مصدر‭ ‬الأضواء

التي‭ ‬تنبعث‭ ‬منها

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬

كنت‭ ‬جدك‭ ‬الأول‭ ‬

وأب‭ ‬كل‭ ‬الرجال‭ ‬

الذين‭ ‬تنحدرين‭ ‬منهم‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى