رأي

أسئلة مشروعة..

 

خالد الهنشيري

يشترط في إلقاء الأسئلة أن تكون موضوعية وعادلة، على الأقل لا تتسم بالعدائية المفرطة، ولا بالتساهل الذي ينحدر إلى الانسياق وراء التنازل دون وعي، ففقدان الوصف الواقعي، وغياب الإنصاف يشبه الخيانة العلمية عندما يكون السؤال منزوعاً عن سياقه التاريخي الذي نشأ فيه ليكون بمثابة محاولات للانحراف وتمييع الحقائق هذا سببٌ مباشر لنشوء حالة من الفوضى.

كانت الرقابة على المخطوطات من أكبر هواجس الدول والكنائس الأوروبية «البروتستانتية، والكاثوليكية» على حد سواء، في مجتمعات ربما من كانوا يعرفون القراءة والكتابة يشكلون الأقلية، لم يكن القمع يقتصر على الكتب وحدها فالمسرحيات كانت أيضاً تخضع للرقابة بحثاً عن أي  إشارات إلى الشخصيات المهمة في الداخل أو الخارج أو أي تلميحات عن قضايا دينية أو سياسية.

سبق وأن تحدث رئيس أسقافة مصلح من بولونيا عن وضع قائمة بالصور الممنوعة مثل لوحة يوم الحساب «لمايكل أنجلو»، وأمر الرسام بستر الأجسام العارية بأوراق التين، كما حطم «البروتستانت» بعض الصور باعتبارها أوثانًا في حين أحرق «الكاثوليك» الصور التي رأوا أنها غير لائقة مثل صورة القديس «سباستيان» العاري وصور القديس «مارثن» وغيرهم، كانت الكنيسة «الكاثوليكية» أكثر نظم الرقابة شهرة وصرامة، وقد اعتمدتْ قائمة من الكتب الممنوعة يحظر على المؤمنين قرأتها، كانت هناك قوائم كثيرة نشرتها جامعة السوربون «كلية اللاهوت بجامعة باريس» عام 1544 وقوائم أخرى صادرة عن السلطة البابوية وملزمة للكنيسة ككل من منتصف القرن الثامن عشر، يرجع البعض أن القوائم كانت بغرض الحماية من «البروتستانية»، والطباعة كمحاولة لمحاربة الطباعة بالطباعة!.

بدأتْ القائمة التي صدرت عام 1563 بمجموعة من القواعد العامة التي تحظر ثلاثة أنواع رئيسة من الكتب وهي كتب الهرطقة، والفسوق، والسحر، وبعد ذلك وضعت قوائم أبجدية بالمؤلفين والعناوين وقُسم المؤلفون إلى مؤلفين من الدرجة الأولى كل كتبهم ممنوعة، ومؤلفين من الدرجة الثانية بعض كتبهم محظورة، وكل هذا اعتبره «الأرثوذكس» نجاحاً كبيراً، غير أن الرقابة «البروتستانتية» كانت الأقل صرامة، بسبب انقسامها لكنائس بهياكل إدارية مختلفة كالكنيسة اللوثرية والكالفينية..الخ

في خمسينيات القرن السادس عشر كانت الكتب تهرب عبر الحدود، كانت هناك طريق سرية معتادة من سويسرا إلى فينيسيا لتهريب كتب الهرطقة، كما كانت الكتب المحظورة غير مجلدة تهرب إلى أسبانيا تكتب في لفافات قماش صغيرة عل هيئة سؤال وجواب تختص بشأن العقيدة أو في صورة رزم من أوراق اللعب؛ أما الكتب التي كانت تنتقد الملك «لويس الرابع عشر» كانت تنشر بالفرنسية في أمستردام ثم تهرب إلى فرنسا.

هذه المسارات كلها اختيارات إنسانية بحتة تمت لتحقق مصالح أو هوى أطراف معينة، لكنها تطرح أسئلة جوهرية لاتقتصر على محتوى هذه التعاليم وأسباب الخلافات فقط، لماذا نحن كمجتمعات لها خصوصياتها الدينية والاجتماعية نلزم أنفسنا بأشياء لم نكن سبباً في حدوثها؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى