إقتصادالرئيسية

الليبيون والعيد.. عين في  الجيب والعقل في الراتب 

رصد عبدالسلام الفقهي

لا تكفى حيرة المواطن مصطفى في المأكل ومشتريات شهر الرحمن، لكنها وكما يعلق، سحب واستزاف متواصل لايتوقف، والذروة معروفة (ملابس العيد)، الأمر تحول من مجرد استطلاع إلى متاهة في عالم الازياء، ولكن بأسعار تبدو نجوم السماء أقرب إلينا منها.

يواصل مصطفى الذي يشتغل في أعمال مفتوحة بحسب الظروف والفرص، حديثه بالقول 🙁انت تركض والأسعار تزداد، تتعب وانت توازن وتقيس) والاشكال لا يتوقف عن وجود السعر المناسب فقط، بل بمدى أحقية ان يكون هذا الجاكيت او (البدلة العربية) تستحق هذا المبلغ، ولك أن تستمع إلى صاحب المحل أو الصالة وهو يحاججك عن معقولية أسعاره مقابل الآخرين.

قوة شرائية

توقف الحاج مصباح كثيرا وهو يدقق في فاتورة الملابس التي اشتراها من إحدى المولات قائلا لي عندما اقتربت منه متسائلًا اذا ما كان لديه أشكال في قراءة الأرقام ( الفلوس لين تكذب روحك، تقول السلام عليكم، تلقى مائة طايره، كيف ماتعرفش). والمقصد ان القوة الشرائية للدينار غير متوازنة مع غول الأسعار، وخاصة ملابس الأطفال، ولك أن تتخيل مدى ملائمة مرتب شهري لتوفير متطلبات أسرة مكونة من ثلاثة او اربعة أطفال إضافة إلى الاب والام. عدا ان الملابس ليست وحدها في موازنة الأسرة يضاف إليها الحلويات ولوازم الألعاب. ثم يختم الحاج ممازحا (نفخ النبايل إلى هازيين عليه في العيد، تبدي تحسب فيه بالنفس).

وإذا ما دخلنا في تفاصيل الرواتب الوظيفة كما يقول شادي الموظف بإحدى المصالح الحكومية فهي لاتكفي الا احتياجاته الضرورية فقط، فمبلغ الالف وخمسمائة وحتى الألفين قد يترائ من منظور عام انها كافية، لكن مع الدخول في معركة الملابس، تصبح بالكاد بل لاتكفي الا بقدر من التحايل والتقشف بمعنى انك تتنازل عن بعض الاشياء لتغطية نفقات ملابس بسعر كذا، أو أنك تتنازل عن احتياجاتك انت الخاصة في مقابل فرحة اطفالك.

يعني عين على الجيب، والثانية على الصغار. 

ذوق وماركات 

احد الشباب حدثني ان الامر تعدي كونه موضة او استعراض، الأمر تفرضه ضرورات التطور والتحول  لو رجعنا إلى  الثمانينات مثلا ستجد ان مظاهر العيد اللباسية لاتتعدي (البدلة العربية) للأطفال والشباب والشيوخ،وقس على ذلك في الجانب النسائي، وهو أيضا ليس اختيارك الخاص لكن هذا مايتواجد في السوق، وبأسعار تعتبر رمزية، في مقابل نحن اليوم نعيش طفرات كبيرة في الأذواق وموضة الاختيار، رب الأسرة ينظر إلى العيد كترمومتر يبدأ بالعشرة جنيه وينتهي إلى المجهول، لايمكننا إيقاف رغبة الأسرة في تملك او اقتناء ما يعرضه السوق، لكن هذه الأمور تحتاج إلى تنظيم من المؤسسات الرقابية، اذا يجب على الاقل مراقبة التفاوت في الأسعار من منطقة إلى أخرى ومن سلعة إلى ثانية.

بين سعرين 

يشتكي مواطن اخر من تفاوت الاسعار وهو ما قاده للخروج الى ضواحي العاصمة وقد يستغل زياراته الاجتماعية للتسوق من مدن الخمس ومصراته و زليتن , واضاف أن الامر لم يعد يرتبط بالمزاج , فهو كما يقول المثل العربي (مجبر أخاك لا بطل ) فللعيد طقوسه وسننه واحتفاؤه الذي يفرض نفسه , وان كنت مقصرا في حق نفسي فما ذنب الأولاد والزوجة, ايضا هذه رسالة الى المعنيين في وجوب متابعة توافقات الاسعار فمن الغريب أن فروع بعض الماركات مختلفة الاسعار بل ومتفاوتة الى حد كبير  .

وتضيف سيدة كانت تستمع الى حديثنا أن لديها ثلاثة أطفال احتارت اين تجد لهم ملابس مناسبة للعيد اولا , وكذلك الاسعار المتدرجة في صعود رهيب بين بداية شهر ر مضان ومنتصفه واخره , فالبدلة كما تقول والاشارة هنا الى ملابس الاطفال تفاجئنا بقفزات غير معقولة ففي بداية الشهر تجد الاسعار مثلا 150 او100 وتجدها بعد خمسة عشر يوما قد وصلت 200 دينار لتنتهي الرحلة القمرية الي محطة 250و300 دينار , ولا تفسير لذلك الا جشع التجار .

وتقول احدى الفتيات اللاتي يشرفنا على صالات الملابس : لا يمكن للمواطن وضع اللوم على صاحب المحل فهو ايضا يشتري الملابس بسعر السوق السوداء (نحن في هذه الصالة نعارك احتقان الزبائن وضغوط المضاربات في السوق وقلة الاقبال احيانا ). واضافت معلقة ان للزبون الحق في الاحتجاج على الاسعار ولكن امام اصحاب القرار وليس امامنا , عموما انا في النهاية مواطنة عادية ادرك تماما حاجيات الاسرة خصوصا في العيد وغيرها من المناسبات , القصة برمتها تحتاج الى خطة اقتصادية تنظيم هذه الفوضى  .

شباب وملابس 

في محلات الملابس الرجالية بمناطق ابوسليم وعرادة وجامع الصقع وغوط الشعال ستلاحظ فارق الاسعار ايضا بين البدلة والنوع وكذلك هويتها  , اذ لم تعد الصورة النمطية لهذه البدل موجودة في مخيلتنا لما جرى عليها من تعديلات افقدتها روح الانتماء الى خصوصيتها المحلية بحسب ما قاله فؤاد الشامخ الذي جاء يعاين كغيره من الشباب قائمة الاسعار , وكيف كان قبل سنتين يخاير بين عدة انواع من البدل برغم انها بحسب وصفه (هجين ) ساخرا : لا تعرفها صينية لا هندية لا عربية وفي النهاية يقولك خليجية من اسماء (الدفة , القمة , الاصيل وخوذ عندك الى ما شاء الله ). لكن اسعارها كانت في المتناول والمحير ان الدولار كان بتسعة دينار , والان بأربعة ونص ومؤشر الاسعار ماشي يتصاعد الى سقف الثلاثمائة والاربعمائة بدل الخمسة وثمانون والمائة .

يضيف شاب اخر ولا تنسى الاحذية ايضا لنقول ان مرتب الشهر يساوي بدلة وحذاء , لكن هل هذا كل شيء؟ يواصل : السنة الماضية والسنة الحالية بما يكون هناك نوعا من التوائم او التعايش او التحايل  او التكيف مع حاجيات العيد , بيد أن المسألة اذا ما استمرت على نفس الوتيرة ربما نضطر للتخلي عن الاحذية ثم البدلة , وممكن نتلحفوا الشجر ).

الى ساعات متأخرة من الليل اطفال ونساء ورجال يجوبون المحلات في سباق محموم والهدف (بدلة العيد  ) والتي يقول عنها الحاج عطية : (بصراحة احنى نبوها حمرا وجرايا وما تاكلش الشعير) واردف زمن القناعة ولى واندثر والحصول على كل شئ محال .  

جوقة الاسعار 

ومن جانب اخر , هل يمكننا النظر من زاوية اخرى في قاموس الاسعار , فما نحتاجه قبل تقليل الاسعار هو البحث عن فلسفة العيد المفقودة في داخلنا  , فالمعنى الروحي للشعائر السماوية وعباداتها اضحت منازلها بعيدة عن تصوراتنا التي غزتها المادة , حيث اختزل الصيام في الاكل وعيد الفطر في الملابس , وعيد الاضحى في الاضحية , لقد فرغت مضامين المناسبات وتحولت الى مهرجان للمزايدات , لذا من الطبيعي ان تجد ذلك الهوس في الزحام وتتبع الموديلات والماركات هذا النازع لا يمكن فصله عن موضوع الاسعار وصعودها الرهيب في مواسم الاعياد وغيرها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى