روايات مبتورة من تاريخ الاحتلال..
رغم أن الاحتلال الايطالي لليبيا دارت أحداثه على مشهد أكثر من أربعين مراسلاً صحفياً إلا أنه لم تروى سيرته كاملة وعادلة، هذا مادونه “فرانسيس ماكولا” أحد المراسلين الحربيين الذين عاصروا تلك الحقبة ويرجعها إلى سببين حسب شهادته أولهما الرقابة الايطالية الرسمية على الأخبار، والثانية الرقابة غير الرسمية من الإيطاليين الذين يؤيدون تلك الحرب.
في كتابه (حرب ايطاليا من أجل الصحراء- مشاهدات المراسل الحربي البريطاني مع الايطاليين في طرابلس)، رواية تاريخية بأسلوب مغاير للعادة ضمن وثائق سجلها الصحفي ماكولا وهو أحد أشهر المراسلين الصحفيين الحربيين، يُششهد له بدقة النقل في تغطية أخبار الحرب العالمية الثانية دون تحيز أو مغالاة، جمع كل مادونه الصحفيين حول احتلال طرابلس وتناوله بالتحليل والتعليق، حول ما اقترفته ايطاليا من جرائم في ليبيا، وقد سفه أعمالهم في ليبيا وأسماهم (برابرة روما)، لتتبع كتاباته موجة من المقالات والأعمدة في الصحف الأوروبية والأمريكية تندد بتلك الجرائم، ومن أبرزها ماعرف بمذابح شارع الشط والمنشية.
كانت الرواية الأولى عن وقائع تلك لمعركة هي التي أجبر الصحفيون على الاعتماد عليها وهي رواية معالجة رسمياً ولاتتحدث مطلقا عن اقتحام 250 من الليبيين البواسل لخط الدفاع الإيطالي وكان هذا أهم حدث في المعركة، بدلاً من ذلك أخذت رواية موزاية تتحدث عن استيلاء أحد الجنود الايطاليين على علم تركي وهو أمر لم يحدث بالمرة، وكان هذا العلم قد عُثر عليه بعد المعركة تحت كومة جثث الضحايا الليبيين أمام الخنادق الايطالية.
يصف ماكولا حرب احتلال طرابلس بأنها نزاع صحفي، كانت ايطاليا توزع النشرات الرسمية عبر وكالاتها بالخصوص، كما استولى الايطاليون على خط البرق الوحيد الموجود في طرابلس تحت ذريعة أنهم يحتاجون إليه في الأعمال الرسمية!، ولم يُسمح حتى للمؤسسات التجارية باستعمال أي شفرة أو أية لغة واضحة برقياً خوفا من أن تنقل بطريق غير مباشر للقائد التركي في الداخل الحالة السيئة التي وصلت إليها القوات الايطالية التي نزلت في طرابلس، وصدر قرار بأن ترسل كل البرقيات شخصية كانت أو صحفية إلى روما لتمر على الرقابة هناك مرة أخرى.
لم يقتصر الأمر على التحكم في تدفق المعلومات وبتر الحقيقة بل تعرض “ماكولا” للتهديد بالقتل أثناء شروعه في كتابة مُسودة هذا الكتاب!.