رأي

رغيف المثقف

هاشم شليق

محطة

المدينة‭ ‬الفاضلة‭ ‬والرؤية‭ ‬الحالمة‭ ‬عند‭ ‬المثقف‭ ‬أثبتت‭ ‬الأيام‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعطي‭ ‬حلولاً‭ ‬واقعية‭ ‬لأزمات‭ ‬المجتمعات‭..‬كما‭ ‬انتهى‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬الاستعلاء‭..‬ويعد‭ ‬نفسه‭ ‬وصيًا‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭..‬ويظل‭ ‬يعيش‭ ‬مرتديًا‭ ‬قبعة‭ ‬العُزلة‭..‬منفصلاً‭ ‬عن‭ ‬واقعه‭.. ‬ومستخدمًا‭ ‬مصطلحات‭ ‬لا‭ ‬يفهمها‭ ‬العموم‭..‬ليبقى‭ ‬خطابه‭ ‬غير‭ ‬مؤثر‭ .. ‬ولا‭ ‬يشكل‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭..‬فالثقافة‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬فن‭ ‬ملامسة‭ ‬الواقع‭ .. ‬والاقتراب‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬من‭ ‬أسئلة‭ ‬النَّاس‭ ‬الملحة‭..‬

اليوم‭ ‬تم‭ ‬تعميم‭ ‬ثقافة‭ ‬العولمة‭..‬فالحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬حائلاً‭ ‬أمام‭ ‬انسياب‭ ‬الثقافات‭ ‬شئنا‭ ‬أم‭ ‬أبينا‭..‬بدءًا‭ ‬من‭ )‬البيتزا‭ ‬الإيطالية‭ ‬إلى‭ ‬أزياء‭ ‬كوكو‭ ‬شانيل‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬ادخلت‭ ‬البنطلون‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬أزياء‭ ‬السيدات‭ ‬إلى‭ ‬صناعة‭ ‬الترفيه‭ ‬الأمريكية‭(..‬كما‭ ‬جلبتْ‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬بدورها‭ ‬ثقافات‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬لتؤثر‭ ‬على‭ ‬سلوكياتهم‭ ‬واتجاهاتهم‭ ‬وميولهم‭..‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يلزم‭ ‬الكم‭ ‬المعرفي‭ ‬المتدفق‭ ‬المثقف‭ ‬على‭ ‬الاجتهاد‭ ‬لمواكبة‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬الفكري‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التكيف‭..‬

لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نعترف‭ ‬بوجود‭ ‬عولمة‭ ‬الهيمنة‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬لتكون‭ ‬عملية‭ ‬تحكم‭ ‬وسيطرة‭..‬فهناك‭ ‬معايشات‭ ‬لاختزال‭ ‬ثقافات‭ ‬الشعوب‭ ‬مست‭ ‬حتى‭ ‬الهوية‭..‬سببها‭ ‬الترابط‭ ‬المتزايد‭ ‬لاقتصاديات‭ ‬العالم‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬التجارة‭ ‬في‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬وتدفقات‭ ‬الاستثمار‭ ‬والأشخاص‭ ‬والمعلومات‭..‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬ظهور‭ ‬‮«‬مثقف‭ ‬الإنترنت‮»‬‭ ‬على‭ ‬السطح‭..‬ليتحول‭ ‬إلى‭ ‬مثقف‭ ‬الشارع‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬ملمًا‭ ‬بكل‭ ‬شاردة‭ ‬وواردة‭..‬ويمكنه‭ ‬جدال‭ ‬الغير‭ ‬وتحليل‭ ‬مختلف‭ ‬الشؤون‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬مقهى،‭ ‬أو‭ ‬مقعد‭ ‬سيارة‭..‬

واليوم‭ ‬الدور‭ ‬الجديد‭ ‬للمثقف‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتأخر‭ ‬عن‭ ‬الركب‭ ‬هو‭ ‬تفعيل‭ ‬علاقته‭ ‬بالتنمية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الصعوبات‭ ‬الحياتية‭.. ‬لأن‭ ‬وقوف‭ ‬النخبة‭ ‬على‭ ‬شرفة‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬الأنا‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مجدية‭ ‬ولا‭ ‬تغني‭ ‬ولا‭ ‬تسمن‭ ‬من‭ ‬جوع‭..‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬يصبح‭ ‬مثقف‭ ‬الأمس‭ ‬نصف‭ ‬مثقف‭ ‬اليوم‭..‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يحسن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التغييرات‭ ‬والمستجدات‭ ‬التي‭ ‬حوله‭..‬ولا‭ ‬يربط‭ ‬هموم‭ ‬الوطن‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬المقابلة‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬نهرها‭ ‬أمام‭ ‬عتبة‭ ‬بيته‭..‬وإلا‭ ‬أصبح‭ ‬المثقف‭ ‬نفسه‭ ‬إشكالية‭ ‬عوضًا‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬ملاذًا‭..‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬مثقفًا‭ ‬خاملاً‭ ‬ومنكمشًا‭ ‬وعاجزًا‭ ‬عن‭ ‬النتاج‭..‬وبلورة‭ ‬حلول‭ ‬تراعي‭ ‬خصوصية‭ ‬مجتمعه‭ ‬وتراثه‭..‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬صعبًا‭ ‬ولكن‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ليس‭ ‬مستحيلاً‭..‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬أن‭ ‬استفاد‭ ‬من‭ ‬الآخر‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬انتقاصًا‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬المجتمع‭..‬فالأمر‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬المثقف‭ ‬التشخيص‭ ‬الدقيق‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬الطبقية‭..‬دون‭ ‬ارتداء‭ ‬طاقية‭ ‬الإخفاء‭ ‬ليطرح‭ ‬مع‭ ‬الكل‭ ‬السؤال‭ ‬المُلح‭ ‬أين‭ ‬الرغيف‭.‬؟‭!.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى