رأي

أمين مازن يكتب.. ليالي المدينة وسؤال المحتوى

 

حظي مشروع المدينة القديمة التابع لبلدية طرابلس برعاية رسمية لافتتاح الموسم السنوي الذي كثيرًا ما تزامن مع حلول هذا الشهر الفضيل منذ أن قُدِّرَ للمشروع أن ينبعث في ثمانينيات القرن الماضي عقب الحملة التي استهدفت المعارضين للنظام، عندما حاولوا أن يتخذوا من الخارج فضاءً لتحركهم فأصرت السلطة على ملاحقتهم، فانعكست ردود الأفعال على حياة النَّاس، فكان انبعاث المشروع وما رافقه من الترفيه الفني و الحوار الثقافي، ما أعاد شيئًا من الاطمئنان وخفَّف من مشاعر الكآبة التي كادت أن تصادر في النَّاس كل أمل جميل، خاصة وأن المشروع قد تضمن فتح الدور والمحال التي هجرها النَّاس، ولئن كانت الضجة الإعلامية قد صورت الحدث وكأنه ليس استمرارًا للماضي كما أن خليقة الجحود التي طالما سلكها بعضنا قد صرفت النظر عن الكثير من المحاولات الرائدة التي تصدت لبعض السلبيات التي سيطرت في الحقبة الماضية، بما أقيم تطوعًا من محاضرات وندوات بدار الفقيه حسن ومثلها دار نويجي، في غياب كامل للرعاية الرسمية وتنزه واضح و مشرِّف عن أي اصطفاف هدام، وإذا كانت بعض المراسم التي حرص بعض المثقفين الجامعين بين الكلمة والريشة قد مثلت حضورًا مميزًا ومقاومة مشرفة لكل مؤامرات الصمت وثقافات الغنيمة والتمكين والمحاصصة الرامية إلى اختيار الإمعات وشركاء «البزنس»، وليس المعبر عن الحد الأدنى من الصدقية والتمثيل الصحيح، فإن ما يذكرنا بأعلام تألقوا في التاريخ الحديث كانوا منطلقين من المدينة القديمة على الرغم من قدومهم، أو قدوم أهلهم من أكثر من جهة قريبة أو بعيدة، أولئك الذين اشتهروا جميعًا بالعفة قولًا وعملًا ممن لم يستنكفوا احتقار كل من تظهر عليه علامة من علامات الوصولية، عندما كان أمثال إبراهيم المقدود، وبشير رمضان وصالح عمار، والهاشمي بوخلال، وإدريس الشغيوي وغيرهم ممن حواهم أكثر من ميدان إن يكن العمل السياسي الوطني أبرزه قبل الاستقلال فإن النزوح نحو الرفض أبرز علاماته، أذكر على الصعيد الشخصي من قدمتهم في موسم إذاعي مسموع بإذاعة طرابلس المحلية منذ سنوات أطلقت عليه ذاكرة طرابلس، بطريقة لم تكن تهدف للانكفاء وإنما للوطن في عمومه، وذلك هو الفرق بين من يسعى لتوسيع الدائرة ومن يصر على تضييقها، ومن يصر على أن تكون تظاهرة المدينة للثقافة الوطنية والوحدة الحقيقية، وفي تنزه عن حسابات البقالين والعلاقات العامة وخبراء التلون، وليرحم الله الفنان والكاتب رضوان بوشويشة صاحب المرسم الذي خلد المدينة ومثله أحمد الحريري وسلام قدري، وحويل، الذين خلدوا المدينة القديمة بفنهم وتعاليهم

عن الاحتفالات التي لا يزيدها الحضور الرسمي سوى الخلو من أي محتوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى