كنا نسير تحت المطر. مطر خفيف عامودي، كنتُ أحبُ، وأتعمد، أن أسير تحته. أنتِ لا تحبين السير تحت المطر، لكن لم يكن ثمة مكانٌ قريب يلائم لجوءنا إليه.
)قالت ليَّ صديقة بعد ذلك، أن النساء يتجنبن السير تحت المطر، لأنه يفسد شعرهن ويفضحه!. هكذا قالت(. لكن أعتقد أنه لديك، حينها، شيء من الحب للمطر لسبب مرتبط بي. فاجأنا المطرُ مرة بعد المغرب، فاقترحتُِ اللجوء إلى مدخل إحدى العمارات. استندنا إلى الحائط متلاصقين. وضعت رأسك على كتفي. كنت استشعر الرغبة تسري في جسدك مثلما يسري النسغ في النبات وتتوهج في روحك.
أنا أيضًا كانت بي رغبة.)لستُ أدري هل استشعرتِها أم لا(. لكنَّني لم أكن من النَّوع المغامر. المكان غير آمن «ولم يتوفر لنا، أبدًا، مكان آمن(. مرة أخرى، نزلتْ بضع قطرات من المطر ونحن في الشارع. قلتِ تحدثين نفسك بصوت أردتِ أن أسمعه:
- مطرٌ !. ليته يهطل بقوة!
كنا نسير تحت المطر، وكانت بيننا فترة وقتها. كنا نسير صامتين غير واثقين في قدرة علاقتنا على التعافي التام والاستمرار. كنتِ تسيرين مطأطئة. كثيرًا ما كنت تفعلين ذلك ونحن نسير معًا. سألتك مرة عن السبب. أجبتِ:
- لأن العيون تفضح المشاعر !
لم أعلق. لم أسألك عن طبيعة مشاعرك نحوي لحظتها. ولم أعد إلى سؤالك مرة أخرى. هذه طبيعتي، عدم الإلحاح. لكنَّني هجستُ فورًا بأن علاقتنا سائرة نحو الانفصام.
كان المطر مستمرًا في الهطول، وانتبهتُ فجأة إلى أنني تقدمتُ عليك بضع خطوات. التفتُّ. وجدتك واقفة. سألتك بجفاف )أعترف(:
- هل ستأتين؟! – لا أدري.. قلتُ في نفسي: حانت اللحظة، إذن. لقد اتخذت قرار الانفصال ورأت لحظتها أن يصلني قرارها رطبًا. ومن العبث محاولة إثنائها عن ذلك.. لم أكن حينها أعرف بيت المتنبي القائل:
إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا
أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ
لكنَّني قلتُ لكِ:
بحزم وجفاف قاطعين:
- عندما تعلمين أخبريني. مع السلامة.
وشرعت في قطع الطريق والمطر يهطل. لم تستوقفيني. لم تناديني. وكنتُ أتمنى أن تفعلي «أعترف».