الرئيسيةمتابعات

الموت عطشاً.. مأساة عائلة سودانية في الصحراء الليبية

 

كتب / معمر سلاّم

هذه قصة أكثر من عشرين إنسان تجرأوا على صحراء أغوتهم بهدوئها المخادع وسلامها الغادر، فما لبثوا أن فتكت بهم حتى إذا افترشوا رمالها ؛ فكانت لهم قبورا ليستمر مسلسل هلاك التائهين في كثبانها الرملية التي تستدرجهم بنعومتها الذهبية ، وعلى الرغم من سعتها إلا أن صدرها يضيق أحيانا بالعابرين بها فتتلاعب بهم فتنهار قواهم ومعنوياتهم في البحث عن جرعة حياة أو ما يسد الرمق في أرض قاحلة فيرون الموت متربص أين ما التفتوا ولا وجود لمعلم أو مكان يمكن اللجوء إليه فيستسلمون في حربهم مع هذه القاتلة الماكرة فتصفعهم بلهيبها وغبارها فيسقطون صرعى واحدا تلو الآخر فتتولي الرياح مهمة دفنهم بدم بارد دون أن تترك لهم أثرا سوى جزء من ثوب أو طرف من جثة كشفته لفحات رياح (القبلي) القاسية.

بسبب الكورونا سلك الضحايا طريق البر

طريق الهلاك تبدأ بخطوة غير مدروسة

افترشوا رمالها فكانت قبورا لهم

وصية شاهدة

على الساعات الأخيرة

«اعملو لينا سبيل موته هنا»

 

رحلة الموت ….

هذا ما حدث مع ركاب السيارة المنكوبة التي تعطلت بهم في بحر من متلاطم من الرمال وهي تحمل عددا من الركاب يفوق استيعابها وكانت الحادثة على 400 كيلو مترا جنوب شرق مدينة الكفرة أثناء عودتهم من السودان ، وكان سبب عدولهم عن الطريق المعبد واتخاذهم هذا القرار المحفوف بالمخاطر؛ هو اندلاع اشتباكات مسلحة على مسافة غير بعيدة من نفس الطريق الذي يسلكونه ففروا إلى الصحراء وقد ظنو أنهم يفرون من الموت فإذا بهم يلاقونه ويقعون في شباكه .

ليست الاولى

هذه الواقعة ليست بالأولى ولن تكون الأخيرة مادام هناك من يتجرأ على اقتحام أوكار المخاطر ضاربا أي حسابات صحيحة أو معايير للنجاة بعرض الحائط فإذا به يجد هذه الناعمة الهادئة تتحول إلى (غولة) شرسة مرعبة تتلاعب بأرواح عابريها محاولة سلبهم حياتهم إلا أن يشاء الله فيجعل في العمر بقية ولما كان أمر الله قدرا مقدورا حل الأجل وفاضت نفوس أبطال قصتنا إلى باريها في صمت مطبق ورعب تنخلع له القلوب!! .

رفات كتب لها الظهور ، ولو بعد حين .

وبعد مضي ستة أشهر على الحادثة أعلنت نيابة الكفرة الابتدائية أنه تم العثور على جثث ثمانية منهم والسيارة ومقتنياتهم ومن بينها وصية مؤثرة كتبت فيها مزنة سيف الدين سودانية الجنسية (إلى من يجد هذه الورقة هذا رقم أخي محمد سيف الدين ثم كتبت بعده أستودعكم الله وسامحوني أني لم أوصل أمي إليكم بابا وناصر بحبكم أدعو لينا بالرحمة واهدولنا قرآن واعملو لينا سبيل موته هنا) وكانت هذه القصة وملابساتها مما سبب في إشعال مواقع التواصل الاجتماعي ألما ، وحزنا فلقد كان بين الضحايا أطفالا ونساءا منهم أربعة من أفراد عائلة واحدة وهم أم واخت وزوجة محمد دافنشي كاتب وممثل ستاندب كوميدي سوداني الأصل من مواليد ليبيا نشأ في مدينة بنغازي واستقر مؤخرا في مدينة طرابلس رحمهم الله جميعا .

الارتباك رفيق اللحظات الأخيرة

حقا إنها معانات ما بعدها معانات أن يرى الإنسان موته وموت أحبته يقترب شيئا فشيئا ولا يجد لنفسه ولا لهم حولا ولا قوة إنه شعور مؤلم بكل المقاييس ولعل مسرح الحدث يوحي بما مر به الضحايا في أيامهم الأخيرة فقد كان القلق والحيرة والارتباك سيد الموقف ومما يؤكد ذلك تعليقات خبراء محليون صادقوا الصحراء  ، وألفو دروبها وأكتسبوا خبرة في التعامل مع مثل هذه الضروف الصعبة وكان مما لاحظوه أن مقتناياهم و ملابسهم كما هي ولم يحاولو صنع خيمة كبيرة بربط بعضها إلى بعض لتقيهم من حر الشمس اللافح في نهارا وبرودة الصحراء القاسية ليلا وكذلك نبه الخبراء ان إطارات السيارة بقيت كما هي وكذلك الأجزاء القابلة للاشتعال ولم يحاولو إشعالها ليلا لعل بعض الباحثين أو المارة يراهم لاسيما وأن النار في ليل الصحراء الحالك ترى من على بعد مسافات بعيدة وكذلك مبرد المحرك بقي كما هو واحتفظ بكمية المياه التي بداخله وفي مثل هذه الظروف قد يضطر الإنسان للشرب منه حفاظا على حياته لكسب أطول فترة ممكنة من الحياة.

العثور على المزيد من الجثث ...

وبعد أيام من العثور على الجثث الثمانية الأولى أفاد جهاز الإسعاف والطوارئ بمدينة الكُفـرة  أن فريقه المكلف  بمتابعة البحث عاد برفقة النيابة العامة وكتيبة سبل السلام بعد قضاء 3 أيام بالصحراء الكبرى في مهمة التفتيش عن بقية المفقودين بالسيارة المنكوبة وبعد الوصول إلى الموقع مباشرة تمت أعمال الحفر بجوانب السيارة  ثم انتقل البحث إلى تمشيط المنطقة الصحراوية المحيطة بالموقع ليومين متتاليين برغم الأحوال  الجوية الصعبة نتيجة العواصف الرملية حتى تمكنوا في ثالث يوم من العثور على جثث لعائلتين مكونتين من 4نساء و4 أطفال في مشاهد تتقطع لها القلوب حيث وجدنا جثث لأطفال ملقاة بوسط الصحراء وقد فاروقوا الحياة وقد تشبثوا بأحضان أمهاتهم ليصل إجمالي الحالات المنتشلة إلى16 حالة  ولازال هناك عدد 5 حالات اخرى لازالت مفقودة حسب ما أفاد اقاربهم وكما أكدت النيابة وهذه أسماؤهم

‎1 – نادر زكريا وزوجته غيداء عبد الرحمن

‎2 – الحاجة  نفيسة وابنتيها مرام وسلا

‎3 – حواء وشقيقها عبد الله ادم

‎4 – نضال وابنتيها ملاك وملاذ

‎5 – غادة عبد الرحمن وطفلتها

‎6 – سجود وطفلها الطيب أمجد

والد مزنه يروي تفاصيل ما حدث لعائلته : –

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وفي تقرير نشرته قناة (الجزيرة) عبر موقعها الالكتروني حول الحادثة انفردت فيه بلقاء مع والد مزنه  وقريب أحد الضحايا الآخرين ، وكان من أبرز ما جاء فيه أبرز ما جاء فيه :- ‎فشلت الأسرة في العودة  من السودان عبر الطيران بسبب جائحة كورونا، عندما قدمت الأسرة للسودان قدمت عن طريق الطيران من بنغازي إلي  تونس إلى جده ومنها إلى الخرطوم  حيت قضوا شهرين في السودان وإثناء عودتهم  قرروا العودة على نفس المسار ، لكن في تونس أرجعوهم بسبب جاحة كورونا .

‎وهنا قرروا العودة عن طريق البر فتحركت العائلة  من مدنية  الفاشر في 22 أغسطس 2020 ومنها إلى مدينة  المالحة بغية الوصول إلى مدينة الكفرة الليبية .

‎وعندما وصلوا  لمدينة مليط السودانية فقدنا الاتصال بهم ،  وقمنا هنا بابلاغ السلطات  الليبية والسودانية بما جرى .

‎الجهات المعنية في  الكفرة أرسلت قوة عسكرية للبحث لكن دون أن تتوصل لشئ وبعد 6 أشهر وصلنا نبأ حزين  مفاده أن السلطات الليبية عثرت السيارة، المنكوبة وبجانبها الجثث في منظر يملؤه الألم.

‎ابن عم احدى الضحايا انتقد  صمت السلطات السودانية حيت قال : إن السفارة لم تتعاون معهم حتى الآن .

بئر مزنه ..

وصية  شاهدة على الساعات الأخيرة فهل يظل صداها يتردد حتى تتحقق؟

ربما تكون الإجابة عن هذا السؤل ما  تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي هشتاق  # بئر_مزنه  فقد بدأت بالفعل مجموعة من النشطاء الليبيين والسودانيين ومن مختلف دول العالم حملة تبرعات لتنفيذ وصية الفتاة « مزنة » ، فقد ناشدوا السلطات الليبية بالسماح لهم بفتح حساب بنكي يحمل أسم (بئر مزنة) لجمع الأموال فيه ومن ثم إنشاء البئر .

ومن المتداول انه سيتم حفر البئر في موقع السيارة التي توفيت فيه الأسرة ووجدت بداخلها الوصية .

ورغم فداحة هذه الحادثة وكل ما أحاط بها من مشاعر الألم والحزن فليس لنا إلا أن نسلم بقضاء الله وقدره هكذا كانت مشيئته الله لامرد لحكمه ولا معقب لأمره ولكن ذلك لا ينافي أن تكون هناك تدابير ووسائل من قبل المواطن نفسه وتقابلها كذالك إجراءات تتخذ من قبل هذه الدول أم باتت الصراعات والنزاعات والتقاتل هو سيد الموقف فينتج عنه إهمال توفير سبل تأمين المواطن وحمايته ولن يعدموا سبيلا وطريقة لذلك لو كانت النيات صادقة والعزيمة ماضية  ويبقى السؤال المطروح إلى متى ستسمر حلقات هذا المسلسل المؤلم؟ فنرى ونسمع بين الحين والآخر حلقة مؤلمة في ظل عوامل طبيعية لا مناص من التعامل معها ومن هذه العوامل أن الصحراء مكون رئيس من مكونات طبيعة بلادنا الجغرافية وهي كذلك تشكل حزاما حدوديا مع عدة دول قد يحتاج الإنسان للذهاب إليها برا تحت عدة ظروف قد لا تكون في حسبانه وقد يضطر كذلك لترك الطريق المعبد نتيجة الحروب والمواجهات لا سيما القبلية منها و التي تتكرر بين الحين والآخر في هذه المناطق فهل نلقى باللائمة فقط على المواطن فتصبح الحكومات بمعزل عن اللوم بل قد تكون حصتها من اللوم وتحمل المسؤولية هي الحصة الأكبر ونحن نراها تنفق أموالا طائلة في أمور ضررها أكبر من نفعها ولو كانت النيات صادقة في تذليل الصعاب والحرص على المواطن لاحتذوا حذو الدول التي نتشابه معها في سعة المساحة ووعورة التضاريس فقد باتت تضع حلولا لمثل هذه الصعوبات كاستخدام الطيران العمودي وإن حل محله الآن الطيران المسير لمحدودية وقود الطيران العمودي مما يقلل من ساعات تحليقه بينما نجد الطيران المسير أقل كلفة وأكثر قدرة على التحليق فقد تصل مدة تحليه إلى 36 ساعة ودقة راداراته التي ترصد الأهداف من مسافات طويلة لا أظن أن هذه حلولا مستحيلة أو أن الإمكانات في بلدنا والبلدان المجاورة من دول العالم الثالث لا تتيح لنا استخدامها في قابل الأيام فإلى متى سيظل مواطنوا دولنا لايجدون من يشعر بآلامهم ويسعى لتذليل الصعاب أمامهم ، فهل تعي حكومات دولنا المسؤولية الملقاة على عاتقهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى