إقتصادالرئيسية

شح السيولة وفوبيا الـ(50) ثنائية المصـــــائب في دولة البترول

تحقيق/ نجاح مصدق

مرَّ‭ ‬الليبيون‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬2024‭ ‬ولازال‭ ‬بأزماتٍ‭ ‬مالية،‭ ‬وظروف‭ ‬اقتصادية‭ ‬أثرتْ‭ ‬على‭ ‬معيشتهم،‭ ‬وصعّبتْ‭ ‬عليهم‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬وتأمين‭ ‬الاحتياجات‭.‬

فقد‭ ‬شهد‭ ‬الدينار‭ ‬الليبي‭ ‬انخفاضًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬حيث‭ ‬سجل‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭ ‬الرسمي‭ ‬4‭.‬8‭ ‬دينار‭ ‬للدولار،‭ ‬وسعر‭ ‬الصرف‭ ‬المشمول‭ ‬بالضريبة‭ ‬بـ6‭.‬15‭ ‬دينار‭ ‬للدولار‭ ‬وفي‭ ‬بينما‭ ‬فاق؛‭ ‬فالسوق‭ ‬الموازي‭ ‬7‭ ‬دينارات‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬شحٌ‭ ‬للسيولة‭ ‬في‭ ‬المصارف‭ ‬أجبرتْ‭ ‬الليبيين‭ ‬على‭ ‬بيع‭ ‬مدخراتهم‭ ‬وما‭ ‬خبأوه‭ ‬للأزمات‭  ‬فأطر‭ ‬أغلبهم‭ ‬لحرق‭ ‬شيكات‭ ‬مقابل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬سيولة‭ ‬نقدية،‭ ‬وإن‭ ‬كبدهم‭ ‬ذلك‭ ‬استغلال‭ ‬وخسارة‭ ‬بينة‭.‬

اقتصاد‭ ‬خفي

تقول‭ ‬ليلى‭ ‬دغمان‭ ..‬‭ ‬وجدناها‭ ‬خارجة‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬محال‭ ‬الصرافة‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تملك‭ ‬ما‭ ‬تصرف‭ ‬على‭ ‬أولادها،‭ ‬وهي‭ ‬أرملة‭ ‬تعول‭ ‬أسرة‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أفراد‭ .. ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬حرق‭ ‬شيك‭ ‬كل‭ ‬نهاية‭ ‬شهر،‭ ‬أو‭ ‬ايداعه‭ ‬عند‭ ‬صاحب‭ ‬محل‭ ‬الصرافة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬نقد‭ ‬في‭ ‬يديها‭ ‬بالدينار‭ ‬الليبي‭ ‬أو‭ ‬بالعُملة‭ ‬الصعبة؛‭ ‬فالبداية‭ ‬كانت‭ ‬تخسر‭ ‬على‭ ‬الألف‭ ‬‮«‬ستون‮»‬‭ ‬دينارًا‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فقد‭ ‬وصلت‭ ‬المئة‭ ‬دينار‭ ‬على‭ ‬الألف‭ .‬

أحمد‭ ‬العيسى‭ ‬كان‭ ‬يحرق‭ ‬دولارات‭ ‬ليحصل‭ ‬على‭ ‬الدينار‭ ‬الليبي‭ ‬وجدناه‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬‮«‬النافورة‮»‬‭ ‬أبوسليم‭ ‬حدثنا‭ ‬بأنه‭ ‬مقيم‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الليبي‭ ‬إن‭ ‬شح‭ ‬السيولة‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬آلات‭ ‬سحب‭ ‬تؤمن‭ ‬النقد‭ ‬الكاش‭ ‬اضطره‭ ‬إلى‭ ‬بيع‭ ‬بيت‭ ‬الوالد‭ ‬وإقتسام‭ ‬الإرث‭ ‬مع‭ ‬إخوته‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬واعتمد‭ ‬على‭ ‬حرق‭ ‬مالدي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬سيولة‭ ‬بالدينار‭ ‬لأنه‭ ‬حوَّل‭ ‬صافي‭ ‬قيمته‭ ‬إلى‭ ‬دولار‭ ‬ولم‭ ‬يودعها‭ ‬في‭ ‬حسابه‭ ‬وعندما‭ ‬سألناه‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يودعها؟‭!‬؛‭ ‬قال‭ ‬لاثقة‭ ‬ليَّ‭ ‬في‭ ‬المصرف‭ ‬ولا‭ ‬اضمن‭ ‬توفر‭ ‬السيولة‭ ‬متى‭ ‬احتجت‭ ‬والقيمة‭ ‬التي‭ ‬أريد‭.‬

حلال‭ ‬وحرام‭ ‬

لقد‭ ‬انتشرتْ‭ ‬ظاهرة‭ ‬حرق‭ ‬الشيكات،‭ ‬والعُملة‭ ‬بين‭ ‬أغلب‭ ‬الليبيين،‭ ‬واوعز‭ ‬البعض‭ ‬اللجوء‭ ‬لها‭ ‬لعامل‭ ‬الاضطراري‭ ‬للعلم‭ ‬بأنها‭ ‬تحمل‭ ‬شبهة‭ ‬وتحريمًا‭. ‬

الشيخ‭ ‬عصام‭ ‬الحمري‭ .. ‬في‭ ‬توضيح‭ ‬له‭  ‬يقول‭ : ‬بإن‭ ‬حرق‭ ‬الشيكات‭ ‬مقابل‭ ‬مبلغ‭ ‬مالي‭ ‬يبخس‭ ‬حق‭ ‬صاحب‭ ‬الشيك‭ ‬أو‭ ‬البطاقة‭ ‬ربا‭ ‬محضة،‭ ‬وإن‭ ‬‮«‬دار‭ ‬الإفتاء‮»‬‭ ‬حرمتْ‭ ‬هذا‭ ‬السلوك،‭ ‬وابروأوا‭ ‬ذمتهم‭ ‬مما‭ ‬يفعله‭ ‬السماسرة‭ ‬والمرابون‭ ‬الذين‭ ‬يستغلون‭ ‬حاجة‭ ‬النَّاس‭.‬

ورغم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬شبهة،‭ ‬وتحريم‭ ‬ظل‭ ‬أغلب‭ ‬الليبيين‭ ‬يجرون‭ ‬وراء‭ ‬النقد‭ ‬الكاش،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬محال‭ ‬الذهب‭ ‬ومكاتب‭ ‬الصرافة‭ ‬حركةً‭ ‬ملحوظة،‭ ‬وازدحامًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬والعيد

مكاتب‭ ‬صرافة‭ .. ‬تجار‭ ‬الذهب‭ ‬

عبدالعظيم‭ .. ‬صاحب‭ ‬مكتب‭ ‬صرافة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬المشير‭ ‬يستقبل‭ ‬الزبائن‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة،‭ ‬ويقوم‭ ‬بحرق‭ ‬شيكات‭ ‬وبطاقات،‭ ‬ويعمل‭ ‬عل‭ ‬تحويل‭ ‬العُملة‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬سألناه‭ ‬على‭ ‬القيمة‭ ‬التي‭ ‬يخصمها‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬عملية‭ ‬حرق‭ ‬اجاب‭ :‬

بأنه‭ ‬لا‭ ‬دخل‭ ‬له‭ ‬فيها‭ ‬أنا‭ ‬صاحب‭ ‬مكتب‭ ‬واعمل‭ ‬في‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬ويحكمني‭ ‬سوق،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬اضارب‭ ‬على‭ ‬أصحاب‭ ‬المحال‭ ‬ومكاتب‭ ‬الصرافة‭ ‬بأقل‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬اسألوا‭ ‬المصارف‭. ‬

لم‭ ‬يمنحنا‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬وقته،‭ ‬وتحجج‭ ‬بأن‭ ‬لديه‭ ‬ارتباط‭ ‬وخرج‭ ‬مسرعًا‭.‬

سألنا‭ ‬سعيد‭ ‬محمد‭ ‬صاحب‭ ‬محل‭ ‬ذهب‭ ‬فقال‭ :‬

أغلب‭ ‬الناس‭ ‬تصرف‭ ‬ذهب‭ ‬ولا‭ ‬تشتري‭ ‬لارتفاع‭ ‬سعره‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬ارتفاع‭ ‬سعر‭ ‬الدولار‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬على‭ ‬عملة‭ ‬ليخزن‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يصرف‭ ‬منها‭ ‬السوق‭ ‬مرتفع‭ ‬وأنا‭ ‬تاجر‭ ‬ولا‭ ‬اطمن،‭ ‬وضع‭ ‬البلاد‭ ‬ولا‭ ‬أضع‭ ‬نقودي‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬المصارف‭.‬

غسيل‭ ‬أموال

المواطن‭ ‬رمضان‭ ‬كبار‭ ‬يقول‭ :‬

ضعفاء‭ ‬النفوس‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬المصارف‭ ‬هم‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭..‬

الدولة‭ ‬تصدر‭ ‬السيولة‭ ‬إلى‭ ‬مصارف‭ ‬ليبيا‭ ‬بالكامل‭ ‬بشكل‭ ‬متواصل‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات‭ ‬لا‭ ‬تنشر‭ ‬المصارف‭ ‬خبر‭ ‬وصولها

وأنَّ‭ ‬هناك‭ ‬أشخاصًا‭ ‬تابعين‭ ‬للمصارف‭ ‬يقومون‭ ‬بتسويقها‭ ‬إلى‭ ‬مكاتب‭ ‬الصرافة‭ ‬بمقابل‭ ‬مادي‭ ‬يعد‭ ‬محرمًا‭.‬

مثال‭ ‬الـ‭ ‬1000دينار‭ ‬مقابل‭ ‬20‭ – ‬30‭ ‬دينارًا‭ ‬يصرفة‭ ‬لصحاب‭ ‬مكتب‭ ‬الصرافة‭ ‬الحرق‭ .‬

تاجر‭ ‬الصرافة‭ ‬يبيع‭ ‬للمواطن‭ ‬الـ‭ ‬1000‭ ‬بمقابل‭ ‬80‭ ‬دينارًا‭ ‬وأكثر‭ ‬وهكذا‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬مباشرة‭ ‬مغلقة‭ ‬ضبابية‭ ‬غير‭ ‬مرئية‭ ‬للمواطن‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬الدولة‭ ‬ترسل‭ ‬السيولة‭ ‬بكميات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬مرتبات،‭ ‬ومن‭ ‬المفروض‭ ‬تكون‭ ‬السيولة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬موجودة‭ ‬لأسبوعين‭ ‬ولكن‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬السيولة‭ ‬قد‭ ‬نفذت‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أسبوع‭ !!‬،‭ ‬علاوة‭ ‬عن‭ ‬الصفقات‭ ‬المشبوهة‭ ‬وتدوير‭ ‬العُملة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬غسيل‭ ‬أموال‭ ‬يوفرها‭ ‬السوق‭ ‬الموازي،‭ ‬وتجار‭ ‬المخدرات‭ ‬والمدربون‭.‬

مصارف

رغم‭ ‬ما‭ ‬يحيله‭ ‬مصرف‭ ‬ليبيا‭ ‬المركزي‭ ‬من‭ ‬مرتبات‭ ‬وسيولة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المصارف‭ ‬تغلق‭ ‬شبابيكها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المواطن،‭ ‬أو‭ ‬تلجأه‭ ‬للسحب‭ ‬من‭ ‬آلات‭ ‬السحب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بالتجزئة،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬مرتبه‭.‬

يقول‭ )‬م‭.‬م‭( ‬مصرفي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المصارف‭ ‬التجارية‭ ‬لم‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬ذكر‭ ‬اسمه‭..‬أن‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي‭ ‬للبلاد‭ ‬ووجود‭ ‬حكومتين‭ ‬شرق،‭ ‬وغرب‭ ‬أثر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وأن‭  ‬قرارات‭ ‬الحكومة‭ ‬العشوائية‭ ‬بالتوسع‭ ‬في‭ ‬المصروفات‭ ‬دون‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬مقدار‭ ‬الإيرادات،‭ ‬ومدى‭ ‬استقرارها‭ ‬والظروف‭ ‬المحيطة‭ ‬بيها‭ ‬أسهم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية

‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬المليشيات‭ ‬شرقًا،‭ ‬وغربًا‭ ‬جعل‭ ‬البيئة‭ ‬اللي‭ ‬تشتغل‭ ‬فيها‭ ‬المصارف‭ ‬صعبة‭ ‬جدًا،‭ ‬وأمام‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬صعب‭ ‬تجاوزه‭ ‬وساعد‭ ‬بعض‭ ‬موظفي‭ ‬المصارف‭ ‬ذوي‭ ‬النفوس‭ ‬الضعيفة‭ ‬من‭ ‬تمرير‭ ‬بعض‭ ‬المعاملات‭ ‬المشبوهة،‭ ‬أو‭ ‬الفاسدة‭ ‬ولكن‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬شرعي

إلى‭ ‬جانب‭ ‬ضعف‭ ‬اللوائح‭ ‬والرقبة‭ ‬المصرفية‭.‬

الكاتب‭ ‬والمحلل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وحيد‭ ‬الجبو‭ ‬يقول‭ :‬

العُملة‭ ‬تُصرف‭ ‬للشركات،‭ ‬والأفراد‭ ‬من‭ ‬المصارف‭ ‬التجارية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مصرف‭ ‬ليبيا‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬مهام‭ ‬المركزي،‭ ‬أما‭ ‬كيف‭ ‬تحصل‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ ‬فإن‭ ‬أموال‭ ‬التجار،‭ ‬وشركاتهم‭ ‬نتيجة‭ ‬مبيعاتهم‭ ‬وتجارتهم‭ ‬يتحصلون‭ ‬على‭ ‬كميات‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬السيولة‭ ‬فبدل‭ ‬أن‭ ‬يتوجه‭ ‬التجارُ،‭ ‬ومراكز‭ ‬التسويق‭ ‬إلى‭ ‬المصرف‭ ‬لايداع‭ ‬السيولة‭ ‬في‭ ‬حساباتهم‭ ‬وفق‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يقوم‭ ‬أصحاب‭ ‬المبالغ‭  ‬الورقية‭ ‬الضخمة‭ ‬المسيلة‭ ‬بالتوجه‭ ‬إلى‭ ‬مكاتب‭ ‬الصرافة‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬المصارف‭ ‬وذلك‭ ‬لشراء‭ ‬الدولار‭ ‬حتي‭ ‬يتمكن‭ ‬التجار‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬الصفقات‭ ‬التجارية‭ ‬والتسديد‭ ‬بالنقد‭ ‬الاجنبي‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬مكاتب‭ ‬الصرافة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقد‭ ‬التجار‭ ‬الأملَ‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬العُملة‭ ‬من‭ ‬المصارف،‭ ‬وهو‭ ‬سببُ‭ ‬تكدس‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬لدى‭ ‬مكاتب‭ ‬الصرافة؛‭ ‬أما‭ ‬حرق‭ ‬العُملة‭ ‬لا‭ ‬تبدأ‭ ‬إلا‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬المركزي‭ ‬عندما‭ ‬يقرَّر‭ ‬إلغاء‭ ‬العُملة‭ ‬القديمة‭ ‬ويقوم‭ ‬بطباعة‭ ‬أخرى‭ ‬ورقية‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬الإصدار‭.‬

تقارير‭ .. ‬وأرقام‭ ‬

في‭ ‬رصد‭ ‬لمؤشراتٍ‭ ‬عن‭ ‬عائدات‭ ‬النفط،‭ ‬وتوقعات‭ ‬لبنوك‭ ‬دولية‭ ‬عن‭ ‬الاحتياطي‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يحدثه‭ ‬من‭ ‬تأمين‭ ‬استقرار‭ ‬لدينا‭ ‬والاقتصاد‭ ‬نقلنا‭ ‬عن‭ ‬الصحفي‭ ‬أحمد‭ ‬الخميسي‭ ‬من‭ ‬صفحته‭ ‬الشخصية‭ :‬

أن‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬بـ‭)‬1.24‭( ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا،‭ ‬وبسعر‭ ‬يفوق88‭ ‬دولارًا‭ .. ‬احتياطيات‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬الأجنبي‭ ‬بـ‭)‬84‭( ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

وتوقعات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬88‭ ‬ملياردولار‭ ‬نهاية‭ ‬2024‭ .. ‬لدينا‭ ‬الصندوق‭ ‬السيادي‭ ‬بـ‭)‬70‭( ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

توقع‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬نمو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الليبي‭ ‬بنسبة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬4‭.‬8‭ ‬و5‭.‬8‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬خلال‭ ‬المدة‭ ‬2024‭ – ‬2026‭.‬

مع‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يوجد‭ ‬لدينا‭ ‬عدمُ‭ ‬استقرار‭ ‬في‭ ‬الدينار،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬تداعياتها‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ .‬

خبرة‭ ‬اقتصادية

وتتبع‭ ‬لأسباب‭ ‬نقص‭ ‬السيولة‭ ‬ولجوء‭ ‬المواطنين‭ ‬لحرق‭ ‬الشيكات،‭ ‬وانخفاض‭ ‬قيمة‭ ‬الدينار‭ ‬الليبي،‭ ‬وعدم‭ ‬استقراره‭ ‬وعن‭ ‬الحلول‭ ‬الممكنة‭ ‬يقول‭ ‬الخبير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬السيد‭ ‬محمد‭ ‬أبوسنينة‭:‬

ما‭ ‬نشهده‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬السيولة‭ ‬لدى‭ ‬المصارف‭ ‬وازدحام‭ ‬النَّاس‭ ‬أمام‭ ‬أبواب‭ ‬وشبابيك‭ ‬المصارف‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬مظاهر‭ ‬أو‭ ‬أعراض‭ ‬لازمة‭ ‬حقيقية‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬خاصة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭.‬

أزمة‭ ‬السيولة‭ ‬تعد‭ ‬أزمة‭ ‬مركبة‭ ‬لها‭ ‬ابعادٌ‭ ‬نقدية،‭ ‬وأبعادٌ‭ ‬مالية‭ ‬ففي‭ ‬الجانب‭ ‬النقدي،‭ ‬الأسباب‭ ‬ترجع‭ ‬لتزعزع‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي،‭ ‬وحالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬المتعاملون‭ ‬مع‭ ‬المصارف،‭ ‬ففي‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬المراحل‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬المصارف‭ ‬مكاناً‭ ‬آمناً‭ ‬للاحتفاظ‭ ‬بالمدخرات‭ ‬نتيجة‭ ‬للوضع‭ ‬الأمني‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬البلاد‭ ‬وتعرض‭ ‬أصحاب‭ ‬المدخرات‭ ‬الكبيرة‭ ‬للابتزاز‭ ‬والحرابة،‭ ‬ومما‭ ‬عزَّز‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬تدهور‭ ‬الخدمات‭ ‬المصرفية،‭ ‬وطول‭ ‬فترات‭ ‬الانتظار‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الخدمة‭ ‬في‭ ‬المصارف،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬دفع‭ ‬النَّاس‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬أموالهم‭ ‬من‭ ‬المصارف‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬العُملة‭ ‬المتداولة‭ ‬تبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬40‭.‬0‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭.‬

وقد‭ ‬عزَّز‭ ‬ازمة‭ ‬السيولة،‭ ‬في‭ ‬جانبها‭ ‬المالي،‭ ‬عدم‭ ‬انتظام‭ ‬دفع‭ ‬المرتبات‭ ‬في‭ ‬مواعيدها،‭ ‬والتأخر‭ ‬في‭ ‬تسييل‭ ‬المرتبات،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬النَّاس‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬كل‭ ‬مالديهم‭ ‬من‭ ‬أرصدة‭ ‬في‭ ‬المصارف‭ ‬لمواجهة‭ ‬مستلزمات‭ ‬الحياة،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬أدتْ‭ ‬إلى‭ ‬عجز‭ ‬الخزانة‭ ‬العامة‭ ‬عن‭ ‬دفع‭ ‬المرتبات‭ ‬في‭ ‬حينها،‭ ‬أولاً‭ ‬ضخامة‭ ‬الميزانية‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬بأبوابها‭ ‬الأربعة‭ ‬التي‭ ‬وصل‭ ‬فيها‭ ‬بند‭ ‬المرتبات‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬60‭ ‬مليار‭ ‬دينارًا‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬تجد‭ ‬الحكومة‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬تخصيص‭ ‬الأموال‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬أبواب‭ ‬الميزانية‭ ‬العامة،‭ ‬فيأتي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الاحيان‭ ‬بآثار‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬الباب‭ ‬الأول،‭ ‬فينكشف‭ ‬حساب‭ ‬الخزانة‭ ‬العامة‭ ‬لدى‭ ‬مصرف‭ ‬ليبيا‭ ‬المركزي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يحدث‭ ‬تأخيرٌ‭ ‬في‭ ‬احالة‭ ‬المرتبات،‭ ‬هذا‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التوقفات‭ ‬التي‭ ‬شهده‭ ‬إنتاج‭ ‬وتصدير‭ ‬النفط‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬وما‭ ‬عرف‭ ‬بأزمة‭ ‬الهلال‭ ‬النفطي‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬إقفال‭ ‬لبعض‭ ‬الحقول‭ ‬والموانيء‭ ‬النفطية‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬في‭ ‬اواخر‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬إذ‭ ‬كلما‭ ‬توقفت‭ ‬صادرات‭ ‬النفط‭ ‬كلما‭ ‬حجب‭ ‬الدخل‭ ‬عن‭ ‬الحكومة‭ ‬ولا‭ ‬تجد‭ ‬ما‭ ‬تنفق‭ ‬أو‭ ‬تُمول‭ ‬إلا‭ ‬بالعجز‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مشكلة‭ ‬حقيقية‭ ‬فيما‭ ‬يُعرف‭ ‬بالاستدامة‭ ‬المالية‭ ‬للحكومة‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬مفقودة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي،‭ ‬والصرف‭ ‬دون‭ ‬ميزانيات‭ ‬معتمدة،‭ ‬والفساد‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬ظاهرة‭ ‬تتحدث‭ ‬عنها‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقابية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها‭ ‬النَّاسُ‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬استقرار‭ ‬سعر‭ ‬صرف‭ ‬الدينار‭ ‬الليبي‭ ‬وميله‭ ‬نحو‭ ‬الانخفاض‭ ‬نتيجة‭ ‬للإجراءت‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬مصرف‭ ‬ليبيا‭ ‬المركزي‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬و2020،‭ ‬والآن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬بعد‭ ‬فرض‭ ‬ضريبة‭ ‬على‭ ‬المعاملات‭ ‬بالنقد‭ ‬الأجنبي،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬كلها‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬زيادة‭ ‬الانفاق‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬خاطيء‭ ‬لسياسة‭ ‬تغيير‭ ‬سعر‭ ‬الصرف؛‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬الدينار‭ ‬الليبي‭ ‬لدوره‭ ‬كمخزن‭ ‬للقيمة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬التي‭ ‬صار‭ ‬يعيشها‭ ‬المواطن‭ ‬حول‭ ‬مآلات‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬الجمهور‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬ما‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬بالمصارف‭ ‬واستبدال‭ ‬ما‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬مدخرات‭ ‬دينارية‭ ‬إلى‭ ‬نقد‭ ‬اجنبي‮«‬دولار‮»‬‭ ‬كملاذ‭ ‬آمن‭ ‬،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬استبدل‭ ‬مالديه‭ ‬من‭ ‬دينارات‭ ‬بأصول‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬عقارات‭ ‬وأراضي‭ ‬وفي‭ ‬شكل‭ ‬اصول‭ ‬متداولة‭ ‬غير‭ ‬نقدية‭ . ‬

‭ ‬أيضاً‭ ‬ضمن‭ ‬البعد‭ ‬النقدي‭ ‬لازمة‭ ‬السيولة،‭ ‬فقد‭ ‬أدتْ‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬اتبعها‭ ‬مصرف‭ ‬ليبيا‭ ‬المركزي‭ ‬خلال‭ ‬فترات‭ ‬متفاوته‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬النقد‭ ‬الأجنبي‭ ‬والقيود‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬على‭ ‬بيع‭ ‬النقد‭ ‬الاجنبي‭ ‬لتلبية‭ ‬مختلف‭ ‬الاغراض‭ ‬الشخصية‭ ‬والتجارية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬فتح‭ ‬الاعتمادات‭ ‬المستندية‭ ‬الاستيرادية‭ ‬السلعية،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬سياسة‭ ‬تجارية‭ ‬واضحة‭ ‬تحدد‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الفعلية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬المستوردة،‭ ‬أدّت‭ ‬إلى‭ ‬لجوء‭ ‬الموردين‭ ‬وطالبي‭ ‬النقد‭ ‬الاجنبي‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬النقد‭ ‬الاجنبي‭ ‬لتغطية‭ ‬التزاماتهم‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬الاستيراد،‭ ‬والدفع‭ ‬والتحويل‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ . ‬

وأضاف‭ ‬السيد‭ ‬محمد‭ :‬

‭ ‬إنَّ‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬اليوم‭ ‬بأزمة‭ ‬السيولة،‭ ‬والتي‭ ‬جعلت‭ ‬المصارف‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬إعسار،‭  ‬لا‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬قلة‭ ‬المعروض‭ ‬من‭ ‬العُملة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬يصدرها‭ ‬مصرف‭ ‬ليبيا‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬توفيره‭ ‬للسيولة‭ ‬اللازمة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬وانما‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬أساليب‭ ‬إدارة‭ ‬السيولة‭ ‬وإجراءات‭ ‬مواجهة‭ ‬المشكلة،‭ ‬حيث‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الإجراء‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬يلجأ‭ ‬اليه‭ ‬المصرف‭ ‬المركزي‭ ‬هو‭ ‬طباعة‭ ‬العُملة‭ ‬وإصدارها‭ ‬للمصارف،‭ ‬وهو‭ ‬اجراء‭ ‬نراه‭ ‬غير‭ ‬مجدٍ،‭ ‬وغير‭ ‬كافٍ‭ ‬لمعالجة‭ ‬المشكلة،‭ ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬المصرف‭ ‬المركزي‭ ‬اليوم‭ ‬أي‭ ‬أداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬إدارة‭ ‬السيولة‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬المصارف‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬العادة؛‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬المصرف‭ ‬المركزي‭ ‬يصدر‭ ‬شهادات‭ ‬ايداع‭ ‬للمصرف‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ادوات‭ ‬ادارة‭ ‬السيولة‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يمنح‭ ‬أية‭ ‬عوائد‭ ‬للمصارف‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬في‭ ‬اتفاقيات‭ ‬اعادة‭ ‬الشراء‭ )‬الريبو‭( ‬،‭ ‬وما‭ ‬دام‭ ‬المصرف‭ ‬المركزي‭ ‬عاجزاً‭ ‬عن‭ ‬استعمال‭ ‬ادوات‭ ‬ادارة‭ ‬السيولة‭ ‬التقليدية‭ ‬او‭ ‬تبني‭ ‬ادوات‭ ‬جديدة‭ ‬،‭ ‬فإن‭ ‬الأزمة‭ ‬ستستمر‭ ‬في‭ ‬الظهور‭ ‬والاختفاء‭ ‬موقتاً‭ ‬وفقا‭ ‬لما‭ ‬يطرأ‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬عامة‭ ‬وإيرادات‭ ‬النفط‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬المورد‭ ‬الوحيد‭ ‬للدخل‭ ‬الذي‭ ‬يولد‭ ‬السيولة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭.‬

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الخلَّل‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الليبي‭ ‬يعد‭ ‬خللاً‭ ‬بنيويًا‭ ‬وسيستمر‭ ‬طالما‭ ‬بقي‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الليبي‭ ‬اقتصادًا‭ ‬ريعيًا‭ ‬غير‭ ‬متنوع‭ ‬المصادر‭ .‬

أما‭ ‬الخبير‭ ‬والاقتصادي‭ ‬حسني‭ ‬بي‭ ‬فيقول‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬والحلول‭ :‬

النتائج‭  ‬دليل‭ ‬الواقع‭  ‬والطبقة‭  ‬الهشة‭ ‬بالمجتمع‭  ‬تدفع‭ ‬الثمن‭ ‬الباهظ‭ ‬‮«‬أزمة‭  ‬بكل‭  ‬ما‭  ‬يدور‭  ‬حواليها‮»‬،‭ ‬أزمة‭  ‬سياسية،‭  ‬أزمة‭  ‬ثقة،‭ ‬أزمة‭ ‬‭  ‬نقدية،‭ ‬تضخم‭  ‬وغلاء‭ ‬مع‭ ‬انخفاض‭ ‬القوة‭ ‬الشرائية‭  ‬للدينار‭ ‬بدولة‭  ‬انفاقها‭  ‬العام‭  ‬السنوي‭  ‬يتعدى‭  ‬سنويا‭ )‬خلال‭   ‬السنوات‭ ‬الثلاثة‭  ‬الماضية‭( ‬معدل‭ ‬عام‭ ‬يتعدى‭ ‬163‭  ‬مليار‭  ‬دينار‭ ‬

‭)‬ما‭  ‬يقارب‭  ‬34‭  ‬مليار‭  $  ‬سنويًا‭(‬،‭ ‬ولكن‭  ‬ما‭  ‬ينشر‭  ‬لا‭   ‬يتعدى‭  ‬ثلثين‭  ‬القيمة‭  ‬المنفقة‭  .‬

وبدولة‭  ‬اكثر‭  ‬من‭ ‬ربع‭  ‬سكانها‭  ‬يتقاضون‭  ‬65‭  ‬مليار‭  ‬دينار‭  ‬مرتبات‭ ) ‬منهم‭  ‬بطالة‭  ‬مقنعة‭ ‬و‭  ‬ازدواجية‭  ‬رواتب‭ ‬و‭  ‬اسماء‭  ‬وهمية‭(  ‬تستنزف‭  ‬30‭ %  ‬من‭ ‬إجمالي‭  ‬الميزانية‭  ‬وتتعدى‭  ‬65‭  ‬مليار‭ ‬دينار‭  ‬سنويا‭  .‬

وبدولة،‭ ‬مستمرة‭  ‬في‭  ‬شرّعنة‭ ‬عدم‭ ‬الإرشاد‭ ‬بالاستهلاك‭  ‬وتفاوت‭ ‬الاستفادة‭ )‬بل‭ ‬المستفيد‭  ‬الأكبر‭ ‬من‭  ‬الدعم‭ ‬هم‭ ‬ثلاثة‭ ‬‮«‬الاغنياء،‭  ‬و‭ ‬الفاسدون‭ ‬والمهربون‭(‬،‭  ‬تقدر‭  ‬نسبة‭  ‬الدعم‭  ‬45‭ %  ‬من‭ ‬كامل‭ ‬الانفاق‭ ‬العام‭  ‬و‭ ‬يقارب‭ ‬90‭  ‬مليار‭  ‬دينار‭  ‬سنويًا‭ .‬

بدولة‭ ‬يعتقد‭ ‬بها‭ ‬النخبُ‭  ‬بأن‭  ‬القطاع‭ ‬العام،‭ ‬و‭ ‬الشركات‭ ‬العامة،‭ ‬والتكليف‭ ‬المباشر‭  ‬قاطرة‭ ‬نمو‭ )‬وهو‭ ‬كذب‭ ‬براح‭ ‬نعيش‭ ‬نتائجها‭( .‬

بدولة‭ ‬بها‭ ‬برلمانان،‭ ‬وحكومتان‭  ‬وجيشان‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬يرى‭ ‬الآخر‭  ‬خارج‭ ‬الشرعية‭   .‬

بدولة‭ ‬نفطية‭ ‬إيرادات‭ ‬حكوماتها‭  ‬98‭ % ‬دولارات‭ ‬النفط‭ ‬ولكن‭  ‬حكومتان‭ )‬شرق‭ ‬وغرب‭( ‬تتسابق‭ ‬لانفاق‭ ‬دينارات‭ ‬لا‭ ‬تملكها‭  ‬وتلجأ‭  ‬إلى‭  ‬التمويل‭ ‬الموازي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خزائن‭ ‬مؤسسات‭ ‬وشركات‭ ‬عامة‭.   ‬بل‭ ‬حكومات‭ ‬تخلق‭ ‬التزامات‭  ‬تتعدى‭ ‬إيراداتها‭  ‬وإمكاناتها‭ .‬

ويضيف‭ ..‬بهذه‭   ‬السياسات‭    ‬لا‭  ‬غرابة‭   ‬للازمات‭  ‬الذي‭  ‬نعيشها‭  .  

المؤسف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬به‭ ‬100‭ % ‬صناعة‭ ‬وطنية‭ ‬بمال‭  ‬100‭ %  ‬ليبي‭ ‬وبأيدٍ‭  ‬100‭ % ‬ليبية‭. ‬الشخصنة،‭ ‬والجهوية،‭ ‬والقبلية‭  ‬والمحاصصة‭ ‬عنوان‭  ‬فشلنا‭ . 

المؤسف‭ ‬أننا‭  ‬نتهم‭ ‬الاجانب‭  ‬بالتآمر‭  ‬علينا‭  ‬ونرفض‭ ‬أن‭ ‬نعترف‭  ‬بأن‭ ‬نحن‭ ‬هم‭ ‬كامل‭ ‬عنوان‭ ‬الفشل‭  .‬

نقص‭ ‬سيولة‭ ‬وتدهور‭  ‬الدينار‭  ‬والتضخم‭ ‬نتائج‭ ‬للسياسات‭   ‬الذي‭  ‬نتبناها‭  ‬رغم‭ ‬تكرار‭  ‬الفشل‭ ‬نرجع‭ ‬ونقع‭ ‬بالفخ‭ ‬ذاته‭ .‬

الحلول‭ ‬موجودة،‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬الازمات،‭ ‬ممكنة‭ ‬ولكن‭ ‬الإرادة‭  ‬مفقودة،‭ ‬والأيادي‭ ‬للأسف‭ ‬مرتعشة،‭ ‬وعنوان‭ ‬وشعار‭ ‬الاغلبية‭ ‬من‭ ‬بالسلطة‭ ‬‮«‬التعايش،‭ ‬وقبول‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‮»‬‭.‬

يجب‭  ‬العمل‭   ‬الان‭   ‬لتغيير‭  :‬

‭- ‬منضومة‭   ‬التوضيف‭ 

‭- ‬منضومة‭ ‬الدعم‭ 

‭- ‬توحيد‭ ‬الارصدة‭ ‬ورببط‭ ‬منظومات‭  ‬المقاصة‭   ‬المصرفية‭  ‬لجميع‭ ‬المصارف

‭- ‬تفعيل‭ ‬ربط‭ ‬الموزع‭ ‬الوطني‭ ‬لجميع‭ ‬مقدمي‭ ‬خدمات‭  ‬المدفوعات‭ ‬الالكترونية‭. 

‭- ‬اعتبار‭  ‬الاحتياطيات‭ ‬وسيلة‭  ‬لانتاج‭ ‬الاستقرار‭  ‬والحد‭ ‬من‭ ‬التضخم‭  ‬والا‭ ‬يكون‭ ‬هدفًا‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ .‬

‭- ‬القبول‭ ‬بان‭ ‬الاستدامة‭  ‬تعني‭  ‬نموًا‭  ‬وتطورًا‭ ‬ومن‭  ‬خلال‭   ‬الحفاظ‭ ‬على‭  ‬القوة‭ ‬الشرائية‭  ‬للاصول‭ ‬المتوفرة‭ ‬حتي‭  ‬يستفيد‭  ‬منها‭ ‬الجيل‭ ‬القادم‭  ‬دون‭ ‬الأضرار‭ ‬بحقوق‭ ‬بالاجيال‭ ‬المستقبلية‭ ‬او‭ ‬من‭ ‬بعدنا‭.‬

رقابة‭ ‬

يقول‭ )‬ج‭.‬ج‭( ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬الجهات‭ ‬الرقابية‭ ‬القضائية؛‭ ‬نحن‭ ‬نستلم‭  ‬التقارير‭ ‬من‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬أو‭ ‬الرقابة‭ ‬الإدارية‭ ‬بعض‭ ‬الملفات‭ ‬يطول‭ ‬النظر‭ ‬فيها‭ ‬لتعقدها‭ ‬وتشابك‭ ‬الأطراف‭ ‬فيها‭ ‬وأحيانا‭ ‬تركن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬فيها‭ ‬وخصوصا‭ ‬ملفات‭ ‬الفساد‭ ‬المالية‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬الأموال‭ ‬ضعيفة‭ ‬جدًا‭.‬

رغم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬والتجاوزات‭ ‬وما‭ ‬يعاني‭ ‬المواطن‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬وحيرة‭ ‬أمام‭ ‬المصارف‭ ‬وفي‭ ‬مكاتب‭ ‬الصرافة‭ ‬والجهات‭ ‬الرقابية‭ ‬كديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬ومكتب‭ ‬النائب‭ ‬العام‭ ‬والرقابة‭ ‬الإدارية‭ ‬ومكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬لنا‭ ‬بتقارير‭ ‬مفصلة‭ ‬ولا‭ ‬نجد‭ ‬لها‭ ‬دورًا‭ ‬رادعًا‭ ‬للتجار‭ ‬وسماسرة‭ ‬الأزمة،‭ ‬ولا‭ ‬رقابة‭ ‬مالية‭ ‬متعقبة‭ ‬تدعم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬رغم‭ ‬محاولاتنا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬أجوبة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجهات‭ ‬لم‭ ‬نتمكن،‭ ‬ومراسلاتنا‭ ‬لديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬ظلت‭ ‬لديهم‭ ‬بلا‭ ‬تجاوب‭ ‬أو‭ ‬ردود‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى