ثمان ساعات قضيتها في سعادة غير مفتعلة وأنا بمقعدي في الحافلة العائدة من مسقط الرأس (هون) عقب آداء واجبي الأسري المتمثل في مشاركة أبناء أخي الراحل الشيخ مصطفى مختار مازن أفراحهم بزواج ابنهم الدكتور يحي الذي لم يضع كثير وقت بعد إتمام دراسته العلمية المتخصصة بالطب ودخوله سلك العمل وتمكنه من بناء عش الزوجية عندما اتخذ من مصراتة مقرا له حيث فرص العمل والحرص على استقطاب القادرين على العطاء الجيد، ليكونوا شركاء في ذلك النشاط الملحوظ، أما باعث هذه السعادة فقد كان بالإضافة إلى ما ذكرت، فمردُّه إلى مرافقي في الرحلة هو المهندس صالح عبد الرحمن حُصن، المتجه هو الآخر للمدينة والغني بالمشترك الذي أشتاق دوما إلى الخوض فيه، والذي إن تكن العلاقات الموروثة جزءًا منه، فلا شك أن ما يتوفر عليه صالح من الحرص على الحوار ليس فقط من خلال الأسئلة، وإنما لما امتلَكه أيضا من تجربة متوسط العمر الذي جمع بين الدراسة الجامعية بالداخل والخارج والعمل من ثم في أكثر من مكان ومع أكثر من مسئول ليقدم لهم جميعا ما ارتآه من دعم وتوجيه واقتراح، فوقف من خلال ذلك على ما يتوفر عليه من حسن التفهم والاستعداد لتبني ما رآه في صالح مسقط رأسه، على نحو ما تجادل فيه مع المرحوم عمر مصطفى المنتصر أثناء حمله حقيبة الطاقة، ومثله المرحوم جمعة الأربش الذي امتاز بحسن الرعاية للعاملين معه من الأجيال الجديدة، والأخذ بيدهم في العمل ومشكلات الحياة، فوجدتني أكثر تحفزا للتدوين عن تلك العقود التي شهدت تطور هذا الجيل ونوعت مواقفه بين حسن الأداء وما دونه ولا سيما التعاطي مع النشاط الطلابي واختلاف الفرقاء بين سرعة التحرك الذي كثيرا ما يؤدي إلى الوقوع والتريث الذي يجعل العائد أكثر جدوى. وأشهد أنني ازدت سعادة بما لمسته من حرص هذا المؤهل التقني على معايشة النشاط الفكري والاستفادة من فضاء التواصل الاجتماعي بالكتابة دون التخلي عن أنشطة المؤسسات المحلية والحرص على صونها من التنافس الهدّام إلى التنسيق البنّاء وتبنيه الشخصي لمبدأ المساهمة في أي فضاء يتسع لإبداء المشاركة المسئولة و المُنزّهة من نقيصة حب الظهور الخالي من الانجاز الحقيقي والذي طالما ابتلي به بعض الموهوبين فتسبب في وأد موهبتهم وأفسد عليهم دورهم المطلوب فصار وجودهم وعدمه سواءً.
كانت الأفكار تتداعى دونما تكلّف والطريق يحتاج الساعات التي أشرت إلى عددها مقدما ابتداء من سنوات الدراسة والتكوين التي قضاها مرافقي إلى أن أصبح جَدّاً، وشاءت المقادير أن يكون قريبا من أعزّ من عرفت في رحلة العمر الذي لم يعد قصيرا والتجربة التي لم تخلُ من المتاعب ومن الرموز الذين خصهم محاوري بكبير الاهتمام و أشدت من جانبي بكل ما يثلج الصدر، كيف لا، وقد كان من بين الذين استدعاهم الحديث، العزيز عبد الفتاح البشتي صاحب التجربة الثرية ومثله علي اللافي الحريص أكثر من الجميع على التواصل ورفيقه رجب هنيد رفع الله بأسه مما ألمَّ به من المرض، فتنتهي الساعات وتقف الحافلة بطرابلس الجديدة كما سماها المرحوم إبراهيم الفقيه حسن، عشية تشييده للفنادق الكبيرة وأبراج ذات العماد، فتظل الأمنية المستحيلة بأن لو يعود الشباب يوماً.