رأي

وجهة نظر

صالح قادربوه

جدارية

منذ الصيحة الأولى للإنسان تجلت علاقته الملتبسة بالزمن؛ سجنه المشرع وحريته المقيدة، فبدأت دراما الفرد في زمن جماعته وفي زمنه الخاص، بين زمن الهوية المفروضة وزمن البحث عن الهوية الشخصية.. الزمن هو أخطر جندي واجهه الفرد يوما، وأخطر جيش واجهته البشرية على مر عصورها وتقلباتها. إنه حتى أخطر من المكان؛ فكثير من الناس عاشوا في أماكن ضيقة أو محايدة أو قليلة التنوع لكن كانت حياتهم رائعة لأنهم عاشوا زمنهم بعد ترويضه، بينما كثير من الناس عاشوا صعوبات لا تتوقف وأزمات وهم في أماكن بديعة، فلا يتحدد شكل الصراع بالمكان أولا بل الزمن هو البدء والمكان هو التالي.. وقد نسمع أن شخصا عاش زمنه وزمن غيره، أو أن فردا انعزل في فكرة زمن ماض أو تاه في حلم زمن سيأتي؛ لكن هل الزمن هو الزمن والاختلاف هو مصير الإنسان وسط الناس، أم إن الاختلاف حقا هو في تقلب الزمن وتحولاته، إن كان هناك حقا تحولات خارج أعجوبة التاريخ المضجرة.

حتى الثواب والعقاب بابهما وقت معلوم، بل وحتى الوظائف والعمل، والصعود الدراسي، كل شيء قد ثبت في زمن ليأخذ هويته الحية، والإنسان يدفن في نفس المكان فلا يغادره لكن الزمن هو الذي ينفض حينها يديه من الراحلين.

إن السؤال الذاتي الأول هو زمن المرء؛ وهو سؤال لا إجابة شافية عنه، ولذا آثر البشر أن يعيشوا في الزمن دون أن يتعلقوا به، وهذا ما جعل الحياة تستمر، مسيرة زمنية لا تتوقف، ولا تتحدد بمكان، ولا تنتهي بانتهاء إنسان، بل سره عند من أبدعه، ومن جعله أول الوجود وخاتمته.

صالح قدر بوه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى