رتوش

‬ جرس الصائمين .. ذخيرة ذاكرة

اشراف/زكريا العنقودي

مدفع‭ ‬‮«‬سي‭ ‬زقلام‮»

في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مميز،‭ ‬وبنكهة‭ ‬روحانية‭ ‬خاصة‭ ‬نفتقدها‭ ‬طوال‭ ‬العام،‭ ‬ولهذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬مكانة‭ ‬كبرى‭ ‬وقدسية‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬المسلمين،‭ ‬لا‭ ‬يشغلها‭ ‬سواه‭ ‬من‭ ‬شهور‭ ‬العام،‭ ‬ولم‭ ‬يمنعهم‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬عاداتهم‭ ‬وطقوسهم‭ ‬وتشبثهم‭ ‬بموروثهم‭ ‬الديني‭ ‬الذي‭ ‬ترسخ‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭.‬

كانت‭ ‬روائع‭ ‬هذه‭ ‬الروحانيات،‭ ‬استقبال‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬بكل‭ ‬شوق‭ ‬ومحبة،‭ ‬واجتماع‭ ‬الأسرة‭ ‬بقلوب‭ ‬تملؤها‭ ‬المحبة‭ ‬والتراحم،‭ ‬والتعاطف‭ ‬والالتزام‭ ‬الإنساني،‭ ‬وتعم‭ ‬مظاهر‭ ‬التكافل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بمساعدة‭ ‬غنيّنا‭ ‬لفقيرنا،‭ ‬لنستقي‭ ‬من‭ ‬روحانية‭ ‬رمضان‭ ‬المعاني‭ ‬الجليلة‭ ‬السامية،‭ ‬ونُجسّد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬فضائل‭ ‬إلى‭ ‬واقعٍ‭ ‬ملموسٍ،‭ ‬ونُكرّس‭ ‬كل‭ ‬اهتماماتنا‭ ‬إلى‭ ‬ترابط‭ ‬وثيق‭ ‬يجمعنا،‭ ‬وننزع‭ ‬فتيل‭ ‬المُماحكات‭ ‬التي‭ ‬فرّقتنا،‭ ‬وقدّمت‭ ‬نتاج‭ ‬خلافاتها‭ ‬العبثية،‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬سوى‭ ‬لأطماع‭ ‬دنيوية‭.‬

يُعد‭ ‬مدفع‭ ‬الإفطار‭ ‬تقليدًا‭ ‬من‭ ‬التقاليد‭ ‬الرمضانية‭ ‬الراسخة‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬المدن‭ ‬الإسلامية،‭ ‬كان‭ ‬المدفع‭ ‬ينطلق‭ ‬مع‭ ‬آذان‭ ‬المغرب،‭ ‬وقبل‭ ‬آذان‭ ‬الفجر‭ ‬في‭ ‬دقة‭ ‬متناهية،‭ ‬كان‭ ‬ينتظره‭ ‬الجميع،‭ ‬يبهج‭ ‬الصغارَ،‭ ‬والكبارَ‭ ‬أينما‭ ‬دوى،‭ ‬فهو‭ ‬المدفع‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يُفرح‭ ‬النَّاس‭ ‬لسماع‭ ‬دويه،‭ ‬فمع‭ ‬آذان‭ ‬المغرب‭ ‬تطرب‭ ‬لصوته‭ ‬آذان‭ ‬الصائمين،‭ ‬لأنه‭ ‬الإشارة‭ ‬الحاسمة‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬موعد‭ ‬فك‭ ‬الصيام،‭ ‬ويرقص‭ ‬له‭ ‬الأطفال‭ ‬لأنه‭ ‬موعد‭ ‬أكل‭ ‬أشهى‭ ‬الأطباق،‭ ‬ويعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬العادات‭ ‬الرمضانية‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬وله‭ ‬قيمة‭ ‬تاريخية‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬عديدة،‭ ‬وقد‭ ‬شغل‭ ‬مكانة‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الحضارات‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬إثرًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬تراثيًا،‭ ‬لكنه‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬يجاهد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بدأتْ‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬والمدن‭ ‬تتخلى‭ ‬عنه‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة‭.‬

ولا‭ ‬يزال‭ ‬الصائمون‭ ‬يرحبون‭ ‬بصوت‭ ‬طلقة‭ ‬المدفع‭ ‬كل‭ ‬غروب‭ ‬لأنها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تؤذن‭ ‬بانتهاء‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬الصوم،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬مدفع‭ ‬رمضان‭ ‬السلاح‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يشتاق‭ ‬النَّاس‭ ‬لسماع‭ ‬صوته؛‭ ‬فعندما‭ ‬يصيح‭ ‬المدفعجي‭: ‬‮«‬مدفع‭ ‬الإفطار‭ .. ‬اضرب‮»‬‭ ‬يبدأ‭ ‬النَّاس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬الالتفاف‭ ‬حول‭ ‬موائد‭ ‬الإفطار،‭ ‬وقد‭ ‬ارتبط‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬بالدفء‭ ‬الأسري،‭ ‬والحنين‭ ‬دومًا‭ ‬إلى‭ ‬رمضان‭ ‬ولياليه‭ ‬مع‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬تسميات‭ ‬وصور‭ ‬مختلفة‭ ‬تشع‭ ‬ببهاء‭ ‬الماضي،‭ ‬وألقه،‭ ‬وعبق‭ ‬القِدم‭ ‬الذي‭ ‬يحكي‭ ‬للأجيال‭ ‬تاريخًا‭ ‬طويلًا‭ ‬ما‭ ‬غادر‭ ‬ذاكرة‭ ‬سكان‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬وبإصرار‭ ‬يحاولون‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬تعظيمًا‭ ‬لتاريخ‭ ‬مشرّف،‭ ‬كان‭ ‬أساسًا‭ ‬لبزوغ‭ ‬فجر‭ ‬جديد،‭ ‬عَبّدَ‭ ‬الطريق‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬حاضر‭ ‬مزدهر‭. ‬

وصل‭ ‬العرفُ‭ ‬باعتماد‭ ‬المدفع‭ ‬معلِنًا‭ ‬وقت‭ ‬الإفطار‭ ‬إلى‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬المغاربية،‭ ‬بعد‭ ‬اعتماده‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬القاهرة‭ ‬أول‭ ‬مدينة‭ ‬ينطلق‭ ‬فيها‭ ‬مدفع‭ ‬رمضان،‭ ‬فعند‭ ‬غروب‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬رمضان‭ ‬عام‭ ‬865‭ ‬هـ‭ ‬أراد‭ ‬السلطان‭ ‬المملوكي‮«‬خو‭ ‬شقدم‮»‬‭ ‬وإلى‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الإخشيدي،‭ ‬أن‭ ‬يجرب‭ ‬مدفعًا‭ ‬جديدًا‭ ‬وصل‭ ‬إليه،‭ ‬وكان‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الجندِ‭ ‬يقفون‭ ‬على‭ ‬المدفع‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬اختباره‭ ‬لكونه‭ ‬مدفعًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬وصادف‭ ‬إطلاق‭ ‬المدفع‭ ‬وقت‭ ‬المغرب‭ ‬بالضبط‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الصدفة،‭ ‬فظن‭ ‬النَّاس‭ ‬أن‭ ‬السلطان‭ ‬تعمَّد‭ ‬إطلاق‭ ‬المدفع‭ ‬لتنبيه‭ ‬الصائمين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬موعد‭ ‬الإفطار‭ ‬قد‭ ‬حان،‭ ‬فخرجت‭ ‬جموع‭ ‬من‭ ‬الأهالي‭ ‬والعلماء‭ ‬والأعيان‭ ‬لمقابلة‭ ‬السلطان‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬الحكم‭ ‬لتشكره‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البدعة‭ ‬الحسنة‭ ‬التي‭ ‬استحدثها،‭ ‬ولطلب‭ ‬استمرار‭ ‬عمل‭ ‬المدفع،‭ ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬يجدوه‭ ‬والتقوا‭ ‬زوجة‭ ‬السلطان‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدعى‭ ‬الحاجة‭ ‬فاطمة‭ ‬ونقلت‭ ‬طلبهم‭ ‬للسلطان،‭ ‬وعندما‭ ‬رأى‭ ‬السلطان‭ ‬سرورهم‭ ‬أعجبته‭ ‬الفكرة‭ ‬وقرر‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬المدفع‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬إيذاناً‭ ‬بالإفطار،‭ ‬وأصدر‭ ‬فرمانًا‭ ‬يفيد‭ ‬باستخدام‭ ‬هذا‭ ‬المدفع‭ ‬عند‭ ‬الإفطار‭ ‬ثم‭ ‬أضاف‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مدفعي‭ ‬السحور‭ ‬والإمساك،‭ ‬وكذلك‭ ‬فى‭ ‬الأعياد‭ ‬الرسمية‭.‬

ويشير‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬كانوا‭ ‬أيام‭ ‬الرسول‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬يأكلون‭ ‬ويشربون‭ ‬من‭ ‬الغروب‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬النوم،‭ ‬وعندما‭ ‬بدأ‭ ‬استخدام‭ ‬الأذان‭ ‬اشتهر‭ ‬بلال‭ ‬وابن‭ ‬أم‭ ‬مكتوم‭ ‬بأدائه،‭ ‬احد‭ ‬لتنبيه،‭ ‬والأخر‭ ‬لموعد‭ ‬الصلاة‭.‬

وقد‭ ‬حاول‭ ‬المسلمون‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬التاريخ،‭ ‬ومع‭ ‬زيادة‭ ‬الرُقعة‭ ‬المكانية‭ ‬وانتشار‭ ‬الإسلام،‭ ‬أن‭ ‬يبتكروا‭ ‬الوسائل‭ ‬المختلفة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الآذان‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬موعد‭ ‬الإفطار،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ظهر‭ ‬مدفع‭ ‬الإفطار‭ ‬إلى‭ ‬الوجود‭.‬

وقصة‭ ‬استخدام‭ ‬هذا‭ ‬المدفع‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬هناك‭ ‬عديد‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تُروى‭ ‬حول‭ ‬موعد‭ ‬بداية‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬الرمضانية‭ ‬التي‭ ‬أحبها‭ ‬المصريون‭ ‬وارتبطوا‭ ‬بها،‭ ‬ونقلوها‭ ‬لعدة‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬قديمًا‭ ‬ليتربع‭ ‬بذلك‭ ‬المدفع‭ ‬فوق‭ ‬قلعة‭ ‬‮«‬سرايا‮»‬‭ ‬ليبيا‭ ‬الحمراء‭ ‬قبالة‭ ‬البحر،‭ ‬نعم‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬لم‭ ‬يسمعوا‭ ‬بمدفع‭ ‬رمضان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬منتصبًا‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أقواس‭ ‬قلعة‭ ‬‮«‬السرايا‭ ‬الحمراء‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬إلا‭ ‬صوته‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬المسموعة‭ ‬الذي‭ ‬نسمعه‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬رمضان‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬تسجيل‭ ‬قديم‭ ‬يوم‭ ‬كانت‭ ‬اطلاقة‭ ‬مدفع‭ ‬رمضان‭ ‬تنقل‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬عين‭ ‬المكان،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬يتردَّد‭ ‬على‭ ‬مسمعي‭ ‬صوت‭ ‬المذيع‭ ‬يقول‭ ‬بصوت‭ ‬هادئ‭ :‬

انطلق‭ ‬الآن‭ ‬مدفع‭ ‬الإفطار،‭ ‬ليعلن‭ ‬نهاية‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬الشهر،‭ ‬وعلى‭ ‬الأخوة‭ ‬القاطنين‭ ‬خارج‭ ‬المدينة‭ ‬مراعاة‭ ‬الفارق‭ ‬في‭ ‬التوقيت‭.‬

كان‭ ‬صوت‭ ‬طلقات‭ ‬المدفع‭ ‬تقليدًا‭ ‬رائعًا‭ ‬وجميلاً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ارجاء‭ ‬مدينة‭ ‬طرابلس،‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬طرابلس‭ ‬وما‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬تلونها‭ ‬المزارع،‭ ‬والسواني‭ ‬فقط،‭ ‬وليست‭ ‬الخرسانة‭ ‬الإسمنتية‭ ‬والعمارات‭ ‬العالية،‭ ‬فكانت‭ ‬موجات‭ ‬صوت‭ ‬المدفع‭ ‬تتدافع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬حتى‭ ‬تاجوراء‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬أي‭ ‬عارض،‭ ‬لتعلن‭ ‬للصائمين‭ ‬عن‭ ‬نهاية‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭.‬

كانت‭ ‬ذخيرة‭ ‬المدفع‭ ‬صوتية‭ ‬تزمجر‭ ‬بصوت‭ ‬ينبه‭ ‬الغافلين‭ ‬بأوقات‭ ‬الصلاة،‭ ‬أو‭ ‬الإفطار،‭ ‬أو‭ ‬السحور‭ ‬سعيًا‭ ‬لجعل‭ ‬النفوس‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬ذكرًا،‭ ‬وإيمانًا‭ ‬في‭ ‬خشوع‭ ‬وتضرع،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬يبدأ‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الشهر‭ ‬بإطلاق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الطلقات‭ ‬إعلانًا‭ ‬لبدء‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬شهر‭ ‬الخير‭ ‬والاحسان،‭ ‬لتكون‭ ‬بعدها‭ ‬طلقة‭ ‬واحدة‭ ‬كل‭ ‬صلاة،‭ ‬ومنها‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬طلقة‭ ‬الإفطار‭ )‬آذان‭ ‬صلاة‭ ‬المغرب‭(‬؛‭ ‬ثم‭ ‬أخيرًا‭ ‬طلقة‭ ‬الإمساك‭ ‬التي‭ ‬تنبه‭ ‬الصائمين‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الإمساك‭.‬

كان‭ ‬الراحل‭ ‬الحاج‭ ‬‮«‬الصادق‭ ‬زقلام‮»‬‭ ‬هو‭  ‬آخر‭ ‬من‭ ‬تولى‭ ‬الاشراف‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬المدفع‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬طرابلس،‭ ‬كان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬حريصًا،‭ ‬ودقيقًا‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬مواعيده،‭ ‬وكان‭ ‬طيلة‭ ‬أيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬يتناول‭ ‬إفطاره‭ ‬البسيط‭ ‬بجانب‭ ‬المدفع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يُعلم‭ ‬النَّاس‭ ‬بموعد‭ ‬الافطار،‭ ‬صوت‭ ‬مدفع‭ ‬الافطار‭ ‬كان‭ ‬يعني‭ ‬الكثير‭ ‬لسكان‭ ‬مدينة‭ ‬طرابلس،‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬ذكراه‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬ذاكرتهم‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬مشاغل‭ ‬الحياة‭ ‬محوها‭. ‬

اليوم،‭ ‬وبفعل‭ ‬التطور‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬الصناعات‭ ‬والتقنية،‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬مدفع‭ ‬الإفطار‭ ‬يعتمد‭ ‬مؤقتًا‭ ‬ومنبهًا‭ ‬للصائمين،‭ ‬وبدأ‭ ‬التخلي‭ ‬عنه‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬الجوامع‭ ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬أذانها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مكبرات‭ ‬الصوت،‭ ‬وباعتماد‭ ‬الساعات‭ ‬المنبهة،‭ ‬ومنبهات‭ ‬الهواتف‭ ‬النقالة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المحطات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬التي‭ ‬تبث‭ ‬الأذان‭ ‬بجميع‭ ‬أوقاته،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مدفع‭ ‬رمضان‭ ‬عالقًا‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬المسلمين‭ ‬وبقي‭ ‬موروثًا‭ ‬اجتماعيًا‭ ‬يحلو‭ ‬به‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭. ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬جعل‭ ‬المدفع‭ ‬نذير‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬موروثًا‭ ‬تراثيًا‭ ‬جميلاً‭ ‬يعيد‭ ‬للنَّاس‭ ‬ذكريات‭ ‬رمضان‭.. ‬انتهى‭ ‬العمل‭ ‬بهذا‭ ‬التقليد‭ ‬الرمضاني‭ ‬الجميل‭ ‬في‭ ‬اواخر‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬ولم‭ ‬يبقَ‭ ‬سوى‭ ‬صوته‭ ‬في‭ ‬تسجيلات‭ ‬الإذاعة‭ ‬المسموعة‭ ‬ينطلق‭ ‬عبر‭ ‬الأثير‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬رمضاني‭ ‬قبل‭ ‬أذان‭ ‬المغرب‭ ‬مذكراً‭ ‬النَّاس‭ ‬بزمن‭ ‬مضى‭ ‬ويعلمهم‭ ‬بموعد‭ ‬الافطار‭ ‬والسحور‭.‬

رحم‭ ‬الله‭ ‬الحاج‭ ‬‮«‬الصادق‭ ‬زقلام‮»‬‭ ‬واسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬الجنان،‭ ‬ورحم‭ ‬الله‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬الجميلة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى