رتوش

 رجال استخبارات في لحاف علماء!!

معمر سلام

من معجم اليوميات الليبية

منذ احتلال نابليون بونابرت لمصر ويرافقه أكثر من 160 عالما وفنانا، اختارهم بعناية بالتعاون مع الجنرال كافاريللي. تألفوا من مهندسين وفنيين وفلكيين ومعماريين وكيميائيين وعلماء في التاريخ الطبيعي والمعادن ورسامين وموسيقيين وشعراء ومستشرقين. وأسس فور وصوله «المجمع العلمي المصري» بغية حل مشكلات الجيش الفرنسي في مصر.

منذ ذلك الحين لم تتوقف جائحة الاستعمار التي دهمت ربوع العالم العربي والاسلامي والتي كانت بداياتها في القرن التاسع عشر عن طريق الرحالة والمستكشفين الغربيين فلم تكن إلا ممهدات وطلائع لجيوش المستعمر في زي ولحاف المستكشفين والعلماء محبي المعرفة الاطلاع حيث جابوا الصحراء العربية والافريقية وقدموا تصوراتهم ورؤاهم التي كانت تبدو في ظاهرها بريئة ولكن النية المبيتة انها كانت تقارير استخباراتية ترصد أدق التفاصيل حتى نوعية المباني وانواع التسليح واعداد افراد الحاميات ونوعية تدريب الجند بل تجاوز الامر لوصف الصحاري وانواع الحيوان والنباتات وطرق ودروب الصحراء وأشهر ادلاء ومرافقي القوافل في معلومات كثيرة يقدمونها هدايا لملوكهم وحكوماتهم في شكل اشبه ما يكون بسبق صحفي ووسيلة للتقرب من الملوك والحكومات، وقد قام عدة باحثين ومؤرخين برصد هذه الظاهرة من خلال الدراسة والتتبع الدقيق لإبراز الدور الاستعماري للرحالة والمستشرقين يرصد الاستاذ مفيد نجم (الاستشراق في عصر التفكك الاستعماري). يقول:«اختلفت الدوافع التي قادت الرحالة الغربيين إلى زيارة الشرق، منها ما كان سياسيا مهد للحقبة الاستعمارية، ومنها ما كان لغاية الحج إلى بيت المقدس، في حين كان من ضمنها التعرف إلى عالم الشرق واكتشاف عوالمه الغريبة بعد أن عملت الترجمة الفرنسية لكتاب ألف ليلة وليلة بصورة خاصة على رسم صورته المثيرة وغير الواقعية المخيال الغربي.

هذه الرؤية المسبقة للشرق تركت أثرها في دراسات الاستشراق، الأمر الذي استدعى من عدد من المفكرين العرب والأجانب كشف الأنساق التي اتخذتها وما تضمره من دوافع ونقدها.»

وفيما يخص ليبيا وحدها فقد أحصى الباحث الليبي «مفتاح ميسوري»،عدد الرحالة الذين زارو ليبيا في كتابه «ليبيا في زمن الرحالة 1812 ـ 1912» فكان عددهم كما أحصاهم الباحث ثلاثة وثلاثين ايطاليا وتسعة وعشرين فرنسيا وستة وعشرين بريطانيا وعشرين ألمانيا وأربعة نمساويين وسويسريا وأمريكيا وهولندية واحدة، كانوا قد زاروا ليبيا خلال الفترة المدروسة وتركوا آثارا مكتوبة دونوا فيها انطباعاتهم ومشاهداتهم عنها. ويصفهم المؤلف بأنهم كانوا يتحلون بقدر كبير من الشجاعة والذكاء، كما كانوا بأغلبيتهم في موقع «وسط» بين العلماء والجواسيس، ونلاحظ أن أكبر عدد من الرحالة كان من الجنسية الايطالية هل ذلك صدفة أم انه أمر كان يدبر بليل والليبيون عنه في غفلة.

فعلى سبيل المثال ضمّنت ميس توللي مشاهداتها في كتاب «عشر سنوات في بلاط طرابلس 17831793»، وترجمه للعربية عبد الجليل الطاهر، ومما ورد في الكتاب تصميم المنازل الذي كان أكثر ما لفت نظر الكاتبة، فذكرت أن من ضمن حجرات البيت حجرة مفردة فخمة يسمونها «الغرفة» أو «العلية» يقتصر استعمالها على رب العائلة، ويحتفظ فيها بخزنته، ويصرف فيها شؤون عمله، ويتمتع بعقد مجالس لهوه وسمره، ولا يجرؤ أي من أفراد الأسرة على دخولها من دون إذنه، ووجدت قريبة القنصل الإنكليزي أن السيدة الطرابلسية مساوية لرب عائلتها في هذا الخصوص، فهو بدوره لا يستطيع أن يدخل حجرتها الخاصة إذا وجد زوجاً من «البابوج»خارج عتبة الباب، وهذا ما يعني وجود سيدات لديها، وإنما يكون عليه الانتظار حتى يُزاح الحذاء، ولم يفت توللي وصف الحمامات التي تظل ملأى بالسيدات اللواتي يذهبن للتزين طوال ساعات النهار، ويصطحبن جواريهن معهن. جارية تغسل شعرها بماء زهر البرتقال، وثانية تقوم بتجفيفه. والسيدات يصففن شعرهن على هيئة ضفائر صغيرة وهي عملية مضنية تستغرق وقتاً طويلاً، ويزيد من إزعاجها نتف الشعر النابت على نحو غير سوي، ثم صبغ الرموش، وتزجية الحواجب، والتكحل بمسحوق أسود على مرواد من الفضة أو الذهب، ويشير الباحث مسعود عمشوش في كتابه «اليمن في كتابات فريا ستارك.. من الاستكشافات إلى الاستخبارات» إلى أن من أهم الأشكال التي اتخذتها رحلات الأجانب إلى اليمن يمكننا أن نميّز بين شكلين رئيسيين منها. فمن جهة، هناك شكل البعثات الجماعية التي تنظمها بعض الحكومات الغربية أو المؤسسات العلمية، والتي يمكن أن تكون عسكرية أو سياسية أو علمية مثل البعثة الدنماركية بقيادة كارستن نيبور، أو البعثة النمساوية التي أرسلتها جامعة فينّا في نهاية القرن التاسع عشر لدراسة اللغات العربية الجنوبية الحديثة ولهجة حضرموت، والتي ضمّت عددا من كبار المستشرقين والمستعربين من مختلف الأقطار الأوروبية، ومن جهة أخرى، ظل اليمن، على الرغم من وعورة طرقه وعدم توفر وسائل النقل الحديثة والمريحة دائما فيه، من البلدان التي سعى عددٌ كبيرٌ من الرحالة والمستكشفين والمخبرين والمغامرين والعسكريين للوصول إليها بشكل انفرادي، وقل مثل ذلك في كل جزد من أجزاء العالم العربي والاسلامي والقارة الافريقية مما يبدي بشكل واضح أن النوايا لم تكن سليمة إنما كانت لجمع معلومات بغرض استخدامها في وقت الاستعمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى