رأي

رحلة بحرية من ضفة لأخرى

نجاح الطاهر مصدق

دائمًا ما تظل نقطة الالتقاء ومنطقة ما بين البينين  أو الخط البرزخي  الفاصل محل جدل ومناقشة تدور حولها أفكار عدة وتنبري لتحليلها فلسفات مختلفة عندما قرأتُ لأول مرة «زوربا» لنيكوس كازانتزاكيس ترجمة جورج طرابيشي وعشتُ مع بين الطفل اليتم في رائعة «شارل ديكنز» آمال عظيمة وما اقحمنا فيه شوقي حداد بترجمته من معاناة الشاب القاتل في (الجريمة والعقاب) لدوستويفسكي وكيف تنقلنا من جيل لآخر مع غابرييل ماركيز في (مائة عام من العزلة) ترجمة صالح علماني كنتُ مشدودة حد الذهول لهذه القدرة العجيبة التي استطاع بها المترجمون لمثل هذه الأعمال الأدبية القبض على المفردة والمعنى وجملة المشاعر والأحاسيس التي وصلت إلينا بكل هذه الأمانة وتساءلتُ عن الموهبة المبدعة التي مكنتهم من السير على حبل النقل بالعلم، والفن معًا دون الوقوع في شراك الترديد والتلقين والاساءة لتخرج هذه الأعمال ونتلقفها من موطنها الأصلي كالسهم في الرمية فنبني عليها ذائقتنا وتتشكل من خلالها  اهتماماتنا وميولنا ووعينا.

إلا أن مسألة المصافحة أوالحلقة الرابطة بين لغتين أحدهم أصل وأخرى هدف ظلت محل تساؤل عما يكتنفها من تحديات وما تواجهه من اشكاليات جمة بحاجة إلى أسلحة لا يقدر على امتلاكها إلا ذاك المحارب الانتحاري (المترجم) الذي يحمل روحه على كفه  ليكن في الموعد وهو واثقٌ من احراز النصر مهما كلفه الأمر. 

الترجمة هذا الوسيلة والالتزام معًا هذا الفهم الخالي من الترديد والنقل الضحل الفقير يجعلنا  نقف في حالة قلق من التلقي الغربي فيما يخص الترجمة الأدبية العربية  وبالاخص المنتج الأدبي الليبي ونفكر فيماإذا كان المتلقي في لغات أخرى غير العربية على نفس درجة استعدادنا نحن في زمن سابق لكل ما ترجم من آداب  وعلوم غربية خصوصًا وأن تجربة الترجمة العربية للغات اخرى كـ(الإنجليزية، والفرنسية والإيطالية) وغيرها  ظلت محدودة بداية من (ألف ليلة وليلة) إلى أعمال نجيب محفوظ والطيب صالح وعبد الرحمن منيف وغيرهم ويزداد هذا القلق لدى عندما افكر في مدى وحجم التأثير ونقل الصورة للآخر في أعمال أدبية رواية كانت أم  شعر أو قصة لكتَّاب وروائيين وشعراء  ليبيين؟، وكيف يمكن أن ننجح في هذا التحدي وما الذي علينا فعله لنكبر حيث تصل كلماتنا ونبني مدنًا وعوالم موازية بما ننتج ونترك اثرًا حيًا هناك لدى الآخر في لغة أخرى وما وراء البحر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى