الرئيسيةثقافةمتابعات

في ندوة ببيت محمود بي: الترجمة الأدبية .. التحديات وأسئلة النهوض

متابعة: عبدالسلام الفقهي

تشكل الترجمة بصفة عامة الخيط الواصل بين الأجيال الإنسانية على امتداد تاريخها، وعلى تنوع ثقافاتها، وهي أيضًا أهم مفاتيح التنوير المعرفي، وتبرز الترجمة الأدبية على نحو خاص كنافذة مهمة وقاعدة تنهض عليها الكثير من المتغيرات الفكرية، والاجتماعية، وحتى السياسية.

ومن هذا المنطلق أقيمتْ ببيت (محمود بي) بالمدينة القديمة ندوة حوارية أدارتها الشاعرة مريم سلامة تبحث في مفهوم الترجمة الأدبية وأسئلتها خصوصًا ما يتعلق بالنقل من الإنجليزية إلى العربية والعكس، بمشاركة الدكتور محمد بالحاج عضو نائب رئيس مجمع اللغة العربية، والكاتب عبدالسلام الغرياني.

وفي ورقته عن أسئلة الترجمة الأدبية بين الكاتب والمترجم عبدالسلام الغرياني تحت هذا المسمّى.

تأتي الترجمة الأدبية في صدارة مدْ الجسور بين مختلف اللغات، فالمترجم تقع عليه أعباء ومسؤولية أخلاقية في المقام الأول و هو إن افلح سيقرّب المسافة بين النَّاس و إن اخفق فستبقى المسافة على حالها ونتحول إلى مجتمعات مغلقة.

دليل  حركة الترجمة  في الوطن العربي صدر مرتين دون الإشارة إلى مترجم ليبي واحد

وأضاف الغرياني أن ترجمة النَّص الأدبي من اصعب الترجمات، لما يتطلب من الناقل إلى لغة أخرى البحث في تفاصيل دقيقة على خلفية النص، فلا تكفي اجادة اللغة و حسب، بل على ناقل النَّص الأدبي أن يكون أديبًا في الأساس، مترجم الرواية هو روائي بالأساس، سارد، حكّاء، حتى و إن لم يكتب رواية، ذلك أن في داخله الروائي، السارد الحساس، الترجمة الأدبية موهبة، إنها مثل كل موهبة يتمتّع بها المرء، فمن دون موهبة لا يمكن لأي مترجم أن يقبل على عمل و يقاربه إلى اللغة الهدف.

وعن المصاعب و العراقيل أشار الغرياني إلى أن الترجمة إلى العربية للأسف تواجه العديد من التحديات، منها اللوجستي، ومنها عدم الاهتمام بهذا النشاط النبيل، إننا في بداية الخطوة الأولى في هذا الطريق، بالنظر إلى عدد الأعمال الأدبية التي تُرجمت إلى العربية و هي متواضعة على اية حال. فمنذ عصر المأمون إلى الآن لم تتحاوز الترجمات بالمجمل 10 آلاف كتاب، نصيب الاعمال الادبية منها قليل جدًا. 

واوضح أن مترجمين عرب افذاذ انبروا لترجمة عيون الأدب العالمي من شعر، ورواية، و قصة، غير أن فوضى الترجمة جعلت هذه الجهود تتشتت لغياب التنسيق والانفاق على الترجمات، و تبقى الترجمة الأدبية مشاريع شخصية في غياب المؤسسات وغباء الدول العربية وجهلها بأهمية هذا النشاط الانساني، فوزارة الخارجية الأمريكية ووالخارجيةالفرنسية بها قسم يسمى القسم الثقافي بالوزارة تُرصد له ميزانية مهمة لنقل الأعمال الأدبية إلى اللغات الاخرى، و كذلك فطنت له وزارة الخارجية الصينية منذ عقدين على الاقل.

ويرى أن المترجَم إلى اللغة العربية من اللغات الأخرى في السرد والشعر هو الاقل بين أمم الأرض، حتى أن الترجمات الحالية تحتاج إلى اعادة ترجمة وصياغة لما انتابتها من اخطاء وهفوات، وخلط في المفاهيم.

النص والهوية 

ويستطرد الغرياني مستشهدًا بما قاله «نابكوف» صاحب رواية لوليتا، (أن اسوأ الترجمات تلك التي تجرّد النص من هويته، و تلبسه هوية اللغة المُترجم إليها)، موضحًا أن  هذا نكتشفه في عدد كبير من روايات تُرجمتْ إلى العربية منذ عقود، اشهرها على سبيل المثال ترجمة المرحوم سامي الدروبي لأعمال (داستيوفسكي)،  رغم الابداع في الترجمة إلا أنها جاءت عن لغة وسيطة وهي الفرنسية التي يجيدها، فالمترجم الفرنسي نقل النص الروسي بمقاربة فرنسية من حيث أسماء الأشياء لتتماشى مع القاريء الفرنسي، واعيدت الترجمة مؤخرًا، لتتفادى هذا الخطأ، وكذلك الترجمة العربية لاشهر نص أسباني (دون كيخوته) ترجمه ثلاثة مترجمين عرب: عبدالرحمن بدوي، ورفعة عطفه وسليم العطار، الرواية هي سخرية و مليئة بالمواقف الفكاهية الكوميدية، التى نتلمس الحكمة من ورائها، ترجمة سليم العطار هي الاقرب والامتع، ونجح في مقاربة النص بما يريده المؤلف، في حين جاءت ترجمة بدوي فلسفية بالنظر إلى خلفيته كأستاذ فلسفة، فضاعت الفكاهة والسخرية الحكيمة في ثنايا النص.

واختتم ورقته بالقول (يجب على مترجم النص الأدبي أن يكون موهوبًا بالأساس، و عارفًا بدقائق اللغة المترجم منها، فلا تكفي دراسة اللغة المراد الترجمة منها في ابداع نص يقارب النص الاصل، أو كما قال بورخيس🙁 ثمة نصوص تفوق ترجمتها النص الأصلي).

تعريف تاريخي 

لا تكفي اجادة اللغة، بل على ناقل النص الأدبي

 أن يكون أديبًا في الأساس

يعرف الدكتور محمد بالحاج الترجمة بنقل الفنون الادبية بأنواعها أما ماعدا الفنون الادبية من شعر وسرديات، فهو يمثل الابداع الذاتي للأديب فهو يصدق عليه الترجمة الادبية، لكن إذا ما وجدنا ترجمات لنصوص فلسفية مثلًا أو  في علم الاخلاق والاجتماع أو علم النفس، فهي تعتمد على الكاتب ومدى تمكنه من اللغة العربية، حيث نجد تباينًا كبيرًا بين المترجمين؛ فمنهم من يشدك بأسلوبه ولغته وتشعر أنك تقرأ الكتاب بلغته الأم .

ويستشهد بالحاج من واقع دراسته أن قرأ كتاب (فلسفة الحضارة) المكتوب باللغة الالمانية بترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي، وكيف تمكن الدكتور بدوي من مقاربة روح النص الأصلي، كذلك أحمد حسن الزيات من رواد الترجمة في العالم العربي، وبترجماته عن الفرنسية .. ومن جانب آخر تطرق إلى المسار التاريخي للترجمة الليبية من خلال نتاج روادها وتنوعه في النقل من وإلى اللغة العربية، كنتاج الكتاب فؤاد الكعبازي وخليفة التليسي، ففي حين نجد أن الأول ترجم من العربية إلى الإيطالية، قام التليسي بالترجمة من الإيطالية والإنجليزية إلى العربية، أيضًا الدكتور علي فهمي خشيم ترجم من اللغة للاتينية بواسطة اللغة الانجليزية، اضافة إلى الدكتور رجب أبو دبوس فبحكم نشأته الأدبية وما قدمه في مجلة «قورينا » وهو طالب بكلية الآداب، جعله يعنى بترجمة عدد من الآثار الأدبية في اللغة الفرنسية ثم انطلق بعدها إلى الفلسفة .

ويشير بالحاج إلى جهود الدكتور نجيب الحصادي في الترجمة حيث وصلت أعماله في هذا الحقل  إلى 38 كتابًا .

ويواصل الدكتور بالحاج موضحًا أن حركة الترجمة فرضت وجودها، فعندما قامت منظمة «اليونسكو» للثقافة والعلوم فترة الثمانينات من القرن الماضي عبر مقرها في تونس بإصدار دليل عن حركة الترجمة  في الوطن العربي، للأسف صدر هذا الدليل مرتين في حوالي 700 صفحة، لم تتم الاشارة ولو  إلى مترجم واحد أو دار نشر ليبية عُنيتْ بالترجمة .

وعلى صعيد المرجعية التاريخية يذكر بالحاج الدبلوماسي حسونة الدغيس  وزير الخارجية في عهد الدولة القرمانللية، باعتباره أول السالكين في هذا المجال، بحكم اجادته لعدة لغات بعد العربية من بينها الفرنسية، إذ قام بترجمة كتاب (المرآة) لكاتب جزائري من العربية إلى الفرنسية ونُشر الكتاب في باريس في الربع الأول من القرن التاسع عشر، ضاع الأصل العربي وبقي الأصل الفرنسي ليمضي ربع قرن ويأتي مؤرخ آخر، ورد النص من اللغة الفرنسية إلى العربية ونشر في بيروت . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى