ثقافة

رصد حركة نشر كتب الأطفال في ليبيا وتعثرها الورقة التي ألقيت بصالون عن كتاب الطفل 

عندما نوثق النتاج الفكري للأطفال والناشئة في ليبيا؛ فإننا نؤرخ لحركة نشره بطباعته وتوزيعه خلال قرن من الزمان، لكنَّنا لم نعثر في الاراشيف المحلية عن مطبوعات تعنى بالأطفال خلال (العهد العثماني الثاني) ربما لاعتماد اللغة العثمانية في مدارس تلك المرحلة، ما نتج عنها مناهج تعليمية ترد من الاستانة، وعقب الاحتلال الإيطالي صدرت في عهد (الجمهورية الطرابلسية) خمسة كتيبات موجهة للتلاميذ خلال الفترة من أواخر عام 1921 حتى عام 1924م، توالت في الصدور عن مدرستي (مكتب النجاح) و (مكتب العرفان) برعاية (حزب الإصلاح الوطني) تمت طباعتها ما بين مطبعة الترقي الوطنية، ومطبعة الفنون والصنائع يقوم ببيعها مع كتب أخرى، الفاضل محمود القاجيجي في سوق الرباع بطرابلس، الكتيبات هي:-

محمد علي المجراب.السفر الأدبي في الرسم العربي /عبدالله جمال الدين الميلادي. السعادة الأبدية في الحقائق الدينية والخطب الأدبية والأناشيد في جزأين/حسين محمد الغنيمي.الأسئلة النحوية للطلبة الابتدائية/مصطفى ذهني الكعبازي. درر الاقتباس في تاريخ الأنبياء والإسلام/علي سيالة.الدروس الأساسية للناشئة الإسلامية.

كما أعلن فيما بعد الكاتب عبد السلام الربيعي الذي هاجر إلى استنبول واستقر هناك، مؤلفًا لكتب الأطفال باللغة العثمانية، بعدما تغير اسمه إلى «سلامي منير» أنه كان قد أصدر مجلة للأطفال خلال ذاك العهد، لكننا لم نعثر عليها بعد.

ثم توقف ظهور الكتيبات عقدًا كاملاً، حتى صدور مؤلفين؛ الأول من تأليف أحمد الفساطوي بعنوان (الدر الثمين في مزايا ديننا المتين) عن مطبعة الفنون والصنائع عام 1932م، وكتاب تعليمي آخر باللغة العربية هو كتاب (إلى الحياة) قام بتأليفه الشيخ محمد كامل الهمالي وهو مدرس ليبي بارز اشتغل في المدارس التركية والايطالية، ومفتشاً عربياً بالمعارف، شاركه التأليف مفتش المدارس الايطالية العربية (اندليكاتو بالديساري INDELICATO BALDASSARE) المعلم المسؤول عن الخدمات التعليمية، وله مقالات منشورة عن التربية والتعليم بالإيطالية.

في عهد الإدارة البريطانية شهد بعض النشر الفردي، و لعل البداية الثانية لنشر الكتب المدرسية للتلاميذ، جاءت عام 1956م، حين صدور كتاب) مبادئ التاريخ( لمؤلفه الأستاذ محمد بن مسعود فشيكة وهو تلخيص لكتاب) تاريخ ليبيا المفيد(. 

كان عهد الاستقلال يؤسس للدولة الفتية، لذلك اعتمد كلية على المناهج التعليمية من دولة مصر الشقيقة، فانتهجت خطط التعليم حينها، توزيع روائع الادب العالمي والعربي على النشء، لتغذية عقولهم وارواحهم بالأعمال الأدبية الراقية، وبالرغم من ظهور نشاط حكومي في نشر كتب الكبار، إلا أن الأطفال لم يكن لهم فيها نصيب، الى حين قيام بعض الناشرين بإصدار مطبوعات تستهدف الناشئة مع مطلع العقد السابع، جاءت سلسلة عناوين الكاتب محمد عبد الله الزكرة بقصة (التفاحة الآثمة) سبقها مؤلف يعنى بالحكايات الشعبية من تأليف موجّهة فلسطينية؛ عملت في نظارة المعارف هي «هنرييت سكسك فراج» عام 1964م. 

تعد بداية النشر الرسمي عند صدور القانون رقم (60) القاضي بإنشاء (الشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان) في 25/09/1974م، وبالتصديق على اتفاقية إنشاء مؤسسة مشتركة للنشر والطبع والتوزيع بين ليبيا وتونس هي (الدار العربية للكتاب) وفق القانون رقم (60) للعام 1973م.لتصدر أولى منشوراتهما معا عام 1975م.

الملاحظ أن المناهج الدراسية، قد نابت عن غياب التغطية لمجالات التأليف عند البدايات، مثل إدراج (الزنبقة السوداء) و(الأيام) ضمن المناهج التعليمية. وفي اللغة الانجليزية قصة (تاجر البندقية) لشكسبير، كما نال الناشئة نسخاً من قاموس (مختار الصحاح) إلى جانب كراسات لتعليم مهارة فن الخط العربي وغيرها.

الحقيقة أنهما كدور نشر حكومية ابديا اهتمامًا كبيرًا بنشر مؤلفات الأطفال، سواء في تشجيع الكُتّاب الليبيين على التأليف لهم، أو بإعادة نشر سلاسل عربية واجنبية مترجمة لاقت الرواج، أيضا ارتفع مؤشر نتاج (الدار العربية للكتاب) بوصفها دار مشتركة بين ليبيا وتونس الشقيقة؛ لاعتمادها على عديد المؤلفين والرسامين التونسيين والفرنسيين، كما تصدت بعض الجهات الرسمية والحكومية للمشاركة وفق أهدافهاإلا أنها لا تستمر فتتوقف مثل: معهد الإنماء العربي/مركز الجهاد الليبي/مجلس الثقافة العام/مركز بحوث ودراسات الكتاب الأخضر وغيرها .. بعد عقد الثمانينيات عجزت دور النشر الحكومية والخاصة معاً، على الاستمرار بالحماس ذاته، ما نتج عنه انخفاض ملحوظ ظل يتضاعف سلبًا حتى نهاية العام الماضي.

الجانب القصصي من النتاج الكلي قد نال الغلبة، كما اتضح القصور البالغ تجاه الكتاب الإسلامي والتاريخي، وسلاسل التراجم عن الأدباء الليبيين وأبطال الجهاد ورموزه، أو الاهتمام بمجالات أخرى، مثل تعليم المهارات و الفنون وأشغال الورق، أيضاً لم تكن هناك خطط لإعادة نشر الأعمال الموسوعية الراقية مثل: موسوعة تاريخنا/موسوعة الشباب المصورة/بهجة المعرفة للراحل الصادق النيهوم.

أسباب التعثر في النشر

ما طرأ على دور النشر الحكومية من عدم الاستقرار، حيث انتهت الدار العربية للكتاب، وتعثرت الجهة الحكومية الأخرى، التي تبدلت تسمياتها وتبعيتها عشرات المرات حتى توقفت عن الاهتمام بكتاب الطفل.

قلة الدعم المالي لما تتطلبه مثل هذه المؤلفات لما تتطلبه من مشاركة الرسام والخطاط وجودة الطباعة وتكلفتها.

نفاذ الطبعات القديمة وتوقف إعادة طبعها، مع عدم الاهتمام بحفظ نسخ من العناوين في دور النشر نفذت تجارياً وعدم وجود ارشيف وطني يحفظه.

توجه بعض الكتاب إلى النشر الخاص، الذي لم يتم ضبطه وتوثيقه في الببليوغرافيا الوطنية التي تغثرت في صدورها، مع صعوبة الحصر من مراكز البيع.

تعدد دور النشر الخاصة وعدم وضوح توجهاتها في النشر، وعدم الزامهم بإيلاء الاهتمام لكتاب الطفل وفق نسبة من العناوين، أيضا ظهور النشر الفردي للمؤلفين.

 العناية بفئة الأطفال والناشئة من ذوي الاحتياجات الخاصة وتأمين

حقوقهم الثقافية.

رغم انتشار الوسائط الالكترونية عالميا وعربيا، لم يزل النشر الالكتروني منطقة محظورة محلياً.

التوصية 

نظراً لنفاذ أغلب المطبوعات الخاصة بالطفل الليبي أو شتاتها، فإن مخزوننا الفكري الموثق والمنجز خلال قرن من الزمان، مهدَّد بالاندثار ما لم ينال حقه من التجميع، والتنظيم، والإعداد الفني، والحفظ، تحسباً لمواجهة احتياجات الباحثين مستقبلاً، وأساساً تنجز من خلاله البحوث الجادة والقراءات الناقدة، إذ ينبغي العمل على أن يضمه مكان ما قبل فوات الأوان، حرصاً على تاريخ وذاكرة الوطن الثقافية، لذلك نوصي بتحقيق مشروعنا بشأن افتتاح متحف دائم لمطبوعات وصحافة الأطفال والناشئة تحت عنوان: 

(متحف الأديب يوسف الشريف لثقافة وصحافة الطفل الليبي)

أ.أسماء مصطفى الأسطى 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى