عرجت بنا عجلة التطور إلى مسالك لم نعهدها
الشكليات أصبحت أهم من متطلبات المطبخ
يستعد الليبيون في كل أرجاء البلاد كل عام للتحضير لاستقبال سيد الشهور الذي فضَّله الله سبحانه وتعالى عن باقي أشهر السنة لتتجلى المعاني السامية في عظمة وسمو هذا الشهر .
فمنذ انتصاف شعبان تشرع معظم السيدات في التجول بالأسواق، لإعداد التوابل والبهارات وخلافه، وتخصص ربات البيوت إلى العناية بتظيف البيت ، وتجديد طلائه، وتنجيد بعض قطع الأثاث . إن لزم ذلك – أو إضافة قطع جديدة من خلال تجديد غرف الإستقبال والمعيشة عند البعض ، ويأتي على رأس قائمة اهتمامهن “المطبخ ” بـاعتباره غرفة العمليات الأساسية التي تتم فيها عملية إعداد وجبة الافطار الرمضاني أوتحرص ربة البيت أثناء وجودها فيه لساعات طوال ، على ألا تعوزها وسيلة من وسائل الطبخ وملتزمات التقديم ، والأدوات الكهربائية التي تسهل عليها الكثير من مشاق الطبخ ” كما يزداد تركيزها على توفير الأواني والأطقم المتنوعة ، فنجد أغلبهن يترددن على محال المواد المنزلية لشراء الجديد والملفت وما يعددنه لازماً ، وحتى ما زاد عن الحاجة ، لأنهن. يعتقدان أن عين الصائم تأكل أولاً ، لذلك يجب أن تزدان سفرة العشاء الرمضاني بكل جميل فيما يتعلق بصحاف التقديم ، وتوابعها أما الرجال فلهم مهام أيضاً فهم المعيل الرئيس لمصاريف رمضان ، ويعتمد عليهم في انتقاء أجود اللحوم . بمختلف انوعها والتمور وتستمر مهامهم على امتداد الشهر باعانة زوجاتهم وتوفير كل متطلبات الأسرة دون كلل ولاملل وعند الإفطار وتأدية الصلاة جماعة تلتف العائلة الواحدة على مائدة الأكل أمام جهاز الإذاعة المرئية لقضية وقت يعبق روحانية بحمد الله وشكره على نعمة اتمام صيام يوم من رمضان وقدوم ساعة الفطر وفرحاً بما تجود به القنوات من برامج متنوعة ، وتدب الحركة في الشوارع ليلاً حتى ساعات متأخرة بعكس باقي الأشهر ، وكل له وجهته فمن الناس من يهرول إلى المسجد لاداء التراويح ومنهم من يقتنص فتح المحال ابوابها من الربع الأول للشهر للبحث عن ملابس العيد لأطفالهم ومنهم من يتبادل الزيارات العائلية وأن كانت لمات السهريات قد تراجعت في السنوات الأخيرة عن ذي قبل ، ولكن ماذا حصل في الآونة الأخيرة ؟ وكيف أصبحت الأسرة الليبية تستقبل رمضان ؟
فقد عرجت بنا عجلة التطور إلى مسالك لم نعدها من قبل وصار لشهر رمضان الصيام مراسم مغايرة تماماً عما اعتادناه ، فابنخراط كل فئات المجتمع في مواقع التواصل الاجتماعي اتخذوا طرقاً وتعليقات جديدة بشيء من المغالاة والإسراف .
فقد شاهدنا خيم منصوبة في الشوارع تبيع الفوانيس وأشكال الزينة المضيئة وقد امتلأت المحال المنزلية بمجسمات تختزل شخصيات كرتونية عرفها الجميع في قنوات وتعلق بها الكبار قبل الصغار ، إضافة إلى الشموع والتحف التعبيرية عن رمزيات الشهر «النجمة والهلال» ولوحات كتابية وغيرها الكثير الكثير مما لا يسعنا حصره وذكره ، وكله يعرض باسعار باهضة والغريب أنه يلاقي إقبالاً كبير جداً لكل الناس خاصة النساء ، فهن الأشد حرصاً على جمع هذه الأشياء لتزيين المنازل وتأثيث المائدة بلمسات رمضانية جديدة أسوة بغيرهن ممن يعرضن صور موائدهن في المواقع الإلكترونية فصارت لذلك هذه الشكليات أهم حتى من التفكير في متطلبات الطبخ إلى أن صيروا شهر العبادة إلى شهر لطاقة والتباهي .
حول هذه النقلة التي آل إليها مجتمعنا الليبي ستعرض آراء بعض المواطنين في التالي : تقول ابتسام الكامل / موظفة
روتيني في رمضان لا يتغير بل هو أكثر شيء ثابت في حياة أسرتي وطقوسه تتعثر لو كنت معزومة على الفطور خارج البيت ، لأنني بطبيعتي لا أطبخ أكثر ولا أنوع في الأكل ستة أو سبعة أشكال ، والشربة هي الطبق الأساسي وزوجي من النوع الذي يحب ” المسقي ” الذي لا يمكن الاستغناء عنه في رمضان وغيره الحليب والبسيسة حاضرين مع أذان المغرب ، وأي شيء مع الشربة يكون في حدود المعقول وبحسب الإمكانات هذا بخصوص مائدتنا فأكبر مكسب لدي هو صلاة التراويح جماعة أو حتي في البيت المهم المحافظة عليها وعن “الذواقة ” لو كانت معزومة عند أهلي أو الأقارب لابد أن أحمل معي شيئا ونتفق ما بيننا على الأصناف لكي لايحدث تبذيراً عندنا أو عندهم وأكثر ما اقوم عليه في رمضان من سنوات هى إعداد مائة لنزلاء دار المسنين ومشاركتهم الإفطار لأنني كنت أعمل بالدار سابقآً وتعودت على هذه العادة الحميدة عسى أن يكتبها الله صدقة مقبولة وبالنسبة لعادات الزينة التي دخلت المجتمع موخرا في بلادنا كنا نعرف رمضان بخبزة التنور وخبزة الطاجين ، أما الزينة فظاهرة جديدة إن وجدت لأبأس بها لإدخال البهجة لكن بهذه الأسعار لا داعي لها أبداً .
- هاجر رجولة / ربة بيت
أعجبتني فكرة الاستطلاع لأنني دائماً أفكر في هذا الموضوع والحمد لله أن الصحافة اهتمت بتسليط الضوء على المظاهر الدخيلة لأنها صارت تزداد بشكل مبالغ فيه ، والمعيبة أن الأجيال الصغيرة تعتقد أن هذا جزء من عادتنا لكن الحقيقية أنها لا تمت إلى عادات الليبين بأي صلة ، ولما أتسأل من أين جاءتنا !؟ لا اعتقد أننا نعرفها من زمن طويل ، لكن بالتأكيد الانترنت هو وراء كل هذا الهوس وأضافت .. بالنسبة ليَّ شخصياً في بيتى لا أقوم بأي مظاهر احتفالية في رمضان لأنني ضدها واعتبرها إسرافاً زائداً في طاعة الله تعالى.
هذا شهر تتضاعف فيه الحسنات وهو فرصة لو نتذكر المحرومين فنحسن إليهم وندعمهم، لكن نحن شعب مقلدٌ، لاحظتُ أننا نقلد المجتمعات الخليجية حرفياً لأن المسلسلات اجتاحت الشاشة في أغلب القنوات وطبيعة حياتهم مترفه ومختلفة علينا .
وتصنيف في رمضان الماضي اخرجوا لنا تقليعة اسمها «عبقة» ولم أعرف المقصد منها إلا بعد أن وجدتها شائعة في صفحات التواصل . بصراحة هذه أمور ليست متاصلة . البنات يكلفون أهاليهم مصاريف خيالية والنساء لا يرحمن أزواجهن وكله في سبيل التقليد ومجارة قريباتهن ومنافستهن على الصفحات كلهن تريد أن تنزل وتنشر تفاصيل عشائها في رمضان وهذا سيكون له نتائج على المدى البعيد؛ فالأب لو كانت نفسه ضعيفة وجاءته فرصة اختلاس سيختلس بحكم الضغوطات التي عليه والأم كذلك لتلبي رغبات بناته ، والله هذه مظاهر جلبت مشاكل الحياة لعائلاتنا فالبرغم من غلاء المعيشة أصبح الهوس في تزايد والليبيون لهم ظروفهم متشابهة ويعلم الله بحالهم والمؤسف أن الهدف الرئيس من كل هذا المصاريف هي التصوير والتباهي الفارغ .
هالة القطري / موظفة .
أنا من خلال تجربتي السابقة مع عائلتي تم برمجتنا برمجة جيدة من قلب وروح وتعاليم الإسلام فقد علمونا أن هذا الشهر تتضاعف فيه أجور العبادات من صوم وصلاة وروايح وصدقات يكفي أن فيه ليلة من الف شهر ، وعتق من النار ، مجرد ذكرنا لهذه الجملة يقشعر خوفاً وإحلالا لعظمة الخالق .
والاحتفال بهذا الشهر بهذه الكيفية التي نراها أنا أقف مع وضد ، بمعني أنني مع أنه يكون هناك إحتفال ولكن ليس بالابتداع الحادث الآن .
كأن نجهز مصليات جديدة ومفرش أكل جديد ومكان جلستنا ، أما عن تحضير التموين تعلمنا أن رمضان «يجي برزقه»
أنا عشت بمصر ثلاث سنوات وشاهدت ماهو حاصل الآن ببلادنا مع اختلاف أن طبيعة الشعب المصري وعفوية نحن بالغنا فيها بهدف التباهي و «الجكترة» وملاحقة المظاهر الشكلية .
وردة بلعيد / معلمة
في منطقة الجبل نعتبر مازلنا محافظين على الترابط الاجتماعي داخل الأسرة الواحدة أو الاسرة النواة ورمضان يعني لنا المزيد من التلاقي والاجتماع على موائد التراحم والالتحام العائلي وهذه نعمة من الله فأنا تعودت على ضرورة استقطاع جزء من عشاءنا لأهل زوجي في حال لما يأتوا للعشاء معنا وأيضاً تبادل الزيارات في الليل أنا وسلفاتي وكل يجود بما يقدر ولا نتقيد بشيء محدد ، أما عن الزينة والبهرجة فهي موجودة في طرابلس أكثر شيء لاحظناه خلال السنوات الجديدة ولم أفكر في شرائها ابداً لأنني لا أرى لها معنى ، رمضان شهر يمضي سريعاً وهنيئا لمن أستطاع أن يطويه بالصيام والقيام وطاعة الرحمن بعيداً عن المغريات التي يملأون بها الأسواق من هنا وهناك ، وسعادتنا بقدومه لاتوصف ونعلم ابنائنا الصيام بالتدرج ونطهو لهم الطعام الذي يحبونه كإكرامية لهم ومساعدتهم على حسبه والتعلق به، وعند اقتراب العيد نستقبله بالبالونات واشرطة الزينة والأنوار لأنها مناسبة للفرح.
السيد طارق خليفة / موظف مقيم خارج طرابلس .
هذا العام لاحظنا تزايدا كبيراً في اظاهر مظاهر الاحتفال وهذا يذكرني بأجواء مصر في عام ٢٠٠٨ وتفاجأت بطريقتهم لأننا اعتدنا على شراء المواد المنزلية والغذائية وهذا هو الرئيسي عند الجميع باختصار هذه ظاهرة ليست لنا ومنطقتي حيث اعيش لا توجد بها هذه المظاهر .
مجسمات وتحف وشموع بأسعار باهظة