رتوش

عمر المختار وتاريخ التعليم الليبي 1

الحديث عن العظماء ملهم تتشوف له النفوس وتتطلع لمعرفة أسرار نجاحهم وكيف حققوه، ودخلوا في سجل العظماء فتبارى المؤلفون والكتاب في التنويه بهم، وجمع سيرهم في مؤلفات تسلط الضوء على العوامل المشتركة بين هؤلاء العظماء وهي كثيرة في بابها وقد اطلعت منها على كتاب «عظماء بلا مدارس» للمؤلف السعودي عبد لله الجمعة وهو كتاب ماتع فيه منفعة وتسلية للقاريء ولايخلو من الطرافة وتحفيز من فاتتهم سفن الشهادات ان الرياح لاتنفك تسوق لمرافئهم سفن أخرى تعبر بهم لعوالم أخرى مليئة بالنجاح، وكانت مادة الكتاب متنوعة فلم يقتصر على أمة معينة وإنما كانت الشخصيات من مختلف الاعراق والديانات، وكان من بين عظماء هذا الكتاب شيخ الشهداء المجاهد «عمر المختار» رحمه الله وحري به أن يذكر في العظماء وينوه بسيرته ويعرف له فضله وكل هذا وزيادة ذكره المؤلف بقلم الاعجاب والثناء فإن عمر المختار ليس شخصية وطنية ضيقة بل هو شخصية عربية اسلامية تشرف كل العرب والمسلمين بل كل حر في العالم يرفض الظلم ويأبى أن يرى وطنه يرسف تحت أغلال الاحتلال، وكان من شرط المؤلف كما نص في ص 15 انه وضع معيارين لقبول أي شخصية وادراجها في كتابه وهما:

-1 (أن يكون الشخص قد تخلف عن أقرانه في المدرسة لأي سبب كان، بمعنى أن يكون من المستهجن في ذلك الوقت توقف أي شخص عن المدرسة عند حد معين كالذي توقف عنده أشخاص هذا الكتاب. فالجماعات التي تعارف عندها أن النهاية المقبولة للدراسة هي المرحلة الجامعية، يصبح عندها الشخص الذي لم يكمل تعليمه الجامعي متخلفا عن أقرانه وهكذا.

2ان يكون للشخص شهرة واسعة أو آثار باقية أو أموال طائلة أكسبته تلك الشهرة) وعند مطابقة الشروط نجد أنه لم ينطبق على شيخ الشهداء إلا ما جاء في شروط الفقرة الثانية وهي شهرته الواسعة وأثره المعنوي الذي يستلهم منه كل حر على هذه الارض معنى رفض الظلم والاستذلال وبيع الوطن للمستعمر.

ولكن موضع النقاش مع المؤلف الفاضل هو في الفقرة الأولى من الشروط إذ حكم على الشيخ رحمه الله بغير معايير عصره، وافترض وجود نظام تعليمي في زمنه لم يأت إلا بعد موت الشيخ بسنوات طويلة وهذا قصور من الباحث في الاحاطة بكل الظروف اللتي لابست حياة شيخنا الجليل حيث إن نظام التعليم الحديث في ليبيا لم يستقر وتتضح معالمه إلا في منتصف القرن العشرين أما قبل ذلك فقد كانت تجارب مرهون استمرارها حسب الظروف والمعطيات من حروب وقلاقل سياسية ونمط تفكير الناس وتحفظهم من نظام التعليم الحديث فلو تتبعنا مراحل وتواريخ المحاولات الأولى لإقناع المجتمع بجدوي التعليم النظامي في شكله الحديث نجد أن عام 1942 هو المحطة الأولى في مسيرة التعليم الحديث وذلك في عهد الوالي محمد أمين باشا حيث دعا أهالي طرابلس إلى تعليم أبنائهم في مدارس منتظمة، ولاتتعدى الدراسة فيها ثلاث سنوات، يتلقى فيها فيها الطلاب بعض المواد مثل اللغتين العربية والتركية وتعاليم الدين الاسلامي والجفرافيا والرياضيات.

وتأتي المحطة الثانية عام 1867 بافتتاح أول مدرسة إعدادية في ليبيا كاملة وكان مقرها في طرابلس، والجدير بالذكر ان المحاولات السابقة لم تلق زخما واسعا حيث ظل الناس يحافظون على نظام التعليم القديم من الكتاتيب والزوايا التي يتلقى فيها معظم علوم اللغة والدين وبعض العلوم الاخرى، وظل الامر بين المد والجزر حتى نكبت ليبيا بمصيبة الاحتلال الايطالي وماجرى على الشعب الليبي فيه من ويلات ومن مظاهر محاولة شرعنة وجوده وأنه اصبح المتحكم في مفاصل الدولة بإصدار مرسوم ملكي عام 1914م بإنشاء مدارس عربية إيطالية وهي مدارس إيطالية مدة الدراسة بها 3 سنوات.

وفي عام 1915م صدر مرسوم آخر لضم الكتاتيب للسيطرة والرقابة الإيطالية، وفي سنة 1917 صدر قانونين وضعا لطرابلس وبرقة، لتنظيم التعليم الابتدائي وجعله إلزاميا للبنين باستخدام اللغة العربية وتعليم اللغة الايطالية وشهدت تلك الفترة انتشار المدارس في مدن وقرى عديدة. 

يتبع في العدد القادم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى