رأي

فبراير نجاحات وإخفاقات

الـ17 من فبراير ثورة ولدت من رحم شعب فقد حقوقه ومطالبه الشرعية وكبتت حريته لأكثر من 40 عاما، فخرج في عام 2011 عن صمته بعد أربع عقود سلب فيها حرية التعبير وإبداء الرأي وطلب الحقوق.

صحيح أن الثورة لم تحقق المطلوب، ولا تزال هناك مظالم وكبت للحرية، وهذا لا يخفى على أحد، ففبراير ليست معجزة تغير كل شيء بين عشية وضحاها إلا أنها استطاعت أن تتبنى مطالب تحقق بعضها، وبعضها الآخر في انتظار تحقيقه بعد مرور ثماني سنوات من اندلاعها.

فما حققته فبراير من وجهة نظري المتواضعة هو حرية التعبير وهزيمة الخوف، وبزغت شمس الأمل على بناء الدولة الحضارية، وأحيت الوطنية التي غيبت خلال حكم النظام الجماهيري، وأعطت العبرة لكل من يسعى إلى السلطة ويرتكب الظلم ويستبيح دماء الليبيين بأنك ستزول وأن الحقوق والمظالم سترد إلى أصحابها مهما طال الانتظار، ثورة منحت للشعب حق اختيار حكامه عبر صناديق الانتخابات التي اختفت في “عصر الجماهير”، وشهدت فبراير نشأة الأحزاب وخلق فكرة اختلاف الآراء.

قد يختلف معي البعض ويقول أين هي حرية التعبير؟ فلا يستطيع المواطن أن يذكر اسم فلان أو يعارض ما يفعله فلان، وهذا واقع صحيح، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك مستوى ليس بالضئيل من الحريات، خاصة في مجال الإعلام والرأي العام، وهنا يجب علينا أن ندرك أن فبراير مجرد حدث وانطوى، وبقيت مطالبه التي لم تتحقق كاملة، إضافة إلى أنها خلقت لنا الفرصة لتأسيس الدولة الديمقراطية التي ما نزال نصارع الآن من أجل إقامتها رغم كل الصعاب والتحديات والحروب التي تمارس بكافة أنواعها العسكرية والإعلامية والدولية من أجل إغلاق الطريق للوصول إلى الدولة المنشودة. ومع نجاحات فبراير التي عددتها سابقا هناك إخفاقات كان سببها الشعب أو من قاموا بالثورة فقد أخذتهم شهوة النصر ولم يلتفتوا إلى بناء الدولة التي نادى بها ضحايا الثورة وتركوها لغير أهلها، أيضا لم يكن هناك مشروع مصالحة يلملم ويجبر النسيج الاجتماعي الممزق، ومشروع العزل السياسي ساهم أيضا في تعثر الثورة، فسياسة الإقصاء ما زالت مستمرة بعد مرور ثماني سنوات على فبراير.

هناك أسباب أسهمت في إخفاق فبراير في تحقيق بعض أهدافها التي تتمثل في الحرية العدالة، وبناء دولة القانون والمؤسسات، وإصدار الدستور، و تحقيق التنمية الاقتصادية، وتحسين الخدمات وغيرها، وفي تقديري أن أهم إخفاقات فبراير هي سلبية المواطن الذي لم يتابع عن كثب تحقيق الأهداف التي اعتمدتها الثورة، والتدخلات الخارجية التي تريد إجهاض الثورة ، وصراع المطامع على السلطة، وعدم وجود جيش قادر على بسط سيطرة الدولة، ومحاولة الحكومات والسلطات المنتخبة البقاء في السلطة أكثر من الوقت المحدد لها، ووجود بعض الكتائب والتنظيمات الإرهابية التي وجدت المناخ الآمن في ليبيا مستغلة فوضى الثورة.

ولكني أحسب أن طريق الإصلاح وتدارك الأخطاء لم يفت أوانه بعد، وهناك مسالك وخطوات يمكن أن تحقق هدف الثورة المنشود وهو بناء الدولة، ويمكن تلخيصها في نقاط …

-إعلان مشروع مصالحة وطنية حقيقي يضم الجميع دون إقصاء.

-الاستفتاء على الدستور باعتباره القاعدة الأساسية التي تبنى عليها الدول. -إنهاء المراحل الانتقالية وإجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن.

-دعم الأجهزة الأمنية وبناء جيش ولاؤه لله ثم الوطن. -العمل على تثقيف الشارع بأهمية احترام القانون وعدم الانجرار وراء من لديهم أجندة خارجية.

ومع كل هذه الإخفاقات والنجاحات التي حققتها ثورة فبراير يجب علينا أن نلتف حول بناء الدولة، ونترك الخلافات التي تساهم في المزيد من الانقسام خلفنا؛ لأن الوطن لن يبنى إلا بسواعد الجميع.

الكاتب والصحفي / محمد الشكري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى