الرئيسيةمتابعات

فبراير.. ذاكرة النَّور الذى نازع الظلام ثورة فجرها شباب وقادها رجال

وإذا كانت مطالب الثورة وأحلامها لم تتحقَّق، فإن هذا لا يعنى إنكار حقيقة التضحيات التي قدمها الكثير من أبناء الشعب الليبي، ولا ننسى في الوقت ذاته الكثير من عيوبنا وقصورنا فى التعامل مع الواقع الجديد بحكمة وبوعى سياسي يضع مصلحة الوطن فوق الجميع مما فتح الباب أمام التدخلات الدولية والمؤامرات الخارجية ومحاولات إفشال الثورة أو اجهاضها .. ثورة فبراير هي ثورة فجرها الشباب وقادها رجال ليبيا الشرفاء وعانقها معظم الليبيين صغاراً وكباراً نساءً ورجالاً، منذ الأيام الأولى؛ فالحديد الصلب لا تقهره إلا النَّار .. أما عظام الرجال فلا تقهرها إلا الاهانة.. وقد أهين هذا الشعب على مدى تلك العقود ولكن لم تقهر الاهانة عظام رجالاته بل تحولت إلى وقود أشعلت مواقد الثورة وعجلت بتحرك الزلزال المنتظر وحركت براكين الغضب التى قذفت حممها الملتهبة فى كل اتجاه معلنة 17 فبراير 2011 تاريخا عن بداية فك الارتباط الجبري المزمن والخروج من تحت مظلة السلطة المطلقة وحكم الأسرة الواحدة التي جعلت من ليبيا التاريخ إقطاعية خاصة تتصرف بها كيفما تشاء وكان لصدور أولئك الشباب العارية موعدًا مع التاريخ وهى تتصدى للرصاص وتسقط حلقات الأحجية وينقشع الظلام ويشرق صبح جديد ومعه تنكسر الأصفاد عن تلك الجموع لتخرج هادرة نحو آفاق الحياة الكريمة واضعة اللبنة الأولى في بناء سرج ليبيا الحرة الموحدة دولة العدل والحق والمساواة ففى فبراير 2011 اندلعت الثورة في ليبيا وتحولت إلى نزاع مسلح بين شعب ونظام مستبد إثر احتجاجات شعبية بداية في بعض المدن الليبية ضد نظام معمر القذافي هذه الثورة التى قاد الشبان الليبيون الذين طالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. كانت الثورة في البداية عبارة عن تظاهرات واحتجاجات سلمية، لكن مع تطور الأحداث وقيام الكتائب التابعة لمعمر القذافي باستخدام الأسلحة النارية الثقيلة والقصف الجوي لقمع المتظاهرين العزّل، تحولت إلى ثورة مسلحة تسعى للإطاحة بمعمر القذافي الذي قرر القتال حتى اللحظة الأخيرة. وبعد أن أتم المعارضون سيطرتهم على الشرق الليبي أعلنوا فيه قيام الجمهورية الليبية بقيادة المجلس الوطني الانتقالي، (حيث انطلقت في يوم 15 فبراير اثر اعتقال محامي ضحايا سجن بوسليم فتحي تربل في مدينة بنغازي فخرج أهالي الضحايا ومناصريهم لتخليصه وذلك لعدم وجود سبب لاعتقاله، وارتفعت الأصوات مطالبة بإسقاط النظام وإسقاط لقذافي شخصيا مما دعا الشرطة إلى استخدام العنف ضد المتظاهرين واستمرت المظاهرات حتى صباح اليوم التالي.. وفي اليوم التالي انتفضت الرقدالين و الجميل و العحيلات في غرب البلاد لكن البيضاء شهدت سقوط أول شهداء في الثورة يوم السادس عشر من فبراير وتلتها يوم 16 فبراير مظاهرات للمطالبة باسقاط النظام بمدينة البيضاء فاطلق رجال الامن الرصاص الحي وقتلوا بعض المتظاهرين، كما خرجت مدن جبل نفوسه الزنتان ويفرن ونالوت والرجبان في نفس اليوم وقام المتظاهرون في العجيلات بحرق مقر اللجان الثورية، وكذلك مركز الشرطة المحلي، ومبني المصرف العقاري بالمدينة، وازدادت الاحتجاجات اليوم التالي وسقط المزيد من الضحايا وجاء يوم الخميس 17 فبراير عام 2011 م على شكل انتفاضة شعبية شملت بعض المدن الليبية في المنطقة الشرقية فكبرت الاحتجاجات بعد سقوط أكثر من 400 ما بين قتيل وجريح برصاص قوات الامن ومرتزقة تم جلبهم من قبل النظام. وقد تأثرت هذه الاحتجاجات بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 م وبخاصة الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية اللتين أطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك. وفي يوم 20 أنتفضت مدينة طرابلس وهي العاصمة الليبية وقد افلح شباب العاصمة بإسقاط العاصمة ونظام القذافي في تسع ساعات وكان ذلك بسبب رفض الكتيبة المسيطرة على طرابلس القتال وبعدها في يومي 21 و22 أغسطس دخل الثوار إلى العاصمة طرابلس المحررة من شبابها بالاحتفال وقامو جميع الثوار بسيطرة على آخر معاقل القذافي وقتل الأخير في سرت بحلول يوم 20 أكتوبر.

القذافي والحكم

ويُعد معمر القذافي أطول حاكم غير ملكيٍّ من حيث مدة الحُكم في تاريخ العالم أجمع، وأطول حاكم في تاريخ ليبيا منذ أن أصبحت ولاية عثمانية عامَ 1551م، لكنه معَ ذلك يَعتبر أنه ليسَ حاكماً ولا يَملك أيَّ منصب، إنما «قائداً» و»زعيماً» كان القذافي إنساناً غريبَ الأطوار بشكل عام، وكثيراً ما كان يُحاول الخروج عن المُعتاد في أفكاره، فكان يُلقب نفسه بـ»ملك ملوك إفريقيا»، كما ألغى التقويم الهجريَّ في ليبيا واعتمدَ تقويماً شمسياً جديداً يَبدأ تأريخه من وفاة النبي محمد ويَعتمد تسميات خاصة للأشهر مُختلفة عن سائر التقاويم الأخرى (وقد آثار تقويمه هذا انتقادات واسعة في الأوساط العربية). كانت العلاقات عموماً متوترة بين القذافي والغرب خلال مُعظم فترة حكمه، ووصلَ الأمر إلى حد فرض عُقوبات قاسية ضد ليبيا في مجلس الأمن الدولي عام 1989، لكن معَ ذلك فبعدَ رفع المجلس لعقوباته في عام 1998 عادت العلاقات بين ليبيا والغرب للتحسُّن بسرعة والتوطد إلى حد كبير، ومن ضمن ذلك دفعه تعويضات بمقدار 2.7 مليار دولار إلى الغرب عام 2003 بسبب التوترات السابقة، ثمَّ تفكيكه لأجهزته النووية وإلغاء برنامجه النووي وإهداء مخططاته ومعداته كافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وشهدت فترة حكم القذافي سجلا مناهضا لحقوق الإنسان وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وزاد قمع الحريات وتقنين الصحافة والرقابة على المطبوعات وزاد سجناء الرأي والسجناء السياسين وغيبوا وقتل المئات منهم والتنكيل والتهجير بأسرهم وزاد الخوف من أجهزة الأمن والبوليس السياسي. وشهدت ليبيا كذلك فترة الإعدامات الجماعية التي بدأت في نهاية السبعينات واستمرت حتى منتصف الثمانينات وراح ضحيتها العديد من طلبة الجامعات والمثقفين وأصحاب الفكر السياسي المناهض لفكر القذافي واعدموا على في الساحات والميادين والجامعات.

أحداث شهيرة

ويمكننا الأشارة هنا الى أبرز ثلاثة احتقانات وأحداث شعبية شهيرة في عهد القذافي هيَ مجزرة سجن أبو سليم عام 1996 ومجزرة مشجعي كرة القدم عام 1996 ومظاهرات بنغازي عام 2006. ففي عام 1996 قامت أجهزة الأمن الليبية بارتكاب إحدى أكبر المجازر في عهد القذافي بسجن أبو سليم، وهو سجن يُؤوي المُعتقلين السياسيين في المقام الأوَّل، ويُعد أكثر سجون ليبيا إحكاماً وتحصيناً، وبنقيض باقي سجون البلاد فهوَ لا يَخضع لإدارة وزارة العدل الليبية بل يُدار مُباشرة من طرف الأمن الداخلي. لكن في شهر يونيو عام 1996 تمرَّد عدد كبير من السجناء مُطالبين بأن يُحاكموا بشفافية بدلاً من اعتقالهم قسرياً وبأن يَحصلوا على ظروف معتقل أقل سوءاً، وتمكن المُتمؤدون من السَّيطرة على جزء من السجن وطرد الحرس منه، ونتيجة لهذا فقد أطلقت أجهزة الأمن الليبية حملة يوم 28 يونيو من ذلك العام لقمع التمرُّد، وبعدَ بعض المُفاوضات بينهم وبين المُتمردين، بدأت عملية اقتحام المناطق التي يُسيطر عليها السجناء باستخدام الرشاشات والقنابل اليدوية، وبذلك بدأت المَجزرة، التي قبضوا خلالها على مئات المُتمردين وقاموا بتصفيتهم جماعياً، ويُقدر عدد ضحاياها بحوالي 1170 قتيلاً.

وفي عام 1996 نفسه حدثت مجزرة أخرى أصغرَ حجماً في العاصمة طربلس أيضاً، إذ انتصرَ نادي الأهلي الطرابلسي على النادي الاتحادي في إحدى مباريات كرة القدم، فتحمَّسَ مشجعو الأهلي وأخذوا بالهتاف ضد النادي الاتحادي وتأييداً للأهلي، وقد كان وقتها الساعدي القذافي حاضراً في المباراة على المنصة الشرفية، فلم تَرق له هتافات الجمهور لأنه كان عضواً في النادي الاتحادي آنذاك، ولذلك أمرَ قوَّات الأمن بإطلاق النار على المُشجعين فوقعت المجزرة التي راحَ ضحيتها 20 مدنياً ممن كانوا يَهتفون للنادي الأهلي. وقد تسبَّبت هذه المجزرة بإغلاق نادي الأهلي والاتحاد وتجميد نشاط كرة القدم في كافة أنحاء ليبيا لمُدة ثلاث سنوات كاملة.

الرصاص والاحتجاجات

وفي بنغازي اندلعت أحداث عام 2006 بسبب أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد، التي خرجت رداً عليها المئات في المدينة في يوم الجمعة 17 فبراير واتجهوا نحوَ القنصلية الإيطالية بها، وحاولَ المُتظاهرون اقتحام القنصلية فاعترضتهم قوَّات الشرطة، ثمَّ صعدَ فتى إلى مبناها وانتزعَ العلم فأطلقت الشرطة عليه النار، وبذلك بدأ الاشتباك بين المُتظاهرين الغاضبين ورجال الشرطة الذي تطوَّر إلى استخدام الرَّصاص الحي وانتهى بمقتل 11 متظاهراً وسُقوط ما لا يَقل عن 35 جريحاً. وبعدَ هذه المجزرة تطوَّرت الأحداث، فاندلعت الاحتجاجات مُجدداً يوم السبت وأحرق المُتظاهرون الغاضبون القنصلية الإيطالية بعدَ أن اتجهوا إليها مُجدداً، وخلال فترة أيام 1820 فبراير توسعت دائرة مطالب المُحتجين، فأخذوا بالتوجه نحوَ رموز السلطة بليبيا نفسها، وأحرقوا أربع مقارٍ للشرطة ومبنيي الضرائب والمباحث الجنائية فضلاً عن اقتحامهم لمديرية الأمن في بنغازي، وكانت حصيلة المباني الحُكومية التي أحرقوها في آخر الأمر حوالي 30 مبنى. وفي سبيل احتواء هذه الاحتجاجات أعلنت السلطات الليبية الحداد على «شهداء» مجزرة 17 فبراير وأقالت وزير الأمن العام بالبلاد، كما اهتمَّت بنقل عددٍ من جرحى المُظاهرات للعلاج في الخارج. وبعدَ وُصول الاحتقان إلى هذا المستوى على مدى أربعة أيام من التوترات في مدينة بنغازي، انتهت الأحداث بفرض السلطات الليبية لحالة الطوارئ وإعلانها حظر التجوال في المدينة، معَ إرسال تعزيزات أمنية إليها من المناطق المُجاورة للحرص على عدم تكرار المُظاهرات.

كما شهدت مدينة البيضاء في 1 سبتمبر عام 2006 احتجاجاً عارمة أثناء احتفال انقلاب 1969 أو ما يعرف بعيد الفاتح، وقام بعض المواطنين بالهجوم على عربات بها دبلوماسيين والعقيد القذافي احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية بالمدينة، مما أدى إلى كسر نوافذ السيارات ولم يصاب على اثرها أي شخص.

في 14 فبراير 2011 أصدرت 213 شخصية ممثلة لمجموعة من الفصائل والقوى السياسية والتنظيمات والهيئات الحقوقية الليبية بيانا يطالبون فيه بتنحي العقيد القذافي، مؤكدين حق الشعب الليبي في التعبير عن رأيه بمظاهرات سلمية دون أي مضايقات أو تهديدات من قبل النظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى