هوتنا وهويتنا
هناك هوة لا يمكن ردمها بين التحضر وادعائه، كما أن هناك فرقا هائلا بين التمدن وانتحاله، وعلينا أن نعيَ أن التحضر والتمدن ليسا سمة تكتسب من السكنى في مكان أو الانتقال من جهة إلى جهة، هو أمر يتعلق بالقيم والعقل والعلم، فكم من ساكن مدينة لا يفكر إلا في سرقة مال الآخرين ويسير بمبدأ مصلحته وإلا فليتدمر كل ما حوله.، ويستخدم انتسابه لجهة أو لقب علمي يدعى به في انتهاز الفرص والغش وتحطيم المنافسين أو الخصوم. بينما قد يسكن شخص ما الريف أو البادية لكن يحب النظافة والشجر والورد والعمران الجميل، وربما يكون باحثا وعالما وأديبا أو حتى مؤمنا بضرورة العلوم في الحياة ودورها في جعل الأيام أفضل والآلام أقل.
إن ما تغير من علي بن الجهم حين أسكنه الملك القصور هو القشور، لكن القيم في الوفاء وحماية الضعيف والشجاعة في الحق لم تكن غائبة عنه حين جاء من البدو، وحبذا لو اجتمعت نبالة أخلاق أهل الريف والبادية مع أفق وحساسية أهل المدن والحصر لتشكل إنسانا ومجتمعا جيدا منتجا ذا ضمير وقيم، ما سينعكس في بناء كل شيء على أساس صحيح ونبذ النفاق والتلاعب بالقانون واستباحة ما للغير، فالمجتمع ينبغي أن يكون على نهج الصدق والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص وإعمار الوجدان والمكان والاستثمار في الزمان بما يليق بمستقبل وجيل سيأتي ليكمل لا ليكتب عنا مثل قول نزار قباني: خلاصة القضية توجز في عبارة، لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية.